اخر الاخبار

جاء في التقرير السياسي الصادر عن ألاجتماع الكامل للجنة المركزية  للحزب الشيوعي العراقي بتاريخ ١٥-١٦ حزيران ٢٠٢٣ وتحت عنوان ( واقع بيئي متدهور ) : ان واقع البيئة الراهن مخيف ومقلق، ويحتاج الى جهد وطني كبير.

ونرى أن هذا التشخيص سليم ودقيق، ويستند الى معطيات من الواقع اليومي المعاش. فعلى الصعيد الاجتماعي نرى اكثر من ١٢٠٠٠ عائلة قد هجرت مساكنها ونزحت من الريف الى المدينة بالاخص في محافظتي ميسان وذي قار. وفي محافظة الديوانية اكثر من ١٤٣٨ عائلة هجرت الريف الى المدينة، واكثر من ١١٣٠ عائلة في محافظة السماوة هذا حسب معطيات منظمة الهجرة الدولية، واكثر من ٢٧ قرية في جنوب بهرز في ديالى النزوح مستمر منها، واكثر من ٣٠ قرية شمال بابل وهكذا في جميع المحافظات حيث اكدت منظمة الهجرة الدولية انها اخذت عينات من ٩ محافظات و٢٩ منطقة و٢٦٢ موقعا، وجدت ان نسبة المهاجرين تمثل ١٣٪ ومعروفة الاثار الاجتماعية والبيئية المترتبة على ذلك، فمن تخريب للتخطيط الحضري للمدن وبناء العشوائيات وما يترتب عليها من تجريف للمناطق الخضراء وتأثيراتها الصحية على المواطنين الى ضرورة إيجاد فرص عمل لهؤلاء المواطنين النازحين من الريف الى المدينة، وبخلافه انتشار  الجريمة والجريمة المنظمة وما يترتب عليها من آثار اجتماعية وهذا الوضع قد فرض نفسةطه ايضاً في الريف حيث حصلت العديد من المنازعات العشائرية بسبب التجاوز على الحصص المائية وما أدت اليه من خسائر بشرية واستمرار المنازعات ونشوء نزوح جديد ليس فقط بسبب شح المياه وانما بسبب المنازعات العشائرية. أما على الصعيد الاقتصادي فيكفي ان نقول ان مساحة الاهوار قد انخفضت من ٢٠ الف كلم مربع الى ٦٨٠ كم مربع، وانخفضت كميات الاسماك الواردة منها من ١٠٠ طن يومياً الى ٨ طن يومياً. وكل مواطن سكن الفرات الاوسط والجنوب فقط خسر ٢٥٪ من ثروته الحيوانية. في حين نفق فقط في ذي قار اكثر من ٤٠٠٠ رأس جاموس. وفي ديالى انخفض انتاج الحمضيات اكثر من ٤٠٪، وجفت اكثر من ٣٠٠٠ دونم من بساتين الحمضيات في محيط مدينة الهويدر. كل هذا بسبب شح المياه وانقطاع مياه نهري دجلة والفرات بسبب حجبها من قبل بلدي المنبع تركيا وايران، وهذا بدوره فرض على وزارتي الزراعة والموارد المائية ايقاف العمل في كافة بحيرات الاسماك في العراق، وبالتالي توقف انتاج الثروة السمكية وكذلك اقتصار الخطة الزراعية على بساتين النخيل التي لا تتجاوز مساحتها اكثر من مليون دونم، وزراعة ٥٠٠٠ دونم من محصول الرز في محافظتي النجف والديوانية، فقط لحماية النوع، مع العرض ان الاراضي الصالحة للزراعة هي اكثر من ٤٨ مليون دونم وهذا ما ادى الى زيادة تصحر الاراضي الزراعية بوتائر سريعة، فهي وقبل عدة سنوات كانت تتصحر بمساحة ١٠٠ الف دونم سنوياً فكيف الان وقد جف النهران وتم ايقاف الخطة الزراعية؟ وكم سيخفض هذا من الدخل القومي حيث كان القطاع الزراعي يمثل ٥٪ من الدخل القومي. اما على الصعيد الصحي فيكفي القول ان مستشفيات محافظة البصرة وحدها استقبلت اكثر من ١١٨ الف مريض نتيجة عسر الماء، وكانوا مصابين بالامراض السرطانية والرئوية والكوليرا. اما بالنسبة للطلبة الصغار في المدرسة فلم يحصل سوى ٢ من كل خمسة طلاب على ماء صحي ونظيف، ويكفي ان نقول انه وحسب تصريح محافظ الديوانية اكثر من ٢٠٠ قرية بدأ بنقل ماء الشرب لها عن طريق المقطورات، وهذا ينطبق على مدن الناصرية بالاخص في الارياف والبعض منها لا يصلها الماء لمدة خمسة عشر يوما، وحيث انتشر مرض الحمى النزفية على نطاق واسع.

عوامل التدهور

وبالطبع، ان الاوضاع المخيفة والمقلقة كما ورد في التقرير، تعود لجملة من الاسباب في اولها ياتي شح المياه في نهري دجلة والفرات نتيجة التجاوزات عليهما من قبل دولتي المنبع تركيا وايران؛ فتركيا قامت ببناء العديد من السدود وحجزت المياه ولم تتقيد بحصة دولة المصب لنهري دجلة والفرات، وتمثل اكثر من ٩٠٪ من مياههما وهي العراق. كذلك ايران قامت بإغلاق اكثر من ٤٠ رافدا من الروافد التي تصب في نهر دجلة، وتمثل ٥٦٪ من مياهه في الوقت الذي نرى عدم الاهتمام الجدي من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة في متابعة الموضوع مع الدولتين الجارتين، وهما مصرتان على فعلهما بقطع المياه وبخطط مبرمجة، كما نرى ليس الاهمال وعدم المتابعة بالضغط على الدولتين بل التغاضي من قبل الحكومة العراقية عن طرح الموضوع في المحافل الدولية.

العامل الثاني، هو التغيرات المناخية العالمية مما ادى الى ارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار، وبالتالي قلة التدفقات المائية للنهرين لكن حتى هذا العامل وأثره يجب ان يتحمله الجميع دول المنبع والمصب وعدم تحميله للعراق فقط.

العامل الثالث، هو عدم وجود تخطيط علمي لاستخدام تقنات الري الحديث وحتى عندما تقرر ذلك لم ينفذ حسب ماورد في تقرير الرقابة المالية للشهر السادس من عام ٢٠٢٢ فقد تقرر ان تشمل تقنات الري الحديثة كمرحلة اولى مساحة ٣ مليون دونم، لكن في الحقيقة لم ينفذ سوى ١١٪ من المساحة ولاسباب مختلفة بدءا من عدم توفير المنظومات من مناشئ عالمية رصينة، الى ارتفاع اسعارها، ووضع شروط وضوابط قاسية على الفلاح لغرض تسليفه المبالغ اللازمة لشرائها من قبل المصرف الزراعي.

العامل الرابع، هو ضعف عمليات الاصلاح للاراضي وعدم اكتمال مشاريعها الإصلاحية ما عرقل إمكانية اعتماد الري فيها على تقنات الري الجديثة مع استمرار عمليات التملح والتصحر للأراضي الزراعية، رافق هذا الاستمرار استخدام وسائل ري بدائية، من نتائجها زيادة في استخدام كميات المياه والتي هي اصلا شحيحة مقابل انتاج قليل ومتردي كماً ونوعاً.

العامل الخامس، عدم قيام الحكومة والجهات ذات الاختصاص بوضع خطة ستراتيجية شاملة تقوم على اساس معالجة مياه الصرف الصحي والذي بالامكان الحصول منه سنويا على مليار و٨٠٠ مليون متر مكعب من المياه المعالجة للسقي، وهذا ما ينطبق على مياه المبازل المالحة، وكان بالامكان معالجتها واستخدامها للري في عمليات السقي، ولكن للاسف الشديد لم يتم الاهتمام بمثل هكذا مشاريع عدا بعض المشاريع القديمة مثل مشروع الرستمية في بغداد ومشروع اخر في اربيل على نفقة الحكومة اليابانية، ولم نتقدم خطوة للامام في هذين المجالين، مثلنا مثل دول الجوار مصر في الدلتا والأردن وايران في جنوبها وسبق ان وضحنا هذا في مقالة سابقة في جريدة طريق الشعب.

العامل السادس، هو عمليات التوسع الحضري على حساب الريف من اراض زراعية وبساتين نخيل حيث جرف كامل الاراضي المجاورة للمدن وإنشاء عشوائيات سكنية بدلها، ما ادى الى تخريب كامل البيئة في المدن فمع هذا التجريف تم التجاوز وفي كافة المحافظات دون استثناء على المساحات الخضراء داخل المدن من حدائق ومتنزهات واحزمة خضراء وتحويلها الى مولات تجارية ومناطق سكنية مع عدم انشاء أحزمة خضراء جديدة حول المدن وحتى التي انشئت لم يجر الاهتمام بها بحجج واهية منها عدم توفر الموارد المالية اللازمة لادامتها وصيانتها، هذا زاد من عمليات التصحر وزيادة العواصف الترابية حيث اصبح العراق من اكثر بلدان العالم في عدد العواصف الترابية واثارها المدمرة على الانسان والحيوان. مضاف لذلك عامل مهم هو الحروب التي خاضها العراق في العقود الأربعة الاخيرة وما انتجت من اثار بيئية مدمرة، مع عدم اهتمام من قبل الحكومات المتعاقبة بوضع موازنات مالية لازمة لحماية البيئة، فهي تأتي في المرتبة الاخيرة في الموازنة العراقية. مضاف لذلك ضعف التعاون مع المؤسسات البيئية العالمية.

كل ما سبق هو نتاج ضعف التخطيط والفساد الاداري والمالي المستشري في مؤسسات الدولة العراقية عامة.

حزمة مقترحات للمعالجة

على ضوء ما تقدم وللخلاص من هذا الوضع المخيف والمقلق كما ورد في التقرير السياسي لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، لا بد من حزمة من الاجراءات السريعة والحازمة ومنها:

اولا- اقرار قانون المجلس الوطني للمياه وتشكيله على وجه السرعة لكي يأخذ دوره في ادارة شؤون المياه.

ثانياً- وضع خطة ستراتيجية وفق مبدأ الاستخدام الرشيد للمياه.

ثالثاً- اعداد ستراتيجية للإصلاح المؤسسي التشريعي الخاصة بحماية الموارد المائية وتطوير مشاريع التكيف لمعالجة شحة المياه.

رابعاً- وضع موازنة لادارة الموارد المائية والبيئية والعملية الزراعية تتناسب وحجم المخاطر البيئية والاجتماعية والصحية والاقتصادية وتأثيراتها على الدخل القومي، آخذة بنظر الاعتبار التطور السكاني كماً ونوعاً والغاء النظرة القاصرة لهذا القطاع واعتباره قطاعاً ثانوياً كما حصل في السنوات العشرين السابقة، فلم تزد نسبة قطاع البيئة والمياه والزراعة على ١٪ في الموازنات السابقة.

خامساً- تبني أنظمة الإنذار المبكر وتبني مشاريع استباقية خصوصاً المتعلق منها بالمناخ والخزين المائي والمياه الجوفية مع العرض هناك العديد من منظومات الانذار المبكر التي تعمل على المياه الجوفية الا انه اهملت في السنوات الاخيرة ولم تتابع لاسباب تتعلق بالتخصيصات المالية او غيرها.

سادساً- دفع دول الاقليم المتشاطئة ومن خلال تشكيل لجان مشتركة للتعاون والتنسيق بخصوص ادارة الموارد المائية وتحليل المخاطر، نتيجة الجفاف والمتغيرات المناخية وتبادل المعلومات والخبرات الفنية بما يضمن الحفاظ على النظام البيئي وأستدامة النظام الاحيائي.

سابعاً- العمل على تنفيذ خطط ستراتيجية لمعالجة شح المياه والتغيرات المناخية والاستفادة من الدعم الفني المقدم من قبل المنظمات الدولية الى العراق.

ثامناً- وضع ستراتيجية شاملة لتنفيذ التزامات الدولة العراقية تجاه شعبها والخاصة بالاتفاقيات الدولية التي تخص حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات واستخدام كافة الوسائل المتاحة سياسياً وأقتصادياً واجتماعياً يمكن فيها اللجوء الى المجتمع الدولي والامم المتحدة بكافة هيئاتها ذات الاختصاص.

تاسعاً- دعم الجامعات والقطاع الخاص في ما يتعلق بالبحث العلمي لادامة الموارد المائية لظمان نظام بيئي والحفاظ على التنوع الاحيائي.

عاشراً- رصد المبالغ اللازمة لغرض معالج مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البزول والتعاون في هذا المجال مع الحكومات والمنظمات ذات الاختصاص وايجاد جهات مانحة والتعاون معها على غرار ما حصل في مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في محافظة اربيل بتعاون ومنحة قدرها ٣٠٠ مليون دولار من الحكومة اليابانية.

أحد عشر- دعوة وزارة الزراعة لوضع خطة شاملة لإدخال تقنات الري الحديثة ( الرش والتنقيط بمختلف اشكالهما) وتحديد المساحات المطلوب تنفيذ المشروع فيها على غرار الخطة السابقة والبالغة مساحتها ٣ مليون دونم والتي فشلت نتيجة عدم توفير الموازنة اللازمة لها ومتابعتها بشكل متواصل، لذلك مقدماً يجب توفير الموازنة للخطة وكامل الدعم من منظومات الري الحديثة الى المكننة الحديثة الى البذور ذات الجودة العالية والاسمدة والمبيدات الحشرية وبأسعار مجزية وتسليف من المصرف الزراعي بتسهلات تمكن الفلاح من الزراعة والتسديد مع العرض ان موازنة هذا العام تتضمن مبلغ ٣٠٠ مليون دولار لاغراض تقنات الري الحديثة، فلا بد من استغلالها الاستغلال الامثل.

أثنا عشر- إكمال عمليات الاستصلاح للاراضي الزراعية والمشمولة سابقاً بقرار الاستصلاح لغرض التمكن من ادخال تقنات الري الحديثة لها.

ثلاثة عشر- دعم الفلاحين بالسلف والاستيراد لغرض إدخال المكننة الحديثة في العمليات الزراعية مثل مكننة الشتال والعازقات وطائرات الدرون في وقاية المزروعات لملاءمتها وبالاسعار المناسبة مع تقنات الري الحديثة.

أربعة عشر- معالجة موضوع النازحين الذين هجروا اراضيهم نتيجة شح المياه، بتعويضهم وايجاد فرص عمل وسكن لهم وشمولهم بالرعاية والضمان الاجتماعي.

خمسة عشر- متابعة كافة القرى التي انقطعت عنها مياه الشرب نتيجة شحة المياه في الانهر وتوقفت فيها منظومات التصفية وإيصال الماء لهم وبأوقات متقاربة وان فترة اسبوعين او ثلاثة جداً متباعدة، لحاجة الانسان للماء في ظل هذه الظروف المناخية الصعبة.

ستة عشر- الغاء المادة ٥٦ من قانون الموازنة والخاصة بتحويل الارض لمشروع عمل ثاني غير الزراعي مثل تجاري او صناعي او سكني اذا لم تتوفر لها المياه بل أيجاد الحلول والطرق والوسائل لحل مشكلة المياه وكذلك عدم السماح بتجريف الاراضي الزراعية وعدم منح الموافقات لاجراء تغييرات في التخطيط الحضري للمدن.

سبعة عشر-  دعوة الدول المتشاطئة على نهري دجلة والفرات للانضمام لمعاهدة هلسنكي للمياه لعام ١٩٩٢ وأتفاقية الامم المتحدة لعام ١٩٩٧ بهدف الحفاظ على المياه العابرة للحدود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مهندس زراعي أستشاري