اخر الاخبار

الحديث ذو شجون عندما يراد الكتابة وتوثيق سيرة مناضلي الحزب الشيوعي العراقي وعلى مدى 90 عاماً من النضال المجيد والمشرف من أجل الشعب والوطن، ومن أجل تحقيق شعار الحزب “وطن حر وشعب سعيد” تعرض الشيوعيون إلى حملة شرسة وقاسية من قبل الحكومات العميلة والرجعية وإلى شتى صنوف الاضطهاد والمطاردة والتعذيب والاعدام. المئات والآلاف زجوا في السجون والمعتقلات ومناطق النفي في الرمادي وبدرة وسجن نقرة السلمان في بادية السماوة.

من خلال هذه المقدمة أود الحديث عن شخصية مناضلة أفنت سنين عمرها في النضال ضمن صفوف الحزب، إنه الرفيق والقائد النقابي الراحل رشيد العزاوي، والمكنى بـ (أبو اخلاص) وعرف بهذا الاسم عندما أخبروه وهو في حالة اختباء في أحد البيوت الحزبية بأنه قد رزق ببنت، فبعث برسالة بأن تسمى (إخلاص) وعندما سئل عن سبب هذا الاسم أجاب بأنه مصمم على الإخلاص لقضية الحزب والوطن.

تعرفت على الرفيق الراحل (أبو اخلاص) عام 1976 وكنت التقيه بفترات متباعدة وبغير موعد محدد وكانت هذه اللقاءات ضمن مناسبات اجتماعية وعائلية، ولكن هذه العلاقة تطورت واستمرت بشكل متواصل منذ عام 1985 واستمرت إلى أن وافاه الأجل في 28/ 12/ 2002.

من خلال هذا التواصل المستمر وفي ظروف عمل سري وقاسية تعرفت واطلعت على شخصية مناضلة لا تكل ولا تتعب ولا تبخل بأي جهد من أجل الحزب رغم كبر سنه ومعاناته من أمراض مزمنة إذا ما علمنا أنه من مواليد 1927، بعد رحلة طويلة من النضال وما تعرض له من سجون ومعتقلات وتعذيب وظروف عمل حزبية قاسية وخطرة.

كان الراحل يحمل صفات القائد والكادر المتمكن، حيث كان يتابع وينظم الخطوط التنظيمية الخيطية ويمتلك أكثر من محطة اتصال ويراسل الحزب في كردستان عندما انتقل الحزب إلى العمل المسلح في حركة الأنصار. كان يجمع الأموال من تبرعات الأصدقاء والمؤيدين ويوزعها حسب الحاجة الملحة حيث كان يساعد عددا من العوائل الشيوعية ومن ضمنهم على سبيل المثال المناضل الراحل صادق جعفر الفلاحي، حيث كان يكلفني بإيصال المبلغ المخصص له عندما كان يسكن داراً مؤجرة في الكاظمية. كان متفهماً لوضع الرفاق ممن تقطعت بهم السبل او من كان موقفه مغايراً او ضعيفاً في مواجهة أساليب الأجهزة الأمنية أو ممن ترك الحزب لأسباب عديدة، عدا الخونة الذين أصبحوا أداة بيد الأجهزة الأمنية، فقد كان يراعي الآخرين بروح الأخوة والصداقة ويتابع وضعهم ويحاول أن يخلصهم من شعور الضعف، ويحتضن الجميع ويشجع ويتابع، واستطاع من خلال هذه الروح المشبعة بالمسؤولية أن يشكل شبكة واسعة من مناضلي الظل الذين استطاع من خلالهم أن يقدم خدمات ممتازة ورائعة للحزب بدل أن يتحولوا إلى أفراد خائبين منسيين.

الحديث يطول عن هذه الشخصية المناضلة، وهناك مناضلون ما زالوا يعملون في الحزب ومن رفاقه يستطيعون ان يكتبوا ما لا أعرفه من تاريخه النضالي المجيد والممتد من الأربعينيات ولحد وفاته.

أدون هنا بعض الأمور الشخصية والمذكرات التي سلمني إياها ودونت بخط يده قبل وفاته:

- مواليد 1927/ بغداد.

- عقد قرانه يوم 14/ 2/ 1954 وكان وقتها هارباً من مراقبة الشرطة.

- تزوج يوم 25/ 3/ 1954، في بيت الحزب في المشاهدة جانب الكرخ.

- اشتغل في مهنة النجارة عام 1938 في معمل نجارة الزوراء في شارع المتنبي وبعمر 15 سنة عمل مراسل حزبي.

- اشترك بالحركة النقابية في نقابة عمال النجارة عام 1944 حيث كانت النقابة تعمل بشكل سري وتم تسجيله من قبل المناضل النقابي حسون عبد الله في مقهى طالب في الصالحية وكان الاشتراك 50 فلسا.

- اشترك في أول تظاهرة نظمها الحزب يوم 9/ 9/ 1946، والتي خرجت من مقهى حسن عجمي وكان يقودها الشهيد محمد حسين الشبيبي وكانت تأييداً لمطالب عمال المطابع المضربين.

- يوم 9/ 9/ 1947 ألقي القبض عليه مع الفنان يعقوب القره غولي ويوم 10/ 9/ 1947 حكمت عليه محكمة جزاء بغداد الأولى بوضعهما تحت المراقبة بتهمة الإخلال بالأمن العام وتم تسفيرهما إلى زرباطية يوم 15/ 9/ 1947 ثم بعد فترة نقلا إلى قضاء بدرة.

- يوم 12/ 12/ 1951 ألقي القبض عليه وحكم بالسجن سنة وثلاثة أشهر مع سنة تحت المراقبة. بعد انتهاء السجن في شباط 1953، كان عليه مراجعة مركز شرطة السراي للتوقيع يومياً صباحاً ومساء وهرب من المراقبة حيث تم القاء القبض عليه عام 1954 وزج في سجن بغداد المركزي ومن ثم سجن بعقوبة الذي تم فيه الاضراب عن الطعام لمدة 22 يوما ثم سفر إلى بدرة فترة العدوان على مصر حيث بقي هناك 17 شهراً وأطلق سراحه يوم 15/ 7/ 1957.

- التقى مع بهاء الدين نوري عام 1950 عندما كان المسؤول الأول في الحزب وكان رشيد العزاوي عضوا في لجنة بغداد.

- التقى مع كريم أحمد في الدار الحزبية في محلة الفحامة بالكرخ عندما تولى مسؤولية الحزب بعد اعتقال بهاء الدين نوري في نيسان 1953 وكان أيضاً عضواً في لجنة بغداد وكان مسؤول اللجنة ناصر عبود.

- التقى مع المناضل الرفيق الشهيد سلام عادل بعد هروبه من الإبعاد في مدينة الرمادي في الدار الحزبية في محلة الفحامة أواخر عام 1953، ثم انتقل الرفيق الشهيد سلام عادل وزوجته من دار عطشان الإزيرجاوي إلى دار الرفيق الراحل رشيد العزاوي في الدار الحزبية في محلة المشاهدة بعد أن أصبح الأول مسؤول لجنة بغداد والثاني عضواً في اللجنة ومسؤول تنظيم الكاظمية ومسؤول الدار الحزبية التي تنقل اليها النشرات والجرائد من المطبعة مباشرة.

هذا غيض من فيض من سيرة المناضل الرفيق الراحل رشيد العزاوي وبالحقيقة عملت جاهداً على أن اختصر الكثير من الذكريات والتي كنت استمع اليها من خلال جلسات تطول في أوقاتها وانا استمع إلى حياة مناضلين نذروا أرواحهم لخدمة الحزب بحرص ومسؤولية كبيرة لصيانة التنظيم وتنفيذ المهمات الحزبية من مخاطر يضطر بها المناضل إلى دخول السجن أو الاختباء وترك العائلة إلى مصير مجهول في العوز والفاقة على تحمل المعيشة وتربية الأطفال.

إنها سيرة معمدة بالدم والآلام والمستقبل المجهول، فطوبى للشهداء والمجد والخلود لأرواحهم الطاهرة وللراحلين الذكر الخالد وسلاماً لمن يواصلون النضال العنيد.

عرض مقالات: