اخر الاخبار

حسبما تنشر وزارة التخطيط فإن عدد السيارات السالكة في شوارع العراق تناهز اليوم السبعة ملايين سيارة، منها 2،1 مليون سيارة في العاصمة بغداد لوحدها، وفي أربيل أكثر من 600 ألف سيارة، فقد أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في التاسع من كانون الثاني عام 2020 أن عدد السيارات في العراق خلال عام 2018 بلغ 6.709.724، سيارة تعود للقطاع الخاص، وأن اجمالي السيارات كان لعام 2017 بلغ 6.439.332 سيارة، أي بزيادة قدرها 5،4 بالمئة، وهذه الزيادة برأينا تفوق الزيادة في عدد السكان بنسبة 2.4 بالمئة، تضاف اليها أعداد جديدة من وسائط النقل الفردية التي يطلق عليها التكتك، أو شقيقتها المخلة بالمرور العام الستوتة، والسؤال هل يصح أن يفوق استيراد السيارات نسبة الزيادة السكانية لأي بلد في العالم؟ وهل يصح ان نملأ الشوارع بوسائط نقل متنوعة غير السيارات دون ضوابط أو حتى إجازات سوق، بل وبدون أرقام؟ ولو عاد أي منا إلى وظائف الحكومات تجاه تنظيم أمور الحياة العامة ومنها تنظيم المرور، لوجد أن العراق كان له منذ عشرات السنين قواعد وضوابط لاستيراد السيارات، وله أيضا قانون تنظيم المرور رقم 50 لسنة 1935، وقد نص هذا القانون من بين ما نص على:

-1 تنظيم المرور في الشوارع والطرق العامة.

-2 اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الازدحام.

-3 تفتيش وسائل النقل من حيث استكمالها لشروط التسجيل.

-4 تنظيم أحكام الاتفاقيات الدولية بشأن سير وسائط النقل على الطرق الدولية.

-5 فحص مواقف وسائط النقل ومنع وقوفها في غير تلك الأماكن.

-6 تخصيص مواقع عبور الأهالي.

-7 تحديد مواقع استدارة وسائط النقل.

-8 تحديد عدد الركاب في وسائط النقل العام.

إن الانفتاح غير المبرر على عالم السيارات ووسائط نقل أخرى من خلال إطلاق الاستيراد كان وراء تشكيل كتل من هذه السيارات تفوق الحاجة أو مجاميع من التكتكات والستوتات تسير دون ضوابط أو في أغلب الأحيان عكس الاتجاه، وكان لأتباع الجهات الأهلية والحكومية أساليب الرأسمالية في إغراء أصحاب الدخول القليلة للتوجه لاقتناء السيارات أو الوسائط الاخرى عن طريق القروض والتسهيلات الائتمانية ، كل ذلك لم يكن ليصاحبه توسع في الشوارع داخل المدن أو إنشاء طرق جديدة بين المحافظات، بل جرى العكس ، فقد تقادمت الطرق الواصلة بين المحافظات وتراجعت الشوارع في المدن، اضافة الى كثرة الموانع أيام الإرهاب أو ما يجري حاليا من غلق هذا الشارع أو ذاك أمام الدوائر الحكومية أو أن الكثير من المسؤولين يعمل على قطع الشوارع المؤدية إلى دورهم أو أماكن اقامتهم لضمان عدم ازعاجهم أو خوفا على حياتهم ، كما وأن الكثير من الوحدات العسكرية الرسمية أو بعض المليشيات فإنها الأخرى تعمل على قطع الطرق والشوارع إضافة إلى بعض الجهات الحزبية ، ناهيكم عن قيام الكثير من اصحاب المحلات التجارية أو الشركات بوضع موانع امام مقراتها تمنع الوقوف والمرور دون تدخل من الجهات المعنية، أو أن الكثير من الباعة باتوا يفترشون الارصفة بل وحتى أجزاءً من الشوارع العامة لعرض سلعهم أو اشارات خدماتهم، ولو تركنا الحكومة وإجراءاتها لوجدنا أن المواطن ولقلة الخشية من القانون، يخالف قواعد المرور إما بالسير بالاتجاه المعاكس، أو أن يركن سيارته حيثما يشاء، أو أن تقام سرادق الاحتفالات أو المأتم في بحور الشوارع الفرعية أو الازقة دونما شعور بالمسؤولية أو خوف من قواعد القانون ، كما أن الاحزاب والكتل السياسية كثيرا ما تقطع الشوارع أو الطرق من اجل تجمع انتخابي أو لقاء سياسي.

الازدحام والخسارة الاقتصادية

أصبح توقف السيارات وعجلات النقل الأخرى حالة مستديمة في الكثير من التقاطعات أو الشوارع، وأصبح المواطن معتادا عليها رغم حر الصيف أو برودة الشتاء وقد يصل معدل التوقف اليومي لكل عجلة 45 دقيقة، عند العديد من التقاطعات أو الشوارع من محل الاقامة إلى الهدف المقصود، يستهلك خلالها استهلاكا مجانيا للوقود أو استهلاكا من العمر الافتراضي للسيارة أو الوقت المخصص للعمل والإنتاج، ويقدر ذلك بالكثير من المليارات من الدولارات.

المطبات والتخسفات والكسرات في الطرق والشوارع،

من خلال المتابعة نجد أن تعرض أغلب الشوارع والطرق بل وحتى الطرق السريعة للتقادم أو العوارض أو التخسف بسب فوضى مرور الشاحنات على طرق أو شوارع لم تكن معدة اصلا لمرور شاحنات الحمل الكبيرة أو الصغيرة، أو بسبب الانفلات البلدي فإن الكثير جدا من المواطنين يقومون هم بدورهم بتدمير الشوارع أو الطرق أو الازقة من خلال عمليات الحفر تجاوزا على القانون لمد انابيب الماء الصالح للشرب أو مد انابيب الصرف الصحي وترك تلك الخطوط المحفورة دون إعادة الغطاء الاسفلتي اليها مما يتسبب في تحول الشوارع المبلطة سابقا الى شوارع تكسوها الاتربة بواسطة حركة السيارات، أو شوارع تعيق السير.

كان لانعدام المتابعة من قبل الأمانة والبلديات، أو إهمال تلك الجهات لواجباتها أن تكونت التخسفات والحفر التي تؤدي بدورها الى تكوين الزحام، أو أنها تعمل على استهلاك أجزاء السيارات والإطارات، أو أدوات واطارات عجلات الانتاج الاخرى مما يتطلب تبديلها وهذا أيضا بدوره يضيف تكلفة إضافية جراء استيراد الأدوات الاحتياطية وبمليارات الدولارات، كما وأن هذه التخسفات أو الحفر الناتجة عن تدخل المواطن العراقي أو نتيجة للتقادم تعمل على تشكيل الحوادث المرورية وما ينتج عنها من خسارة في الاموال والارواح.

بعض المقترحات الكفيلة بمعالجة الازدحام المروري وتوفير الأموال.

أولا -المقترحات التي تخص المواطن

-1 تجنب التنقل لأغراض الدوام بالسيارة الخاصة. على المواطن ان يترك قدر الإمكان عادة الوصول الى محل عمله بسيارته الخاصة واستعمال خطوط نقل الدوائر وفي حالة عدم وجودها بتعيين التنقل بواسطة النقل العام الحكومي أو الأهلي، علما أن نسبة انتقال الفرد الواحد في السيارة الخاصة تكاد تصل الى 38 بالمئة أثناء الدوام الرسمي، و50 بالمئة أثناء العطل والمناسبات.

-2 على الأسرة العراقية أن تغادر عادة تعدد السيارات بتعدد أفرادها لأنها تصطدم يوميا بواقع مروري مرير ومقزز، وأن تحاول مغادرة عادات الرأسمالية المشجعة على الانفاق غير المنتج والمعتمد أساسا على وسائل التقسيط المغرية، ولأن استعمال السيارات الفردي يؤدي إلى خسارة في الدخل الفردي والدخل والقومي، خاصة وأن العراق يستهلك يوميا 20 مليون لتر من الوقود. يمكن اختزالها الى النصف وذلك باستعمال النقل العام.

-3 التناوب في استعمال السيارة، يمكن للعائلة الواحدة أو المعارف في المحلة الواحدة التناوب بالانتقال الى محلات العمل بسيارة واحدة وبالدور بين الاطراف، لأن ذلك سيؤدي الى توفير الأموال المصروفة على الوقود واستهلاك العمر الافتراضي للسيارة ناهيكم عن تخفيف شدة الازدحام المروري.

ثانيا-المقترحات التي تخص الحكومة.

-1 على وزارة التخطيط وضع خطة عامة عشرية تعمل بموجبها على تفريق الدوائر والوزارات قدر الإمكان بعضها عن البعض وخاصة في بغداد، وأن تعمل قدر الإمكان أن تكون الدوائر الخدمية قريبة من المحلات السكنية. أو أن تعمل الوزارات والهيئات على أن تكون لها أذرع قريبة من المواطن المستهدف.

-2 في بغداد يجب أن تقوم مديرية الطرق والجسور باستحداث خط سريع للشاحنات والسيارات شرق العاصمة يبدأ من جرف النداف باتجاه الشرق خلف السدة مرورا بمدينة الصدر وحي أور والشعب وبوبي الشام ليصل إلى نقطة الالتقاء بطريق بغداد كركوك وأن يتم بناء جسر لعبور الشاحنات الى جانب الكرخ للالتقاء بخط بغداد الموصل تركيا. أو أن يصار مرحليا إلى ربط هذا الخط المقترح بجسر المثنى شمال بغداد.

-3 أن تغادر مديرية المرور العامة هذا التراخي والعودة إلى سابق عهدها في مسألة التدقيق في إجازات السوق والمحاسبة الجدية بشأن الخروقات المرورية، وبشأن التعدي على الإشارات الضوئية أو الوقوف في غير الأماكن المخصصة للوقوف.

-4 إن ظاهرة الانفلات غير المعقولة للتكتك والستوتة وقيام سائق هذه الواسطة بالسير المتعمد عكس الاتجاه للوصول بالراكب إلى هدفه، صارت جزءا مخجلا من صورة الوحش المروري الجاثم على شوارع بغداد بالذات وبعض الشوارع في المحافظات، كما وأن أغلب سائقي هذه النوعية من وسائط النقل دون الثامنة عشر من العمر بل ربما من هم في الرابعة عشر في الأزقة والشوارع الفرعية، ولا يملكون إجازات سوق أصولية. والبعض لصغر سنه يقوم بالمخاطرة والسير الجنوني، والالعاب البهلوانية دون واعز، والمطلوب من مديرية المرور العامة التحري عن الجهات المجهزة لمثل هذه الوسائط وضبط ايقاع مبيعاتها.

-5 بعيدا عن المحافظات، فإن أمانة بغداد ومحافظة بغداد كل منهما مسؤول قبل غيره عن الفوضى المرورية لأنهما لم يكونا قد تدخلا لوضع حد لهذا الاستيراد المفتوح للسيارات ولأن هذا الاستيراد لم يصاحبه توسع أفقي أو عمودي في الشوارع والطرق، بل ظل كل منهما ينظر بخشوع لهذه الظواهر التي باتت تخنق الناس والاقتصاد، وقد يقول أحدهم ما دخلنا نحن، نقول إنكم مسؤولون عن البناء المدني والمخطط العمراني وإنكم مسؤولون لمواكبة التوسع في الاستيراد أو الحد منه أو السير وفق مقتضيات هذا الاستيراد وشق الطرق الجديدة والشوارع التي تتناسب تناسبا طرديا مع ازدياد إعداد السيارات. كما وأن كل منكما لم يواكب حتى أبسط مستلزمات عمله والمتركز على صيانة وترميم الشوارع والطرق، وانما انصب عملكما على الترقيع الخجول أو الاكساء الفاشل مما ترك اثاره بشكل سافر على حركة السير والمرور، كما وأنكما عكس كل دول العالم تجرون الاعمال الترقيعية في وضح النهار وأثناء ذروة المرور.

ان رؤساء الحكومات والوزراء المعنيين كانوا وراء كل ازمات البلد ابتداء من أزمة الاستيراد المفتوح لكل شيء بما في ذلك السيارات، أو السكوت على عبث الأمانة والبلديات. مما تسبب في فقدان بوصلة التقدم لهذا البلد يضاف إليه الفساد الذي تراكمت عنده كل الأسباب المميتة للمرور والتعليم والصحة وغيرها من مناحي حياة العراقيين، وليفرح المسؤول صار عدد السيارات سبعة ملايين.