اخر الاخبار

بعد ان كان يقدم الطعام بيديه الى الرئيس الروسي بوتين، تحوّل  يفغيني بريغوزين، من صاحب مطاعم وتوفير الطعام والشراب للمناسبات الرسمية في الكرملين الى قائد ميليشيا كبيرة اسمها “ فاغنر “، التي تحولت بدورها من قوة شرسة مساندة لنظام بوتين ويده في حروبه الصغيرة كسوريا على سبيل المثال، الى قوة متمردة تهدد نظام بوتين باكمله في حربه ضد اوكرانيا .

 اعلن بريغوجين في تمرده الاخير على الجيش الروسي وبوتين نفسه، أنه سيطر على كافة المراكز العسكرية في مدينة روستوف بما فيها المطار وقيادة الشرطة، مهدداً بالزحف نحو العاصمة موسكو التي لاتبعد قوات عنها اكثر من 500 كيلو متراً !!

المشهد في الوطن العربي لايختلف كثيراً عن مفرزات المشهد الروسي في الاعتماد على ميليشيات لحماية الانظمة من مخاطر سقوطها بعوامل داخلية او خارجية أو بسبب مغامرات خارجية، وتحولها فيما بعد الى قوى مؤثرة وفاعلة في المشهدين السياسي والاقتصادي .

في التجربة السودانية مشهداً مماثلاً، يتمثل في “ قوات الدعم السريع “، التي كانت بداية تشكيلها كميليشيا اهلية لمواجهة التمرد في اقليم دارفور، حيث سلّح الجيش عناصر قبلية، أغلبها من الرزيقات، بفرعيها الأبالة (رعاة الإبل) والبقارة (رعاة البقر)، وأطلقهم على المتمردين في الإقليم، وأصبح يطلق عليهم “الجندويد”، وبسبب انتصاراتها تصاعد اعماد الجيش عليها حتى وصلت اعدادها الى 100 الف عنصر بعد سقوط نظام البشير، رغم ان تبعيتها كـ “ قوات الدعم السريع “ الى البشير نفسه الذي وضع على رأسها محمد حمدان دقلو المدعو “حميدتي”، ولقبه حمايتي” !

“البشير، الذي خسر جنوب السودان، ومعه 75 بالمئة من مداخيل النفط، كان يخشى انقلاب الجيش والمخابرات عليه، خاصة مع اندلاع احتجاجات ضده بسبب رفع الدعم التدريجي عن الوقود، أعنفها كان في 2015، فلجأ البشير، إلى تأسيس “الدعم السريع”، كجيش مواز لحماية نظامه من أي انقلاب عسكري محتمل، غير أن الذي لم يخطر على بال البشير، أن قوات الدعم السريع، بدل أن تحميه، تحالفت مع قيادة الجيش والمحتجين لإسقاطه” !!

بعد سقوط نظام البشير في 2019، قفز حميدتي، لمنصب الرجل الثاني في الدولة، نائبا لرئيس مجلس السيادة، وارتقى إلى رتبة فريق أول، رغم أنه لم يدخل أي كلية عسكرية، وها هو اليوم يشعل حرباً أهلية في مواجهة المؤسسة العسكرية السودانية الرسمية والشرعية .

كل التجارب العربية والعالمية على مرّ التأريخ، اثبتت ان حماية المجتمع والدولة حين تقع بين ايادي قوى ميليشياوية غير رسمية، قوى قابلة للبيع في سوق الاجندات السياسية، تشكّل خطراً حقيقياً في أي لحظة توترات سياسية، وللأسف حصل هذا في العراق في أكثر من مشهد ماثل في ذاكرتنا.

والأخطر في هذه القوى انها قادمة من قاع المجتمع كقيادات وعناصر، مايجعل استثمارها واستخدامها متاحاً حتى لأهداف غير وطنية، وهنا المقتل، مقتل الدولة وتفتيت المجتمع والذهاب الى المجهول !!

عرض مقالات: