اخر الاخبار

المعروف أن العراق شهد عندما كان كلكامش ملكا لمملكة الوركاء، تأسيس أول برلمان في تاريخ المجتمع البشري المكتوب إذ تكون من مجلس الشيوخ ومجلس المقاتلين. وبقيت تلك حالة فريدة فقد انتهت ملوكية كلكامش للوركاء على يد ملك مملكة كيش وتوالي السيطرات الأجنبية على العراق خصوصا بعد دخول هولاكو بغداد عام 656 هجرية وفقدان العراق لسيادته واستقلاله السياسي حتى قيام النظام الملكي عام 1921.

النظام الملكي سن دستورا واسس برلمانا يتكون من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الاعيان.

الدستور كان ينص على أن أعضاء مجلس الأعيان يختارهم الملك، أما أعضاء البرلمان فينتخبون على مرحلتين مع احتفاظ الملك بعدد من المقاعد يختار هو شاغليها دون المرور بصناديق الاقتراع.

الرصافي في قصيدته ((أنا بالحكومة والسياسة أعرف)) وصف الدستور والبرلمان وحتى العلم بالقول:

علم ودستور ومجلس أمة                   كل عن المعنى الصحيح محرف

من يقرأ الدستور يعلم أنه                     وفقا لصك الانتداب مصنف

عام 1954 أجرى النظام انتخابات لعضوية ((مجلس الامة)) وفاز بعضويته ممثلا للمعارضة الوطنية أحد عشر نائبا, أضيف لهم فيما بعد نائب مستقل عن مدينة الموصل كان اسمه سامي باش عالم على ما أتذكر.

شق ذلك على مهندس سياسة النظام وعمود البيت كما يقال المقبور نوري السعيد فغادر العراق ليقيم في باريس، وكان ذلك صعبا على النظام فتوجه الوصي على العرش وولي العهد عبد الإله إلى باريس لإرضائه ودعوته للعودة إلى العراق فأصر على أن عودته يجب أن تقترن بإقالة الوزارة وتكليفه هو برئاسة مجلس الوزراء مع منحه الصلاحيات المطلقة في ادارة الدولة العراقية وكان له ما أراد.

وحال تشكيله الوزارة قام بحل البرلمان الذي لم يعقد غير جلسة أداء القسم وقرر عام 1955 إجراء انتخابات لمجلس جديد. وكان واضحا أنها ستكون انتخابات مزيفة خصوصا وأنه أصدر عدة مراسيم تقضي بـ:

- إلغاء إجازة الأحزاب المجازة.

- إلغاء إجازة النقابات المجازة.

- إلغاء إجازة الصحف المجازة.

- تعديل المادة 81 من قانون العقوبات البغدادي لتنص على الحكم بالسجن وفقا لتهمة

(وما أشبه ذلك).

وعليه قررت أحزاب المعارضة مقاطعة تلك الانتخابات وقاطعتها فعلا.

ولم تكن تلك المقاطعة فرصة للاعتكاف في البيوت وترك نوري السعيد يفعل ما يشاء. وجاءت الفرصة عام 1956 لمنازلة كبرى مهدت الطريق لإسقاط النظام عام 1958 بقيام ثورة الرابع عشر من تموز بعد ان تم استكمال مستلزمات الاسقاط بقيام جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 وتوحد منظمات الضباط الاحرار وكانت عديدة: احداها بقيادة الشهيد وصفي طاهر اخرى بقيادة الزعيم الركن محي الدين عبد الحميد، ثالثة بقيادة الزعيم الركن ناجي طالب آمر اللواء الخامس عشر في البصرة، رابعة بقيادة رفعت الحاج سري…… الخ، وقد اتفق حينه على تشكيل قيادة موحدة برئاسة الشهيد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم باعتباره اقدمهم رتبة.

لم يندم أحد من الأطراف التي قاطعت انتخابات عام 1955 وما قال أحد ما كان ينبغي الاقدام على المقاطعة.

وما زلت اتذكر ما ورد في وثيقة تقييم سياسة الحزب التي عرضت على الكونفرنس الثالث للحزب اواخر عام 1967 واقرت ثم عرضت على المؤتمر الثاني للحزب آب- ايلول / 1970 وأقرت ايضاً من اننا حزب ثوري لا نلطم الصدور على خسارة معركة، ان الخسارة الاكبر هي ((ضياع التجربة)).

لقد قدرت القوى الوطنية عام 1955 بان الانتخابات ستكون مزيفة ولهذا قررت مقاطعتها اذ ان الاسهام فيها كان يعني اعطاءها التزكية والشرعية واذكر هنا مثلا على ما شابها من تزييف:

منطقة الجبور في قضاء ابي صخير كان تصويتها في أحد الصناديق الانتخابية في مفترق طريق غماس من طريق النجف – ديوانية قريبا من منطقة سكناهم ففضلوا ان يتوجهوا للتصويت عصر يوم التصويت / العام 1955.

عصرا تجمعوا في مضيف الشيخ ورفعوا بيرق العشيرة وتوجهوا يرددون الهوسات الشعبية باتجاه مكان التصويت.

عندما أصبحوا قريبين جدا من المكان توجه إليهم ضابط الشرطة المسؤول عن التصويت في ذلك المركز الانتخابي بالسؤال ((جئتم تريدون التصويت أم إتعابي أنا)) أجابوه ((جئنا للتصويت)).

فأوضح لهم أنهم إذا كانوا يريدون التصويت فليعلموا ((ان اذاعة بغداد، وفي نشرتها الاخبارية في الساعة الثانية بعد الظهر، اعلنت عن فوز الشيخ …. من هذا الصندوق بالذات)).

طووا بيرقهم وعادوا إلى بيوتهم.

وكانت انتخابات وديمقراطية ينطبق عليها وبحق، ما كتبه اواخر عام 1959 الرفيق المحامي نصيف الحجاج على صفحات جريدة المنطقة الجنوبية للحزب الشيوعي العراقي وكان حينها رئيسا لتحريرها تحت العنوان:

عرض مقالات: