اخر الاخبار

تؤدي وزارة التجارة دوراً حيوياً في تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي للإصلاحات الضرورية التي تهدف دعم الاقتصاد، ويقع على عاتقها بموجب ذلك توفير مفردات البطاقة التموينية للمواطنين وتفعيل الجهاز الرقابي في الوزارة ورسم السياسات التجارية الداخلية والخارجية العامة للبلد وتأمين الخزين الاستراتيجي للمنتجات والمواد الغذائية والسلع الأساسية للمواطنين في جميع المحافظات”. وما يهمنا في هذا المقام دورها في تأمين الخزين الاستراتيجي للحبوب من خلال ممارستها الإشراف على عمل الشركة العامة لتجارة الحبوب بما ينسجم مع المنهاج الحكومي ومتطلبات المرحلة لمواجهة التحديات الاقتصادية حيث تؤدي بدورها الشركة العامة لتجارة الحبوب دوراً اساسياً في عملية الخزين لمادة الحبوب والذي مارسته منذ عام ١٩٣٩ ثم طورت أعمالها خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وكان هدفها تنظيم استيراد الحبوب الواردة إلى العراق وسد احتياجاته من هذه المادة الأساسية، فضلاً عن تنظيم استلام الإنتاج المحلي من الحنطة والرز ومن ثم ممارسة آلية عمل لتجهيز الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية بمادة الرز لتوزيعه على المواطنين ضمن حصص البطاقة التموينية.

ويعد محصول الحنطة والرز في العراق ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية تتصل بالغذاء اليومي للإنسان والحيوان وتعتبر الحنطة من أقدم المحاصيل الحقلية التي عرفت زراعتها في العراق كمصدر أساسي للغذاء ويزرع في مساحات واسعة من البلاد وخاصة بالمحافظات الشمالية، أما محصول الرز فهو الأخر يعد من المحاصيل الاقتصادية المهمة ويزرع في المناطق الوسطى والجنوبية في العراق ويشكل أحد أهم مصادر الغذاء للثروة الحيوانية، أما كمية الإنتاج والإنتاجية لهذين المحصولين فلا تزال محدودة مقارنة بمثيلاتها في دول العالم الأخرى وفي الغالب يسد العجز عن طريق الاستيراد.

فالحنطة تعد من أهم محاصيل الحبوب في جانب الإنتاج وفي جانب الاستهلاك ويأتي الرز في المرتبة الثانية، مع الإشارة إلى أن غالبية الحنطة المستهلكة مصدرها نظام البطاقة التموينية (والاستيراد للطحين من قبل القطاع الخاص) وأما الإنتاج المحلي من القمح فيشكل ثلث المعروض من هذا المحصول خلال سنة ويفضل الرز المنتج محلياً.

وتتمثل آليات تجارة الحبوب المحلية في كونها تصل على شكل شحنات من الحبوب بعد حصادها إلى المخازن أو السايلوات إما بصورة (فل) أو مكيسة ويتم وزنها بواسطة موازين أرضية تقوم بعملية وزن السيارات وهي معبأة ثم وهي فارغة ويستخرج وزن الحبوب، و قبل أو أثناء تفريغ الحبوب تؤخذ عينات لتعيين درجة الحبوب وكمية المواد الغريبة وكافة الصفات الفيزيائية ونسبة الرطوبة وبعض الصفات الكيميائية، ثم تجمع شاحنات الحبوب في وحدات الصوامع حسب درجاتها وتجانسها ومحتواها البروتيني، وقد تعزل بعض الشحنات في صوامع خاصة لإجراء بعض العمليات التي تحتاجها كالتعفير والتجفيف.

وتقسم الصوامع (السايلوات) إلى أنواع من خلال تعدد طرق خزن الحبوب في الصوامع حسب طاقتها الخزنية إلى السايلوات الحقلية الصغيرة وسايلوات الحبوب الرئيسة وهي توجد عادة في الموانئ ومحطات التصدير والاستيراد، يمكن تقسيم السايلوات إلى:

السايلوات حسب تصاميمها الهندسية: قد يكون تصميم السايلوات مربعة أو مسدسة الاطلاع، وهذه للسايلوات الصغيرة. أما السايلوات الكبيرة فعادة تكون دائرية المقطع حيث يعطى هذا التصميم أكبر حجم خزني وأكثر مقاومة لقوى الضغط المسلط من الحبوب.

  أنواع السايلوات حسب مواد البناء المستعملة: وهذه المواد قد تكون من الخرسانة أو الخشب أو الحديد أو البلاستيك المسلح أو القماش. ومن العوامل التي تحدد اختيار مواد البناء هي الكلفة وسرعة التنفيذ والصيانة المطلوبة والسعة الخزنية وطرق التعبئة والتفريغ وقد وجد أن السايلوات الكونكريتية هي أفضل أنواع السايلوات المستعملة.

خزن الحبوب في سايلوات العراق تمثل بنية ارتكازية استراتيجية كونها ترتبط بتأمين الأمن الغذائي لعموم الشعب وخاصة الحبوب، ويشمل هذا القطاع السايلوات ومخازن خزن محاصيل الحبوب (الحنطة والشعير والشلب) وهو أحد انشطة وزارة التجارة / الشركة العامة للحبوب حاليا.

يبلغ عدد سايلوات خزن حبوب في محافظات العراق (45) سايلو بمختلف السعات الخزينة حيث تتراوح الطاقات الخزنية للسايلو الواحد ما بين (10-150) ألف طن بنوعية السايلو العمودي والسايلو القببي. نظراً لارتباط الخزن بالأمن الغذائي وبسبب الحروب التي مر بها العراق فقد كان من الضروري تأمين خزين جيد من الحبوب الرئيسية من خلال تطوير الطاقات الخزنية الموزعة على معظم محافظات العراق وتأتي في مقدمة المحافظات من حيث الطاقات الخزنية نينوى تليها صلاح الدين ثم بغداد وكركوك وتأتي في أدنى سلم تدني الطاقات الخزنية للحنطة والشعير محافظات كربلاء، المثنى، ذي قار، التي لا تتجاوز الطاقات الخزنية فيها عن (40) ألف طن.

وبهذا الصدد هناك امكانية التوسع في زراعة هذا المحصول حيث وجود المساحات الصالحة للزراعة الواسعة، وتوفر الايدي العاملة والمياه ولكن بحاجة إلى دعم حكومي للقطاع الزراعي أفقياً وعمودياً وتشجيع المنتوج المحلي وحمايته من المنافسة الخارجية وان يكون الدعم موجهاً بشكل أكبر للحبوب والسلع الغذائية الرئيسة الواجب خزنها لأنه سلعة استراتيجية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي.

ويبرز دور وزارة التجارة في تأمين الخزين الاستراتيجي للحبوب والذي تحكمه محددات اقتصادية ومالية وفنية وتكنولوجية وطبيعية.

يتجه تأمين الخزين الاستراتيجي نحو مسارات تعزيز الأمن الغذائي والذي يتطلب موارد مالية هائلة، فضلاً عن رصد المحاصيل المزروعة، ودرجات نموها تتطلب معرفة الانتاجية الهكتارية، وتوفر المخزونات الاستراتيجية للحبوب والذي يتطلب الاستثمار في وسائل الرصد الجوي والمناخي من خلال دعم مجالات التدريب في مجال الانذار المبكر للتنبؤ بأوضاع الزراعة وانتاج الغذاء، حيث يلاحظ في العراق تفاوت تلك المحددات بسبب المعوقات التي تعترض سياسات وأنظمة المخزون الاستراتيجي، فعدم وجود رصيد للإنذار المبكر لتقدير الحاجة من المخزون قبل مدة مناسبة وضعف الطاقات التخزينية وقدمها، وعدم ملائمة طرق التخزين المتعبة وخاصة في ما يتعلق بالسقائف أو التخزين في العراء، فضلاً عن تلف وهدر كميات كبيرة من المنتجات الزراعية المخزونة لدى الفلاحين وتأثير الظروف الامنية والخدمية كالكهرباء والطرق وعمليات التدوير.

وتأتي أهمية الخزين الاستراتيجي للحبوب من التقلبات المتزايدة في الأسعار الدولية للقمح والتي ترجع إلى مجموعة من العوامل، منها النمو السكاني ونمو الدخل والتوجه نحو أنماط الوقود الإحيائي وأسعار الوقود المرتفعة والمتقلبة وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي، تغير المناخ وانخفاض المعدلات العالمية لنسب المخزون إلى الاستهلاك في زيادة تقلبات الأسعار، وتفاقم الظروف المناخية القاسية التي تؤدي إلى زيادة تقلبات الإنتاجية الزراعية، والذي يقود إلى انخفاض معدلات المخزون نسبيا إلى أن يصبح السوق العالمي للقمح أكثر عرضة للاختلال في الإمدادات.

الاحتياطي الاستراتيجي للحبوب جزء لا يتجزأ من استراتيجية الأمن الغذائي للدولة

يمكن أن يؤدي الاحتياطي الاستراتيجي إلى الحد من التقلب في الأسعار المحلية والدولية للقمح، فضلاً عن تواتر صدمات الأسعار، يخفف الاحتياطي الاستراتيجي من مخاطر الإمدادات عن طريق توفير إمدادات القمح في أوقات الأزمات، ويساعد على استمرارية تدفق القمح للمطاحن والمستهلك النهائي.

وينبغي أن تتم صياغة سياسة استراتيجية للاحتياطي بعناية وإدارتها بصورة سليمة من أجل نجاح تلك السياسة الاستراتيجية، وطالما يعد الاحتفاظ بمخزون استراتيجي أمرا مكلفا، فأنه يتعين على كل الدولة أن تقرر حجم ما سوف تنفقه مقابل الحصول على الأمن المادي والمالي والنفسي الذي يصاحب الاحتياطي الاستراتيجي للقمح والرز.

 حيث تبلغ تكلفة التخزين في العراق في المتوسط بحدود 3 دولار أمريكي لكل طن متري شهري وهو قريب من تكلفة التخزين في البلدان العربية الذي يكون في المتوسط 2.15 دولار أمريكي لكل طن متري شهري، علماً ان سعر طن القمح المحلي درجة أولى، 560 ألف دينار (468.52 دولار)، وسعر طن القمح المحلي درجة ثانية 480 ألف دينار (401.59 دولار)، وسعر طن القمح المحلي درجة ثالثة، عند 420 ألف دينار للطن الواحد، وفقاً لبيانات حددتها وزارة التجارة مما يعني أن زيادة مدة التخزين لثلاثة شهور يؤدي إلى زيادة التكلفة الإجمالية للتخزين بنحو 9 دولار أمريكي لكل طن متري من القمح فإذا قامت الدولة بتخزين 3 مليون طن متري سنويا مع إضافة ثلاثة شهور من التخزين الاستراتيجي على مدار عام واحد سترتفع بالتأكيد زيادة فاتورة التخزين.

ومع ذلك، يمكن تقليل تكاليف التخزين في بعض الحالات، حيث تدعم العديد من البلدان العربية تكلفة تخزين القمح، بما يزيد من الضغوط المفروضة على الموازنات المالية. ويمكن تقدير الحجم النسبي للدعم في البلدان العربية من خلال مقارنة تكاليف التخزين لديها بتكلفة التخزين في هولندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. ففي البلدان الثلاثة التي تعد أساسا للمقارنة، يتولى القطاع الخاص إدارة سلسلة إمدادات واردات الحبوب في الأسواق التي تتسم بالمنافسة الشديدة. وبافتراض أن التكلفة الهامشية طويلة الأجل للتخزين تبلغ نحو 2 دولار أمريكي لكل طن متري شهريا، انخفضت تلك التكلفة في العراق إلى أقل من هذا السعر الدولي، بما يشير إلى انخفاض تكاليف الأراضي أو العمالة أو التكلفة الرأسمالية أو وجود دعم مباشر أو غير مباشر، بما يشير إلى القدرة على تحقيق مكاسب فعالة. وعلى سبيل المثال، فمن خلال احتساب معدل الاستهلاك السنوي للقمح بالعراق مضروبا في الفارق بين تكلفة التخزين بها وتكلفة التخزين الدولية، مع تقدير تكلفة الدعم الحكومي لشراء المنتج المحلي من الحبوب بنحو 1.5 ترليون دينار، يمكن بدلاً من ذلك استخدام هذه الأموال في استثمارات البنية الأساسية التي توفر مزايا طويلة الأجل.

لذا من الضروري بمكان إيجاد خدمات لوجستية لسلسلة إمدادات واردات الحبوب، ولضمان موثوقية وكفاءة التخزين الاستراتيجي ينبغي تفعيل دور وزارة التجارة في تأمين الخزين الاستراتيجي للحبوب من خلال القيام بالآتي:

- تحسين الخدمات اللوجستية الشاملة لسلسلة إمدادات واردات الحبوب من اجل خفض التكاليف الأساسية والفاقد من المنتجات، مع زيادة موثوقية سلسلة الإمداد.

- تقليل الوقت الذي تستغرقه الاستيرادات وإزالة الاختناقات الأخرى في الميناء فضلاً عن تقليل الوقت الذي يستغرقه التسويق المحلي للحبوب والذي يمكن أن يقلل كثيرا من تكاليف الخدمات اللوجستية الشاملة.

- تحسين نوعية الطرق وتوسيع شبكات النقل يمكن أن يقلل من فترات الترانزيت في سلسلة إمدادات واردات الحبوب المستوردة والمحلية والتكاليف ذات الصلة في الوقت الذي يتم فيه تعزيز ربط الإقليمي.

-  يمكن للتقليل من مدة البقاء (dwell time) المتصلة بالتخزين التشغيلي إلى الحد الأدنى وتقليل تكاليف سلسلة إمدادات الحبوب.

- يمكن للاستثمار في مرافق التخزين متعددة الحبوب، ومعدات التفريغ المختلفة، وغيرها من الحلول متعددة الأغراض من تعزيز الإنتاجية وزيادة الوفورات.

- تطوير العلاقات التجارية الرسمية مع الدول المصدرة للحبوب الرئيسة، اذ يمكن أن تقدم فوائد لكل من المستهلكين والأعمال التجارية في العديد من القطاعات، بما في ذلك صناعة القمح. ويمكن لزيادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين العراق والدول المصدرة للحبوب الرئيسة أن يكون لها فوائد ثانوية من أجل تحقيق الأمن الغذائي.