عقد «بيت المدى» للثقافة والفنون في شارع المتنبي، الجمعة الماضية، جلسة استذكار لرائدة الحركة السنوية العراقية صبيحة الشيخ داود، في مناسبة الذكرى الـ50 لرحيلها.
وخلال الجلسة التي حضرها جمع من الأكاديميين والقانونيين والمثقفين والناشطين، جرى تسليط الضوء على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يصر بعض الكتل السياسية على إقراره، رغم الرفض الشعبي الواسع الموجه إليه.
مقدم الجلسة رفعت عبد الرزاق، استهل تقديمه بالإشارة إلى إنجازات صبيحة الشيخ داود على طريق الحركة النسوية العراقية. فيما لفت إلى انه «رغم كل ما بذلته المرأة العراقية خلال عقود طويلة في سبيل تحقيق ذاتها، نتفاجأ بأن هناك محاولات لتحجيم دورها».
وعن الراحلة صبيحة الشيخ داود، قال انها «نشأت في أسرة دينية، لكنها فاجأت العراقيين بمحاولات تحررية واضحة. فقد كان والدها الشيخ أحمد متحرراً، رغم كونه وزيراً للأوقاف في العشرينيات»، مضيفا أن «صبيحة أول فتاة عراقية تدخل كلية الحقوق».
وكان أول المتحدثين في الجلسة عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي د. صبحي الجميلي، الذي تطرق إلى مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية. وقال أن «هناك شكا كبيرا في شرعية مجلس النواب من ناحية تمثيله إرادة المواطنين. فالمشاركة في الانتخابات بلغت 20 في المائة أو أقل، وبالتالي هناك تساؤل عن مدى شرعية التمثيل لمجلس يتخذ قرارات لها تأثير كبير، وتخص الناس والأسرة».
وأضاف قائلا: «بالنسبة لمقترح التعديل، فنحن امام محاولات فرض هيمنة اغلبية معينة في مجلس النواب، لتنميط حياة الناس وفق منهج معين. وهذا يأتي بعد مجموعة من الإجراءات التي تسعى إلى تقزيم الهامش الديمقراطي وتضييق مساحة الحريات».
وتساءل: «لماذا اللجوء إلى تعديل هذا القانون في وقت توجد فيه قرابة 150 قانونا مركونة في رفوف البرلمان، قسم منها أساسي ويمس حياة الناس، وهناك ما يقرب من 50 مادة قانونية يفترض ان تشرع بقانون، ولا تزال تنتظر التشريع؟!».
وتابع د. الجميلي قائلا: «إذن لا يمكن عزل هذا التعديل عن الاتجاه الذي يسير نحو تضييق الحريات»، مؤكدا: «نحن في الحزب الشيوعي نرفض هذه التعديلات، لأنها تضر بقانون متوازن حفظ الاسرة العراقية. وإذا كانت هناك تعديلات يراد ان تقدم على اي قانون، يفترض ان تكون باتجاه تعزيز الجانب الإيجابي والتقدمي».
ونوّه إلى ان «المفارقة هي ان قانون الأحوال الشخصية الذي شرع قبل 65 عاما، متقدم على التعديلات المقترحة اليوم، والتي تضر المجتمع»، مشيرا إلى ان «هذه التعديلات تتقاطع مع ما تدعيه القوى المتنفذة بأنها تريد الأمان والاستقرار للبلد».
أما المتحدث الثاني، فكان د. عامر حسن فياض، الذي قدم لمحة تاريخية من الحركة النسوية العراقية، ما قبل مجيء صبيحة الشيخ داود، مشيرا إلى ان أول الرواد الداعين لتحرر المرأة في العراق، هو الشاعر جميل صدقي الزهاوي، ثم استمرت الكتابات المدافعة عن حرية المرأة.
وتحدث د. فياض عن مساوئ التعديلات المراد إجراؤها على قانون الأحوال الشخصية.
وساهمت في الجلسة أيضا أستاذة علم الاجتماع د. لاهاي عبد الحسين، التي تحدثت عن مقترح تعديل القانون المذكور.
وقالت: «يبدو أن الذين تحمسوا للتعديل، اختزلوا كل مشكلات المرأة في قضية الزواج»، مضيفة أنه «طبقا لقانون الأحوال الشخصية الساري، فإن أول سؤال يتلقاه أي عراقي مقبل على الزواج في المحكمة، هو: (على أي مذهب ستتزوج؟)، وبعدها تُذكر تفاصيل المهر حسب المذهب. إذن ما الداعي للتعديلات المقترحة؟!».
وأشارت د. لاهاي إلى ان «واحدة من أخطر القضايا التي يشجع عليها التعديل، هي السماح بقبول عقود الزواج خارج المحاكم، في وقت تعاني فيه المرأة العراقية من عدم حماية حقوقها. فكيف إذا تزوجت خارج المحكمة؟!».
وتحدثت في الجلسة رئيسة رابطة المرأة العراقية شميران مروكل، التي ألقت الضوء على سيرة صبيحة الشيخ داود، مبينة أن الراحلة من أوائل النساء اللواتي عملنَ في مجال تحرر المرأة وتمكينها في بناء المجتمع، وخلال مسيرتها تحقق الكثير من المكاسب للحركة النسوية، من بينها قانون الأحوال الشخصية العراقي لسنة 1959.