اخر الاخبار

“ المجر ستكون أول دولة في الاتحاد الأوروبي تبدأ في بناء علاقات مع روسيا”، يقول كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية أوفيتسيروف-بيلسكي.

بعد بدء الحرب في أوكرانيا تدهورت علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبي بشكل حاد. تم اعتماد عشر حزم من العقوبات ضد روسيا، وبدأت العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع روسيا في الانهيار. ومع ذلك، لم تكن جميع الدول الأوروبية مستعدة لقطع العلاقات مع روسيا بشكل حاسم، رافضة، على سبيل المثال، الأسعار الملائمة التي تحصل عليها للنفط والغاز.

اتخذت المجر موقفا أكثر واقعية. نجح رئيس الوزراء فيكتور أوربان في الحفاظ على علاقات خاصة مع موسكو ومواصلة التعاون المتبادل المنفعة، على الرغم من ضغوط الشركاء الغربيين.

في الوقت نفسه، انضمت المجر إلى العقوبات المناهضة لروسيا، وصوت النواب المحليون في البرلمان الأوروبي للاعتراف بروسيا “كدولة راعية للإرهاب”. كيف تمكنت المجر من تحقيق التوازن بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وما الفوائد التي يحصل عليها رئيس الوزراء فيكتور أوربان من مثل هذه السياسة، وماذا يمكن أن يسبب ذلك لها في المستقبل المنظور - هذا ما يسلط عليه الضوء موقع Lenta.ru.

الواقعيون الأوروبيون

في 2 يونيو، دعا فيكتور أوربان المجتمع الدولي إلى منع الهجوم المضاد للجيش الأوكراني. وأشار إلى ضرورة مراعاة عدد سكان كلا البلدين: 140 مليون شخص في روسيا مقابل 40 مليون في أوكرانيا. وقال إن مثل هذا التوزيع للقوات سيؤدي حتما إلى مجزرة دموية، لذلك قال إنه يجب عمل كل ما هو ممكن لوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات السلام.

“حتى شخص مثلي، لديه عام ونصف فقط من الخدمة العسكرية، يعرف أن الجانب المهاجم يتكبد من الخسائر ثلاثة أضعاف الجانب المدافع”، يعتقد اوربان.

أصبح هذا الموقف من الصراع تقليديًا بالنسبة للجانب الهنغاري. على عكس الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تدعم هجوم أوكرانيا، تحث السلطات المجرية الأطراف على منع المزيد من تصعيد الصراع والجلوس إلى طاولة المفاوضات. يحاول فيكتور أوربان النظر إلى الأزمة بشكل واقعي ويذكر أن انتصار أوكرانيا على روسيا ممكن فقط في القصص الخيالية أو بمشاركة مباشرة من جنود حلف الناتو. بسبب موقفه هذا، يتعرض اوربان إلى انتقاد متكرر من قبل جميع الدول الغربية.

“ان من يؤمن بأن الروس سيصمتون وهم يهزمون ونظامهم السياسي يحطم، ورئيسهم يُقتل، وتهاجم المسيرات الساحة الحمراء، ومن يصدق أنهم سيشاهدون بصمت ويقبلون الهزيمة العسكرية - من يفعل ذلك لا زال طفلا لم يتعد سن الحضانة”، يقول اوربان.

في الوقت نفسه، تبدو سياسة المجر داخل الاتحاد الأوروبي وعلى الساحة الدولية متناقضة إلى حد ما يسمح المسؤولون في البلاد لأنفسهم بتصريحات صريحة تنتقد النخب الأوروبية، ويعبرون أيضًا عن موقف غير شعبي في الغرب بشأن الحاجة إلى إنهاء سلمي للصراع الأوكراني. في الوقت نفسه، لا تزال المجر عضوًا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي وتتمتع بجميع مزايا عضويتها.

يتهم الشركاء الغربيون المجر بأنها موالية لروسيا بسبب عرقلة تخصيص المساعدات لأوكرانيا. لذلك، في 15 مايو، منعت المجر شريحة مساعدات جديدة من “صندوق السلام الأوروبي” بمبلغ 500 مليون يورو. طالب ممثلو المجر باستخدام الصندوق للأغراض الدولية، وليس فقط لتسليح الجيش الأوكراني. علما بأنه حتى الآن تم منح أوكرانيا أكثر من خمسة مليارات يورو من هذا الصندوق منذ بداية الحرب.

هنا تسعى المجر لتحقيق مصالحها الخاصة. قال وزير الخارجية “بيتر زيجارتو” إن بلاده ستمنع جميع شرائح المساعدات العسكرية حتى ترفع أوكرانيا العقوبات المفروضة على بنك OTP الهنغاري. صنفت الوكالة الوطنية الأوكرانية لمكافحة الفساد البنك باعتباره “راعي دولي للحرب”، وهو الأمر الذي تختلف معه المجر بشكل قاطع.

بالإضافة إلى ذلك، لم توافق المجر على الحزمة الحادية عشرة من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، معتبرة أن القيود تحتوي على مخاطر للمصدرين الأوروبيين وعلى علاقات الاتحاد الأوروبي مع الصين. وأكد بيتر زيجارتو أن بلاده لن تدعم العقوبات في مجال الطاقة النووية أيضًا، لأن ذلك من شأنه أن يهدد أمن الطاقة في المجر.

كل هذا يتناسب مع الموقف العام للمجر فيما يتعلق بالعقوبات: يعاني الاتحاد الأوروبي من العقوبات المفروضة أكثر من روسيا.

“ثمن الحرب باهظ جدا، والقارة الأوروبية كلها تدفعه. تدفعه على شكل تضخم يخترق السقف، وكذلك في صورة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والسلع الأخرى. على الرغم من أننا لسنا مسؤولين بشكل مباشر عن الحرب – إنها ليست حربنا، نحن ندفع ثمنها باهظًا للغاية”، يقول زيجارتو.

المال ليس له رائحة!

يسمح موقف المجر لها بالحفاظ على اتصالات وثيقة مع روسيا. بالنسبة للبلد، فهي مفيدة اقتصاديًا في المقام الأول. بينما ترفض بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي موارد الطاقة الروسية وتشتريها من الولايات المتحدة بأسعار باهظة، يواصل الجانب المجري التعاون مع روسيا في هذا المجال.

لذلك، في أبريل، اتفقت المجر مع الحكومة الروسية على إمدادات الغاز الزائدة عن العقد عبر الخط التركي. كما اتفق الطرفان على نظام دفع تفضيلي لعقد الغاز الرئيسي طويل الأجل وعلى إمكانية الدفع المؤجل إذا تجاوزت حدا كبيرا في حالة حدوث زيادة كبيرة في أسعار الغاز.

المجر – هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تتلقى الغاز من روسيا بكميات تعاقدية كاملة. تشتري البلاد حوالي 4.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، وتمثل الإمدادات من روسيا أكثر من 85% من وارداتها من الغاز.

تم بناء محطة الطاقة النووية الوحيدة في المجر، “باك”، وفقًا للنموذج السوفياتي. وهي توفر الآن ثلث استهلاك الطاقة في البلاد، لذلك مددت السلطات عمرها حتى عام 2050. في ديسمبر 2014، وقعت شركة Rosatom والشركة المجرية MVM عقدًا بقيمة 12 مليار يورو لبناء وحدتين جديدتين في المحطة، تسمى Paks-2. على الرغم من العلاقات المتوترة مع روسيا، لم تعارض المفوضية الأوروبية رسميًا لشركة Rosatom لإكمال بناء وحدات الطاقة المتعاقد عليها.

وهكذا، تستمر المجر في الاعتماد على روسيا في الطاقة، وتتخذ بوعي خيارًا لصالح طرق معتادة وأكثر سهولة لشراء الغاز والطاقة النووية.

أشار ديمتري أوفيتسيروف بيلسكي، كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، خبير Valdai Club، في محادثة مع Lenta.ru إلى أنه قبل بدء الحرب، كان الروس من بين المشترين الأجانب الرئيسيين للعقارات في بودابست. واختتم حديثه قائلاً: “هذه علامة قوية غير مباشرة على مصلحة اقتصادية حقيقية”. وأشار الخبير أيضًا إلى أن الجانب الروسي لن يزود المجر بالطاقة النووية فحسب، بل سيأخذ أيضًا الوقود النووي المستهلك.

فيكتور أوربان – “سياسي من تفلون”، حيث يمكنه أن يقول ويفعل ما يراه مناسبًا دون أن يفقد جاذبيته لدى ناخبيه، كما يؤكد افيتسيروف بيلسكي. في رأيه، عندما يتحدث رئيس وزراء المجر حول إنهاء الصراع والحفاظ على حوار بناء مع روسيا، فهو لا ينطق فقط بالأصالة عن نفسه، ولكن أيضًا عن القادة الأوروبيين الآخرين. (زعيم من تفلون من المصطلحات السياسية الأمريكية: سياسي لا ينزعج (“لا يحترق”) من أي نقد. او سياسي، مسؤول حكومي بارز يحتفظ بمنصب سياسي رغم الأخطاء التي يرتكبها سياسياً وإدارياً-المترجم).

“يسمح فيكتور أوربان لنفسه أن يقول بصوت عالٍ ما يود العديد من القادة الأوروبيين قوله ولكنهم يترددون. وهم ممتنون له على ذلك. إنه ليس الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي يعتقد أن هزيمة روسيا أمر مستحيل ويؤدي إلى نتائج عكسية”، يؤكد ديمتري أوفيتسيروف بيلسكي.

الديمقراطية - تحت علامة استفهام؟

من المهم أنه كان هناك العديد من الخلافات في العلاقات بين المجر والاتحاد الأوروبي حتى قبل بدء الأزمة الأوكرانية. غالبًا ما تتعارض الآراء المحافظة لحكومة فيكتور أوربان مع الأجندة الليبرالية لدول أوروبا الغربية.

ينتقد الاتحاد الأوروبي سياسة المجر تجاه المهاجرين واللاجئين وجميع الأقليات، فضلاً عن القوانين المعتمدة في البلاد لمكافحة دعاية المثليين بين الأطفال والقواعد التي تحرم المتحولين جنسياً من الحق في الاعتراف بتغيير الجنس.

بالإضافة إلى ذلك، المجر متهمة بالفساد وتبذير الأموال من المخصصات الأوروبية، وتحيز القضاء وانتهاك الحقوق والحريات الأساسية. يُطلق على فيكتور أوربان حتى لقب ديكتاتور في العالم الغربي، على الرغم من حقيقة أن المجريين يؤيدونه حقًا: تتجاوز شعبية رئيس الوزراء في المدن الكبرى 58 في المائة. يعتقد البرلمان الأوروبي أن النظام الموجود في المجر الحديثة لم يعد من الممكن اعتباره ديمقراطيًا.

على خلفية هذه الاتهامات، طبقت المفوضية الأوروبية، لأول مرة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، آلية “سيادة القانون” ضد المجر، مقترحة تخفيض منحها الأموال من الميزانية العامة بنسبة 20% (7.5 مليار يورو) لمدة سبع سنوات، وفي ديسمبر 2022 منعت 22 مليار يورو، كان من المفترض أن تحصل عليها المجر من “صناديق التضامن” الأوروبية في 2021-2027. تم التخطيط لإنفاق هذه الأموال على تعليم الأطفال من الأسر المحرومة، وتجديد السكك الحديدية وإعادة إعمار البلاد بعد وباء الكورونا.

على الرغم من العلاقات الصعبة مع البيروقراطيين الأوروبيين، فإن عضوية المجر في الاتحاد الأوروبي تقدم لها العديد من المزايا.

يستفيد الاقتصاد المجري من السوق الحرة داخل الإتحاد الأوروبي. العلاقة مع العالم الغربي مهمة أيضًا، حيث تنفق الحكومة جزءًا صغيرًا جدًا من الميزانية على نفقات الدفاع. تقع المسؤولية الكاملة عن الأمن القومي للدولة على عاتق الناتو. أشار ديمتري أوفيتسيروف-بيلسكي إلى أنه من المهم جدًا بالنسبة للهنغاريين اتباع سياسة مستقلة داخل الاتحاد الأوروبي.

في محاولة للحفاظ على السيادة داخل المجتمع الأوروبي، تبحث الدولة عن شركاء خارجيين أقوياء. بالإضافة إلى روسيا، هناك تركيا والصين.

في 16 مايو، أفادت الخدمة الصحفية لوزارة الخارجية المجرية أن الوزارة صادقت على استثمار صيني بقيمة ثلاثة مليارات يورو في صناعة السيارات في البلاد.

أضاف ديمتري أوفيتسيروف-بيلسكي أيضًا أنه بمساعدة استثمارات من الصين ودعم تقني منها، يتم بناء خط سكة حديد عالي السرعة بودابست – بلغراد. “بالنسبة للشركاء الخارجيين، تعد المجر شريكًا موثوقًا وبوابة جيدة في الاتحاد الأوروبي”. وخلص إلى أن “السلطات المجرية براغماتية للغاية ومخلصة”.

***

للحفاظ على علاقة خاصة مع روسيا، تتطلع السلطات المجرية إلى المستقبل. يعتقد ديمتري أوفيتسيروف – بيلسكي ان موقف المجر أكثر انسجاما من موقف الدول الأوروبية الأخرى.

“ تعرف المجر أنه بعد انتهاء الأزمة الأوكرانية في أوروبا، ستظهر مسألة تطبيع العلاقات مع روسيا. وسيكون المجريون هم الأوائل في هذا الأمر. لن يفسدوا العلاقات مع روسيا وسيتلقون مرة أخرى استثمارات روسية”، يعتقد الكاتب.

وهكذا، تمكنت المجر من تحقيق التوازن بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، واتباع سياسة أكثر استقلالية (مقارنة بالشركاء الآخرين في الاتحاد) وحماية المصالح الوطنية. على الورق، تلتزم الدولة بالخط الغربي المشترك فيما يتعلق بالنزاع الأوكراني، لكنها في الواقع تواصل التعاون مع روسيا وتبحث عن شركاء خارجيين آخرين للاستثمار والمشاريع المشتركة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية روسية

عن الحوار المتمدن-العدد: 2023 / 6 / 15

عرض مقالات: