اخر الاخبار

حلمنا منذ عقود من الزمن الصعب وما زلنا نحلم بعراق ديمقراطي يسوده الوئام المجتمعي ارتباطا بمبدأي احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في جميع النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والحقوقية على أن ينظم القانون إطارها العام.

ولكن للأسف لم يتحقق هذا الحلم الجميل.  المتابعون للشأن الاقتصادي يرون بأن اقتصادنا يطغي عليه الشكل المنفلت والريعي فهو عبارة عن دكاكين تستلم الأموال من ايرادات مبيعات النفط الخام وتوزع بشكل رتيب من خلال وزارة المالية (أمينة صندوق العراق) على قاعدة البيانات الإحصائية الواردة اليها من وزارة التخطيط دون أن تقوم الاخيرة بتقويم عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية وتقديم الدراسات الاستراتيجية لتفعيل الانشطة الاقتصادية الانتاجية كالزراعة والصناعة للتقليل الاعتماد على الريع النفطي فقط.

وصف الاقتصاديون الزراعة بأنها نفط دائم لأنها العنصر الاول في تحقيق الأمن الغذائي كونها تمثل غذاء الشعب اضافة إلى توفير المحاصيل الصناعية التي تساهم في رفد الصناعة بالمواد الأولية كالقطن والكتان والتمور والمحاصيل الزيتية وغيرها اضافة إلى ما توفره الثروة الحيوانية من انتاج الحليب والصوف واللحوم والجلود وغيرها من المواد الاخرى التي ترفد الصناعات التكميلية.

هذا القطاع الحيوي أهمل للأسف وتعمدت الحكومات المتعاقبة إلى الاستيراد الخارجي الذي أثر سلبا على استمرار المنتج الوطني، ورغم سماعنا اصوات القلة من المسؤولين التي تنادي إلى حماية المنتج المحلي إلا أن هذه الاصوات لم تلق آذاننا صاغية لتحقيق ذلك واستمرأت الحكومات طريقة فتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد من أجل الكومشنات أو تنفيذ بعض الاجندات الاقليمية والخارجية التي لا تريد للعراق أن يزدهر وينتعش  بالشكل الذي يجعله قويا ومقتدرا وإلا لماذا الإصرار على عدم وضع الخطط والبرامج المستقبلية للخلاص من الاقتصاد الريعي ؟ لماذا نستورد معظم مفردات الحصة التموينية من الخارج والعراق قادر على انتاجها محليا لو وجدت القناعة الوطنية في دعم هذا القطاع، فالجميع يتذكر أن العراق كان يصدر الحبوب والتمور وغيرها في العقود السالفة.

اما النشاط الصناعي في القطاع العام والخاص والمختلط فقد تأثر هو الآخر بغياب دعم الدولة له والتوجه نحو استيراد أغلب البضائع ولذات السبب بقت المعامل المنتجة معطلة مما ألجأ ارباب العمل تسريح أغلب العاملين فيها والتحاقهم بفيالق العاطلين.

اضافة إلى هذا وذاك جرى توزيع موارد البلد بشكل غير عادل بين ابنائه. هذا النمط من السياسة الاقتصادية أدى إلى غياب فرص العمل وزيادة نسبة الفقر إلى أكثر من ٣٥ % حتى صارت الموازنة العامة للدولة تؤشر ٨٥ % أو أكثر للموازنة التشغيلية و١٥ % أو أقل للاستثمارية وتنمية الاقاليم يرافق كل ذلك الفساد الذي تغول في كل مفاصل الدولة وابتلع الكثير من المال العام.

ورغم تحذير الكثير من المختصين الاقتصاديين من خطورة الاستمرار بهذا التوجه إلا أن الحكومات لم تستجب لهذا التحذير واستمرت على هذا النهج الخاطئ حتى طفح كيل الشعب، ماذا كانت النتيجة؟ التظاهرات والانتفاضات التي عمت كل محافظات العراق ومن أهم مطالبها (نريد وطن) هذا الشعار يعني نريد دولة مؤسسات ينظم القانون جميع العلاقات المجتمعية وصولا إلى تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية من خلال محاربة الفساد والغاء نهج المحاصصة المقيت وتوزيع الثروات بين ابناء الشعب دون تمييز.

ماذا كانت نتائج السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة؟

في مقدمتها الطائفية السياسية وعدم استقرار الأمن وغياب الخدمات بالمجمل وتدهور القطاعين الصحي والتعليمي وأخيرا الطامة الكبرى عدم تمكن الحكومة من توفير رواتب الموظفين والمتقاعدين ولجوئها إلى أسلوب الاقتراض والاستقطاع من الرواتب ورفع سعر صرف الدولار بالنسبة للدينار العراقي وفرض ضريبة الدخل على اصحاب الدخل المحدود.

فهل هذا يا ترى ما كان الشعب ينتظره من التغيير؟ لابد من الاصلاح الجذري لبنية النظام السياسي باتجاه دولة مدنية ديمقراطية يكون فيها الانتماء الوطني هو الاساس.

وإلا من حق الجميع أن يسأل: أي مستقبل ينتظر الاجيال القادمة؟

عرض مقالات: