في أول نشاط ثقافي مع بدء العام الجديد، ضيّف منتدى بيتنا الثقافي في ساحة الأندلس، الاستاذ سعيد ياسين، المتخصص في مجال الحكم الرشيد والشفافية وقضايا النزاهة، يوم السبت 6 كانون الثاني 2024، في محاضرة بعنوان (نظام النزاهة الوطني ضمان لتحقيق الحكم الرشيد)، حضرها جمهور من ذوي الاختصاص ومن المهتمين بمتابعة قضايا الفساد والنزاهة.
أدارت اللقاء الناشطة سهيلة الأعسم التي رحبت بالضيف وبالحضور. وبينما قدمت التهنئة للجيش العراقي لمناسبة ذكرى تأسيسه الـ103، عرّفت بالضيف كونه ناشطا مدنيا وخبيرا فنيا متقاعدا في مجال النفط من مواليد واسط 1957. ساهم في العديد من الدورات المتخصصة، منها الدورة التدريبية الأولى للجهات غير الحكومية في التقييمات الذاتية المعمقة المتعلقة بمكافحة الفساد، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة - إدارة الحكم، وهو مدرب محاضر في الشفافية لدى الصناعات الاستخراجية، ومدرب بدرجة معلم في الحكم الرشيد من أوسلو 2015، ومحاضر في الأكاديمية العالمية لمكافحة الفساد في سيدني. وكان الأمين العام لمؤسسة شعوب للثقافة الديمقراطية سابقا، ورئيس مجلس إدارة تحالف من أجل النزاهة سابقا، وعضو في منظمة العفو الدولية، وعضو مراقب في المجلس الأعلى لمكافحة الفساد.
استهل الأستاذ سعيد ياسين حديثه شاكرا المنتدى لدعوته والحضور الكريم، وتطرق إلى موضوع المحاضرة معرّفا بطبيعة الحكم الرشيد والسبل الكفيلة بضمان تحقيق نظام النزاهة الوطني، حيث تناول الواقع العراقي وما مر به طيلة السنوات الأخيرة منذ 2003 حتى اليوم، مؤكدا أنه لا توجد رؤية اقتصادية تنموية في العراق؛ فالمفروض أن ما يصرف على التنمية اليوم، يجب أن يجلب بعد سنوات أموال وخدمات ملموسة للمواطنين، لكن شيئا من ذلك لم يحصل بسبب الفساد.
اجراءات وقائية تعزز المناعة
وأوضح، أن نظام النزاهة يمثل عملية تطوير وتشغيل الإجراءات الوقائية بهدف تعزيز مناعة المؤسسات العامة ضد الفساد؛ حيث يتم ذلك من خلال عملية الاصلاح وتعزيز الشفافية في عمل المؤسسات وتفعيل آليات المساءلة والرقابة على ادائها وبناء منظومة شاملة تحكم سلوك العاملين فيها، اضافة الى بناء ثقافة مجتمعية متحفزة ضد جميع أشكال الفساد، واعية لأهمية المحافظة على المال العام والممتلكات العامة باعتبارها ملكية جماعية للمواطنين.
ونبه الى أن نظام النزاهة الوطني يعبّر عن رؤية شاملة لمواجهة الفساد من خلال إصلاح الأطر والهياكل المؤسساتية والقانونية، وانه يقوم على منهج تدريجي، ومن خلال مشاركة مجتمعية، تشمل مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص ووسائل الاعلام والمؤسسات الدينية.
وأشار المحاضر الى أن نظام النزاهة يستهدف تحسين نوعية الحياة وسيادة القانون وإحداث تنمية مستدامة، بالارتكاز على عناصر تمثل الأعمدة التي يقوم عليها هذا النظام، والمتمثلة في السلطات الثلاث وهيئات الرقابة العامة والمجتمع المدني والهيئات المحلية والإعلام والقطاع الخاص والتدقيق العام والممثلين الدوليين، واصفا النزاهة بأنها “مرادفة للأمانة والصدق، وتشترط أن يكون ممثلو القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني أمينين وصادقين في اداء مسؤولياتهم”.
وأكد، أن الفساد يأخذ اشكالاً مختلفة، منها الواسطة، المحسوبية، المحاباة، نهب المال العام، الابتزاز، الرشوة، واختلاس المال العام، واستثمار الوظيفة العامة، والتعسف في استخدام السلطة، وغسل الأموال، والابتزاز، والاحتيال، والكسب غير المشروع، وإهدار المال العام، وغيرها. وتأتي جميعها بسبب سوء استغلال المنصب العام. وبناء على تقرير منظمة الشفافية الدولية، يمكن ان يفسر الفساد على أنه سوء استخدام السلطة لمكاسب شخصية.
سماع صوت الفئات المهمشة
وتحدّث المحاضر عن الحكم الرشيد كونه مفهوما لممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لادارة شؤون بلد ما على جميع المستويات بطريقة محددة، وتتصف بأنها “صالحة”. بمعنى أدق، ينصرف مفهوم الحكم الصالح الى منظومة الحكم التي تعزز وتدعم وتصون رفاه الانسان، وتقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لا سيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع فقراً وتهميشاً.
وواوضح أن الحكم الصالح يتضمن التعاون البنّاء بين القطاعات المختلفة من أجل استخدام الموارد بفعالية، فضلا عن الاستخدام المسؤول لقوة السلطة، وتقديم الخدمات بشكل فعال ومستدام. ويتكون أيضا عندما يندمج ذوو الشأن ويشاركون مع بعضهم بطريقة شفافة، وذات مساءلة لتقديم أفضل الخدمات بدون فساد، وفي اطار حكم القانون.
وقال ان الحكم الصالح يرتكز الى عدة مكونات رئيسية منها: المشاركة، توجه متفق عليه، قابل للمساءلة، شفاف، متجاوب، كفوء وفعال، عادل ودامج، ويتبع حكم القانون، معتبرا وجود هذه المكونات في الحكم “يجعله صالحا لأنه يؤكد على التقليل من فرص الفساد للحد الأدنى ويأخذ بالحسبان وجهات نظر المراقبين، وسماع صوت الفئات الاكثر تهميشا عند اتخاذ القرارات”.
كما تحدث المحاضر عن الادارة الرشيدة كونها عملية يتم من خلالها التأكد من ان المؤسسة تعمل بفعالية وتدار بشكل مناسب، وتلتزم بالقوانين المعمول بها في الدولة لتحقيق اهدافها وغاياتها المبينة في نظامها الأساسي، وتشمل تفويض الجماعة سلطات القيادة لهيئات تمثيلية أصغر، مع خضوع هذه الهيئات للمحاسبة.
وفي حديثه عن تعريف المساءلة بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بين أنها تعني “الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وتحمل المسؤولية عن أعمالهم أو الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش. وتنص المساءلة على ان من واجب المسؤولين في الوظائف الرسمية تقديم تقارير دورية حول سير العمل في المؤسسة أو الوزارة وبشكل تفصيلي يوضح الإيجابيات والسلبيات ومدى النجاح أو الإخفاق في تنفيذ سياساتهم في العمل، وتحمل المسؤولية عن قراراتهم، والإجابة على اية استفسارات عن أعمالهم.
كما عرج على نظام النزاهة من اجل أو (لمصلحة الفقراء) الذي يتطلب تطوير أداة تسمح بقياس حالة نظام النزاهة، وتتيح الفرصة لتبيان موقع التدخلات الممكنة من قبل وكلاء التغيير والمجتمع المدني. ويرتكز هذا النظام على المقاييس، أي وجود علامات فاصلة مثل وجود اتفاقية نزيهة لتقديم خدمات نوعية، وضرورة الرقابة والإشراف، وتحقيق الشفافية والبنية الأخلاقية التي تقود تصرفات الأعضاء والسياسات الرسمية واتخاذ القرارات.
الوصول للمعلومة
وأكد ضرورة ياسين ان يتاح للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والرقابية والمؤسسات الاعلامية، الوصول إلى المعلومات بشكل سهل، اضافة الى منظمات المجتمع المدني وحتى المؤسسات الدينية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية، من أجل تحقيق النزاهة والوصول إلى الحكم الرشيد.
واستعرض المحاضر أيضا الإطار القانوني للانتخابات: هل هو عادل، وحول نظام الكوتا، وما هي نسبة تواجد المرأة والشباب في البرلمان، وعن الديمقراطية وتمويل الأحزاب، وعن العدالة والمساواة في تطبيق القانون، متسائلا: هل من المعقول ان يسجن حدث لسرقة بسيطة ولا يسجن وزير يسرق ملايين؟
وأكد أن هناك ضرورة في تفعيل الاعلام وحقه في الحصول على المعلومات وصناعة رأي عام.
ودعم المحاضر حديثه بالعديد من الأمثلة العملية ووسائل الإيضاح التي ساهمت في تبسيط مختلف المفاهيم والطروحات التي تفاعل معها الحضور.
بعدها فسح المجال للحاضرين بتقديم المداخلات والأسئلة. كذلك نوقشت موضوعة الوعي والإدراك والحاجة الى التغيير، وامكانية تحقيقه في ظل الفساد المستشري، والموقف من عدم تقديم الحكومات المتعاقبة الحسابات الختامية من 2005 حتى 2022، وعن تضاد الفساد مع الضمير، وعن تقسيم المجتمع إلى هويات فرعية واضعاف سلطة الدولة، ما ساعد في تفشي الفساد السياسي والمجتمعي وغيرهما.
وقد أجاب المحاضر على تلك الأسئلة والاستفسارات والمداخلات بشكل ضاف.
وفي الختام، شكرت السيدة سهيلة الأعسم الحضور، وتم تكريم الضيف سعيد ياسين بشهادة تقديرية، قدمتها له السيدة شميران مروكل.