اخر الاخبار

“ الصينيون يبدؤون حقبة جيوسياسية جديدة”، بدون غزو، بدون تدخل عسكري، أو حركة شعبية كبيرة، البانوراما الجيوسياسية والاستراتيجية لمنطقة من أكثر المناطق غير المستقرة “الشرق الأوسط”.

بمبادرة نشطة من الصين، فأن النظام الملكي السني في السعودية والجمهورية الشيعية في إيران، جددا العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من العداء والحروب بين حلفائهم في المنطقة، يأتي هذا التقارب كمفاجأة يمكن أن تفتح ملف “ عصر جديد” استراتيجي يؤدي إلى انفراج في العلاقات الاقليمية، وأول المستفيدين من هذا التقارب هو الصين المنظمة وسوريا، والخاسر الاكبر اسرائيل، ويمكن أن تمتد فوائده إلى جميع المناطق من اليمن إلى تركيا، ومن العراق إلى لبنان، وإلى الاراضي الفلسطينية. 

إن طموحات الصين، هي تأمين مصالحها الاقتصادية في المنطقة، والرئيس الصيني الذي تبنى هذه “المبادرة النبيلة” لدعم وتطوير علاقات جيدة مع الرياض وطهران.

من أوليات السياسة الامريكية والاوربية حاليا هو دعم أوكرانيا ضد الهجوم الروسي، وهذا فسح المجال لبكين أن تضع استراتيجية بأن تكون اللاعب الحاسم والرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، أيضا الجهل ولامبالاة بقية دول العام بما يحدث في هذه المنطقة، سمح للصين أن تقدم عملا دبلوماسيا ملموسا ودورا اقتصاديا في الخليج العربي والذي يأتي منه معظم احتياجاتها من البترول والغاز.

في اسرائيل، يتذرع نتنياهو مرة اخرى “ بالخطر الوجودي” الإيراني، محاولا خلق اتحاد وطني وصرف غضب الرأي العام الاسرائيلي ضد سياسته وتحويلها إلى الخارج، من جانب الصين فأنها تخشى قيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، مما يخلق فوضى اقليمية والتي ممكن أن تؤدي إلى وقف امدادات البترول، اما فيما يتعلق في استراتيجية واشنطن في فترة ترامب، فقد كانت جانب التطبيع بين اسرائيل والسعودية وهما المنافسان الاقليميان لإيران، وهذه السياسة انتهت إلى الفشل.

إن الصين حاليا تقدم نفسها “قوة سلام” ومستعدة لضمان وسلامة واستقرار المنطقة، انها تقدم نفسها كمرشح قوى بدل أمريكا كقوة رادعة ووقائية في المنطقة، وهذا ما نشرته صحيفة “الصين العربية” عام 2016، اضافة إلى زيارات الرئيس الصيني عام 2022، إلى مصر والسعودية ولقائه برؤساء دول الخليج والعالم الاسلامي وتوقيع عدد من الاتفاقيات مع هذه الدول.

السعودية من جانبها، مهتمة أكثر بالحفاظ على استقرار منطقة الخليج وكذلك مهتمة بعروض الوساطة الصينية، بسبب أن الجزء الاكبر من صادراتها النفطية يمر عبر مضيق هرمز، أي ضمن مدى مدافع وصواريخ إيران، وعلى الرغم من واردتها من الاسلحة الامريكية ولكنها لا تملك القوة التي تستطيع التعامل مع هذه التهديدات، ورغم أن امريكا هي الحامي التاريخي ومنذ ثلاثة ارباع القرن للسعودية، ولكن مصداقيتها تراجعت وخاصة بعد تعرض المنشاءات النفطية السعودية عام 2019 و2022 إلى ضربات، وكانت إيران المتهم الاول في هذه العمليات. واستمر تراجع نفوذ امريكا منذ فترة اوباما، بعد سحبه 39000 ألف عسكري من العراق عام 2019. إن اتفاق ما يعرف باسم “ابراهيم” هو تطبيع العلاقات بين اسرائيل والدول العربية وخاصة السعودية ضد العدو المشترك إيران أدى إلى الفشل، كما أن سياسة ترامب ومستشاريه كانت تؤكد على فك الارتباط مع هذا الشرق المعقد، وهذا ما أكده ترامب اثناء زيارته إلى السعودية، كما أكد على رؤساء هذه الدول بالاعتماد على قوتهم الخاصة، مما دفع هذه الدول إلى تنويع مصادر تسليحهم، وكانت موسكو والصين المستفيدين.

قرار حكومة ترامب بالتنديد بالاتفاقية الدولية لمراقبة المحطة النووية الإيرانية التي وقعت في عهد حكومة اوباما، واستحالة العودة لها، اخافت السعودية من امكانية امتلاك إيران للسلاح النووي، وأصبح من الحكمة تغيير موقفها والسعي لتجديد الحوار واقامة علاقات سلمية مع إيران قبل مجيء “المساعي الحميدة الصينية”.

ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الرجل القوي في المملكة له مصلحة خاصة في هذا التقارب لمحاولة نسيان مسؤوليته عن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في اكتوبر 2018.

اما من الجانب الإيراني، فأن قادة النظام يواجهون أزمة اقتصادية واستياءً سياسيا واجتماعيا كبيرا، اضافة إلى خوفهم من قيام اسرائيل وامريكا بضربة عسكرية، من ناحية الصين فرغم العقوبات الدولية على إيران فقد استمرت الصين رغم التحفظات على استمرار شراء البترول، وقد عقدت اتفاقية استراتيجية مع إيران ولمدة 25 سنة عام 2021، اعتبرتها إيران ورقة رابحة.

استقبلت الاتفاقية السعودية الإيرانية بشكل ايجابي من معظم دول الشرق الأوسط، وظهرت التأثيرات الواضحة والاكثر اثارة هو عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، هذه العودة جاءت نتيجة التفاوض الروسي والصيني والتي وضعت حدا للعزلة الدبلوماسية للنظام السوري المسؤول عن حرب أهلية اسفرت عن مقتل 600000 شخص وتهجير قسري نحو 6 مليون مواطن. كذلك من تأثيرات الاتفاق، التقارب المصري الإيراني، والمباحثات السعودية مع الحوثيين لوقف الحرب في اليمن، والتقارب التركي مع دول الخليج والتي سهلت دخول 10 مليار دولار إلى البنوك التركية و5 مليار من الرياض، ايضا من آثاره التقارب السوري التركي وخاصة ما يتعلق بعودة 4 مليون لاجئ سوري يشكلون عبئا على الاقتصاد التركي. في اسرائيل، نتنياهو يواجه أزمة سياسية لا مثيل لها، فأن التغير المفاجئ للدبلوماسية السعودية والتقارب مع إيران وضع اسرائيل في ضبابية وأصبح الخاسر الاكبر، وهذا ما اشارت له صحيفة هارتس تحت عنوان “ بداية عصر جديد؟”.

في القمة العربية الاخيرة، ذكر ولي العهد السعودي عدة مرات، أن والده الملك سلمان أقترح في عام 2002، “ مبادرة السلام العربي” وتنص على أساس تبادل الاعتراف بإسرائيل من قبل الدول العربية مقابل قيام دولة فلسطينية وانسحاب اسرائيل من جميع الاراضي المحتلة منذ 1967، وكرر ولي العهد أن القضية الفلسطينية تبقى من اوليات السعودية، هذه التصريحات اقلقت الحكومة الاسرائيلية التي يهيمن عليها متطرفو المستعمرات.

اما القضية الفلسطينية التي ممكن ان نبتهج بعودتها إلى المشهد السياسي، والتي ابعدت سنوات من الاجندة الدبلوماسية من قبل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، بالتواطؤ الصامت من المجتمع الدولي بما فيها دول العام العربي، لكن سيكون من غير الحكمة ان نبني الكثير من التوقعات على هذا الافتراض، ان مصالح الجيوستراتيجية هي التي وجهت مبادرة الصين، وكذلك يتعلق الامر بالثقة التي يمكن وضعها في محمد بن سلمان.

عرض مقالات: