اخر الاخبار

بينا وفي اكثر من مناسبة ان وجود خبراء الفقه الاسلامي ضمن تكوين المحكمة الاتحادية العليا لا يعني ان لهم الحق في الاشتراك ضمن تشكيل المحكمة ، ونقصد بتشكيل المحكمة هو الجانب المهني في عمل القضاة المتمثل في في اعتلاء كرسي القضاء للنظروالبت في المواضيع المطروحة امامهم الذي يتم على وفق احكام قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل ، فقد لاحظنا قيام البعض بالخلط المتعمد بين التكوين والتشكيل حيث ان الاخير لا يتاح الا لمن تم تأهيله عبر المراحل المتعددة التي تضمنتها المنظومة التشريعية القضائية المتمثلة بمجموعة من القوانين منها   قانون التنظيم القضائي وقانون المعهد القضائي وقانون المحاماة ـ، اذ لا يجوز مطلقا اعتلاء كرسي القضاء الا لمن تمكنوا منه على وفق التوصيف اعلاه . لما تقدم فان خبراء الفقه الاسلامي ليسوا بقضاة لان اسباب وشروط التاهيل لم تكن متاحة لهم ، عليه لا يحق لهم اعتلاء كرسي القضاء والاشتراك في تشكيلة المحكمة ، فضلا عن ان توصيفهم دستوريا بالخبراء ، يعني ان الخبرة مختلفة عن القضاء لغة واصطلاحا ووظيفة ، اضافة لما تقدم فان اختيارهم على وفق ما جاء بمشروع القانون المطروح امام مجلس النواب يثير اشكالات عدة منها :

 الموضوع الاول – ورد في مشروع القانون ان المشرع كلف الوقفين الشيعي والسني بترشيح اربعة من خيراء الفقه الاسلامي الى عضوية المحكمة الاتحادية العليا ، ومعلوم ان ادارة الاوقاف  ليست من ضمن تشكيلات المؤسسة الدينية وغير منتسبة لها ، لكونها ادارةعلى وفق التوصيف القانوني لادارة الاوقاف  ومنذ تاسيس الدولة العراقية الى يومنا هذا فانها مندرجة ضمن تشكيلات دوائر الدولة حسبما يقضي بذلك النظام التشريعي المشرعن لوجودها ووظيفتها   هذا يعني انها جزء من تشكيلات السلطة التنفيذية ، والامر ذاته بالنسبة  لقانوني الوقفين الشيعي والسني الذين يربطانهما برئيس مجلس الوزراء الذي يعد راس السلطة التنفيذية . ولما كان الامر كذلك فأن التعامل معهما لا يتم الا من خلال هذه الصفة وهذه المشروعية ، لذا فان تكليفهما بمهمة ترشيح خبراء الفقه الاسلامي يعني ان التكليف جاء من قبل السلطة التنفيذية لهذه المهمة وهذا التكليف يعد تدخلا من قبل هذه السلطة التنفيذية في الشأن القضائي ، ولما كانت  السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ( المادة 87 من الدستور ) ، ولا سلطان للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية لان القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لاية سلطة التدخل في القضاء او شؤون العدالة المادة ( 88 من الدستور ) عليه فأن ترشيح هؤلاء من قبل السلطة التنفيذية يعد تدخلا في الشأن القضائي وانتهاكا لذلك السلطان ويشكل مخالقة دستورية  فضلا عن مخالفته لقاعدة الفصل بين السلطات.

الموضوع الثاني – استقلال القضاء قاعدة دستورية آمرة ، وهذ يعني عدم جوازالاتفاق على ما يخالفها . ومعلوم ان استقلال القضاء امر حازم في العملية القضائية  لانه حق من  حقوق الانسان حسبما نص عليه في  ( الاعلان العالمي لحقوق الانسان ) وليس مجرد ميزة او صفة مضافة لهيبة القضاء ووقاره . ولكن  يلاحظ ان الطريقة التي يتم فيها ترشيح خبراء الفقه الاسلامي من قبل الوقفين السني والشيعي الواردة في مشروع القانون تعتمد على رسوخ عقيدة الهوية الفرعية والانتماء الدوغمائي للمذهب  لدى المرشح شيعيا كان ام سنيا وعلى حساب هوية المواطنة ، هذا يعني ان المرشح يلتحق بالمحكمة وهو معبأ ايديولوجيا مسبقا وهذه والتعبئة تطرح اثارها على سلوك المرشح وتجعله منحازا بالمطلق الى الجهة التي رشحته ، هذا الانحياز العقائدي يفقدة الحيدة عندما يتعلق الامر بالمفاضلة بين المذهب والدولة ، فقدان الحيدة هذه تفضي الى العبث باستقلال القضاء باعتباره قاعدة وستورية وحق من حقوق الانسان .

 3 – ثوابت احكام الاسلام والتوظيف الطائفي : ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ).هذا ما نص عليه الدستور ، ويقصد بثوابت احكام الاسلام هي الاحكام القطعية التي لا يجوز الاجتهاد بها والمعروفة للمختصين وغير المختصين . الا ان القراءات المختلفة للنص القرآني هي التي افضت لتأسيس المذاهب التي اسست لثوابت خاصة بها وخرجت باحكام فقهية مختلفة  ومتناقضة  نالت من ثبوت تلك الاحكام ، وافضت الى هذا الوضع الطائفي عليه فان وجود خبراء الفقه الاسلامي ضمن تشكيلة المحكمة يعني نقل النزاع المذهبي من الكتب العتيقة الى سوح القضاء وهذا ترسيخ قانوني للطائفية ترتكبه السلطة التشريعية ويدخلنا في نفق مظلم لا نور في نهايته .

عرض مقالات: