اخر الاخبار

لقد طوى الردى الغاشم، صفحة ناصعة البياض، جسدت حياة مناضل كان بطلاً، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وعلى جميع الصعد في حياة الشيوعي النموذج والقدوة، بصرف النظر عن الزمان والمكان. منذ يفاعته كان الرفيق “حيدر الشيخ” على موعد مع الاصالة والنقاء والعطاء بلا حدود، هذه الاصالة التي ظلت لصيقة به، وأبت ان تفارقه، فسلحته بطاقة نضالية عزّ نظيرها، واحتضنها وعي طبقي مبكر، استمر بالتجذر على مر السنين، وتوغله في مسارب النضال الشائكة والخطيرة.

كان فقيدنا الغالي “ابو بلند” قائداً بالفطرة، وقد ولد ليكون شيوعياً، فالمواصفات التي يمتلكها متميزة في كل شيء، سواء بأخلاصه اللامتناهي للطبقة العاملة، وكل الكادحين العراقيين ولحزبهم المجيد، او في علاقاته الجماهيرية التي باتت مضرباً للأمثال وحافزاً بل ملهماً لجميع الشيوعيين، لأنه كان يدرك بعمق ان الشيوعي لا يستحق هذا الشرف الرفيع، الا عندما يكون قادراً على نسج علاقات حميمية مع اوسع الجماهير، يثقفها ويرفع وعيها ويقودها لتحقيق اهدافها وطموحاتها المشروعة، ولذلك كنت تراه من بين القلائل من الرفاق الذين لديهم عشرات الاصدقاء المتبرعين وغير المتبرعين، الذين كان ينقل اليهم حماسه وثقته العالية بعدالة القضية التي يناضل الشيوعيون من اجلها، وضرورة المساهمة في تحقيق هذا الهدف النبيل.

كان ثورياً شجاعاً اقتحم سوح النضال جميعها، ولم يعتذر في يوم من الايام عن تنفيذ اية مهمة يكلف بها، يتصدى لها بعد ان يدرسها، ويلم بكل جوانبها الايجابية والسلبية، منطلقاً من موهبة نادرة على المبادرة والابتكار وسرعة البديهة التي اشتهر بها، وكانت موضع اعجاب الجميع.                                                                       ان الطيبة الاستثنائية ونكران الذات والرغبة في مساعده الجميع حتى وان كانوا لا يشاطرونه ما يؤمن به، هي من السمات الكثير التي طبعت شخصيته المتفردة والاثيرة.

كان اممياً بأمتياز وكثيراً ما سفه وفند آراء وافكار القوميين المتعصبين بأسلوب المرح الدي عرف به واحبه الاخرون.

بعد ان خرج من سجن “ايفين” الرهيب في ايران نتيجة وشابة من احد الحاقدين ودامت فترة سجنه كما هو معروف ست سنوات قاسى فيها ابشع اساليب التعذيب الجسدي والنفسي ليضيف أسطورة من اساطير العمود الشيوعي. وبمجرد اطلاق سراحه التحق بقوات الانصار الشيوعيين ليواصل مسيرته النضالية بكفاءة عالية، فعمل في لجنة العلاقات المركزية، ثم اختير عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، واباّن هذه الفترة كلفتُ من قيادة الحزب، بأجراء مقابله معه غطت اكثر من ثمانين صفحة من القطع الكبير، تحدث فيها، رغم الالام والمعاناة اليومية الشديدة، عن ظروف اعتقاله والاساليب الجهنمية التي اتبعت معه لكسر شوكة صموده، كما تحدث عن العلاقات الرفاقية الواسعة التي نسجها في داخل السجن مع قادة احزاب اليسار الايراني (تودة/ سازمان وغيرها) ومعلومات غنية جداً عن عملهما ونشاطهما وطبيعة النظام الفاشي في ايران، واساليب الغدر والخسة التي اتبعها مع الثوار الحقيقيين من احزاب اليسار، وطبيعة الصراعات الموجودة في صفوف النظام وقادته، وقد وزعت هذه المقابلة (الكراس) على الفصائل والوحدات الانصارية في حينها.

وفي فترة انسحاب “صدام حسين” وقواته من كردستان وقيام “الجبهة الكردستانية بإدارة شؤون كردستان، وتشكيل حكومة الاقليم، حيث اسندت لأبي “بلند” وزارة النقل، كان فيها مثالاً للوزير الناجح والقادر على تحقيق انجازات كبيرة مهما كانت الصعوبات والتعقيدات وضيق ذات اليد.

ان هذا البطل هو من النوع الذي يجب ان يحتذى، ويكون رمزاً لكل المناضلين في سبيل الوطن الحر والشعب السعيد.

خسارتنا في فقدانه كبيرة جداً، وعزاؤنا انه قدم لنا جميعاً امثولة تصلح ان تكون ايقونة تدفعنا لاقتفاء اثره.

عرض مقالات: