اخر الاخبار

جاء انعقاد المؤتمر الاول بعد اقل من عام على المؤتمر التأسيسي في 9 -11 شباط 1960 الذي حضره ما يقارب 350 مندوبا يمثلون أكثر من 305 ألف عامل نقابي، اي بزيادة 55 ألف منتسب جديد. كما صدر قرار تشكيل النقابات او إعادة تأسيس النقابات. ومما يذكر ان الاتحاد العام لنقابات العمال أجيز في 12/11/1958، وصدرت صحيفة اتحاد العمال في 3 شباط 1960.

وقد حضرت المؤتمر وفود عربية وعالمية كثيرة وكبيرة، ومنها ممثل اتحاد النقابات العالمي ابراهيم زكريا والذي حضر معه بيير جانسون، إضافة إلى وفود من الدول الاشتراكية والرأسمالية والعربية ومندوب اتحاد الشغل المغربي.

كما كان لقبول الاتحاد العام لنقابات العمال في عضوية الاتحاد العالمي للنقابات، دور كبير في التعريف بالحركة النقابية والنظام الجمهوري في العراق، وشاركت وفود الاتحاد العام في نشاطات نصرة الشعب وعمال الجزائر كما شارك في مؤتمر منظمة العمل الدولية والكثير من اللقاءات والندوات العالمية.

ومن مؤتمر التأسيس والمؤتمر الاول للنقابات العمالية، صدرت مجموعة من القرارات التي تدعم الثورة وتطالب بسن تشريعات ثورية في مجال الضمان الاجتماعي، ومن أجل إشاعة الديمقراطية في العمل النقابي وادارة الانتاج. كما وجه المؤتمر عددا من النداءات إلى العمال لضمان السلم ودعم الثورة الفتية والتضحية من اجل استمرار نهجها التقدمي والوطني. واكد على الدعم العربي ومصالح الطبقة العاملة العربية والعالمية والتضامن معها في سبيل نيل حقوقها المشروعة.

إن النجاح الذي حققه المؤتمر الاول، واشتداد حملة القوى الامبريالية والرجعية ضد البلاد، دفع البرجوازية في الحكم وخارجه إلى تشديد الحملة ضد العمال ونقاباتهم واتحادهم العام في مختلف المجالات وتحت مختلف المبررات، مطالبة بحل النقابات واجراء انتخابات جديدة بدعوى أن النقابات زجت نفسها في النشاط السياسي. واستشرت حملة من الاتهامات ضد دور العمال في الانتاج ملقية عليهم تبعات الركود الاقتصادي برمته.

وبهذا الصدد، يذكر صادق الفلاحي:

“بعد انتهاء أعمال المؤتمر ببضعة ايام، تقرر غلق الاتحاد العام وحجز امواله المنقولة وغير المنقولة واعتقالي، ويبدو ان المذكرة التي قدمتها إلى عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء وبقية المسؤولين، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال. فقد اوصى المؤتمر برفع مذكرة مسهبة تستعرض كل المظاهر السلبية والتجاوزات غير القانونية التي يتعرض لها العمل من أرباب العمل والمؤسسات وأجهزة السلطة والدوائر المعنية”. ومن المعروف رفض نشرها في الصحف. ويضيف الفلاحي “ وكانت هذه المرة الاولى التي يتدخل فيها بشؤون الصحافة ويغلق الاتحاد العام ويتخذ الاجراءات الاخرى”. ويشير النقابي هاشم علي محسن إلى ذلك بقوله “وعلى العموم فان عبد الكريم قاسم نفسه، الذي قام برعاية مؤتمر الاتحاد العام، هو الذي أمر الحاكم العسكري في 29 تموز 1959 بغلق مقر الاتحاد واعتقال اعضاء مكتبه التنفيذي بحجة عدم شرعية المؤتمر الذي عقد برعايته”.

والأنكى من ذلك أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعاملت مع المكتب التنفيذي بشكل رسمي كونه ممثل الطبقة العاملة العراقية وبعثت كتباً رسمية اليه تدعوه إلى المشاركة في تنظيم أمور النقابات واللجان الرسمية. ففي 23/3/1959 وجهت اليه وزارة الشؤون الاجتماعية كتابها المرقم 5398 ونصه (إلى رئاسة المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال في العراق /الموضوع سجل كفاءة النقابات – نظمت هذه الوزارة سجلا خاصا بالنقابات، سجل كفاءة النقابات، تسجل فيه كافة فعاليات النقابات وتنظيماتها ومخالفاتها ومدى تطبيقها للأنظمة والقوانين في سبيل تحقيق أهدافها التي أنشأت من اجلها. وعليه نرجو التعميم على كافة النقابات المجازة في العراق وكافة العمال بضرورة التمسك بالنظام وبكافة التعليمات الصادرة وتجنب كل ما من شأنه ان يؤدي إلى الفوضى والارباك. إذ أن الضرورة الوطنية تقتضي وتحتم في كل فرد من افراد الشعب التكاتف في سبيل تأمين الاستقرار والعمل بكل الوسائل لزيادة الانتاج في البلاد آملين مؤازرتنا بكل ما يعن لكم من ملاحظات بشأن النقابات المذكورة لتأشيرها في السجل الانف الذكر بصورة مستمرة ومنتظمة. التوقيع وزير الشؤون الاجتماعية). وتم ارسال صورة منه إلى كافة الوزارات المختصة ومديرية العمل والضمان الاجتماعي والادارة والذاتية ومشاورية الحقوق والارشاد والتوجيه الاجتماعي.

ونشير هنا إلى موقف الحكومة، حيث يذكر الكاتب مناف جاسب، أن موقف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، المسؤولة عن إجازة النقابات العمالية، لم يكن محايدا، وقد تمثل ذلك في موقف وزيرها ناجي طالب القومي ذي الميول البعثية، والتي تعادي الحزب الشيوعي بشكل واضح وصريح، اذ أصدرت الوزارة المذكورة في 10 تشرين الثاني 1958 أمرا بحل جميع اللجان التحضيرية لجميع النقابات العمالية التي تكونت بعد نجاح الثورة بذريعة تخليصها من النفوذ الشيوعي المسيطر عليها. ومن المعروف أنه لم يبت بإجازة النقابات العمالية الا بعد استقالة الوزير ناجي طالب في 7 شباط 1959.

لقد ناضلت الطبقة العاملة في السنوات السابقة لثورة تموز 1958، وقدمت الكثير من المآثر البطولية والشهداء وساهمت من خلالها في تقويض دعائم الحكم الملكي وإسقاطه في ثورة تموز المجيدة، حيث ربطت نضالها الاقتصادي بالنضال السياسي، وهو ما تحقق لاحقا.

لقد تحققت الثورة بجماهير الشعب وقواها الوطنية وطبقتها العاملة، التي تفاعلت مع قيام الجمهورية في العراق. ودعا المكتب التنفيذي بشكل علني إلى تكوين المنظمات النقابية على صعيد المهن المختلفة لتأسيس النقابات العمالية في مختلف مدن البلاد. كما تم فرض تطبيق قانون رقم 1 لعام 1958 الذي تم تشريعه قبل أشهر اي في 16 اذار 1958 من قبل سلطات النظام الملكي واعتبرت بنوده نافذة المفعول من الاول من ايلول 1958 اي بعد ستة أشهر من تشريعه. وقد عّدل قانون رقم 1 بالقانون رقم 82 لسنة 1958 ثم بالقانون 71 لسنة 1959.

ويشير كاتب كتاب “ربع قرن من تاريخ الحركة النقابية العمالية في العراق” النقابي طالب عبد الجبار إلى التجربة السابقة التي ناضلت فيها الطبقة العاملة ونقاباتها. لقد كانت هذه الفترة تجربة جديدة وحريّة بالتقدير بالنسبة للحركة النقابية العمالية في العراق، زودت العمال بدروس ثمينة في مسألة التحالفات الطبقية والجبهة الوطنية، كما اغنت من وعيها السياسي كثيرا. وستظل هذه الفترة من الحركة النقابية حلقة مضيئة في مسار الحركة العمالية باعتبارها التجربة الاولى في العمل النقابي العلني الواسع في عهد الاستقلال.

وعلى الصعيد العربي، واصل الاتحاد العام لنقابات العمال، نشاطه، ومتن علاقاته، بالعديد من الاتحادات والمنظمات النقابية على امتداد الوطن العربي، ساعياً إلى تخليص الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، آنذاك، من سيطرة فئة الارستقراطية النقابية على قيادته، والعمل الجاد لتعزيزه وتوطيده، وتطويره، ليكون قادرا حقاً على تبوء مسؤولياته الجسام.

ولعبت الحركة النقابية العراقية بقيادة اتحادها العام دورا كبيرا في الدفاع عن مكتسبات الثورة والدفاع عن الجمهورية الفتية وحققت انجازات كبيرة للطبقة العاملة وكذلك الحقوق القومية للشعب الكردي وعن حقوق الاقليات وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته على ارضه.

وانغمر العمال في النشاط النقابي وانتسب إلى النقابات عشرات الآلاف منهم. فاستطاعت الحياة النقابية الحرة، استقطاب كافة القوى النقابية المخلصة واستثمار جميع الكفاءات التي تمتلكها الكوادر النقابية ذات التجربة القديمة مع الطاقات الشابة الجديدة، لإرساء المنظمات النقابية على اساس مبادئ الديمقراطية النقابية والسير حثيثا وفق نهج طبقي ثوري ثابت، دفاعا عن مصالح الطبقة العاملة، ودعما للثورة والعمل الجاد لتطويرها صوب تحقيق مصالح الشعب الوطنية الديمقراطية.

ويمكن تلخيص أبرز المظاهر السياسية التي اتخذها المؤتمر العام لنقابات العمال بما يلي:

  1. إن المصالح الطبقية للعمال جزء لا يتجزأ من المصلحة الوطنية.

  2. أن النظام الاستعماري هو العدو الرئيسي للطبقة العاملة العراقية والشعب العراقي.

  3. إن تحالف العمال مع الفلاحين والكسبة هو الضمانة الرئيسية للتقدم الاجتماعي والديمقراطي.

  4. الدعوة إلى تصفية بقايا الاستعمار والتضامن مع القوى الوطنية العربية، ومن أجل الدفاع عن حقوقهم وحياتهم النقابية.

  5. المطالبة بقبول الصين الشعبية عضو في هيئة الامم المتحدة.

  6. إرسال رسالة تحية إلى العمال العرب وكافة الاتحادات العمالية في الاقطار العربية.

7.الدعوة إلى مضاعفة نضال الاتحاد القومي والوطني ضد الاستعمار والرجعية البغيضة ومؤامراتها.

ومن أهم نتائج المؤتمر نذكر:

- اعتبار الأول من آيار عيد العمال، عطلة رسمية يحتفل فيها العمال.

- أصبح الاتحاد العام لنقابات العمال عضواً في الاتحاد العالمي لنقابات العمال، إضافة إلى اشتراكه في -اجتماعات ومؤتمرات الاتحاد العالمي للنقابات.

- كما قدم الاتحاد العام لنقابات العمال، مسودتي قانون العمل وقانون تقاعد العمال. وحق النقابات في الصناعة الواحدة او المتشابهة او المتصلة من حيث الانتاج في تكوين اتحاد مهني واحد.

ويستشهد النقابي المعروف الفلاحي، بأن أهم واجبات العمال الشيوعيين حشد أكبر عدد من العمال في التجمعات وتنشيطها لخلق حركة نقابية فعالة تنهض بجماهير العمال وتدفع النقابات إلى العمل الجاد لمصلحة العمال وعزل الهيئات والعناصر الهزيلة التي لا تشعر بمسؤولياتها تجاه جماهير العمال واتجاه مهماتها النقابية الحقيقة.

وهكذا ومن خلال الدعم الكبير الذي قدمه الحزب الشيوعي العراقي إلى نشاطات وفعاليات الاتحاد والنقابات بصورة عامة، اصبحت الطبقة العاملة صاحبة التغيير والتأثير ونمت في الحجم والتأثير والفاعلية، وصار هناك ما يقارب الربع مليون عضو نقابي، وتنامي الوعي الطبقي والمهني. وقد وضع هذا التطور الطبقة العاملة العراقية وحزبها الشيوعي على اعتاب مرحلة جديدة من المواجهة مع البرجوازية وبالذات مع أشد اجنحتها يمينية ورجعية، وهي مرحلة تمتد جذورها إلى البدايات الاولى من الصراع.

ــــــــــــــــــــــــ

المصادر

*في المؤتمر الاول الذي عقد في 9 شباط 1960 في قاعة الشعب في بغداد انتخب علي شكر الرئيس وحسين علوان نائبا وارا خاجادور سكرتيرا للاتحاد- والاعضاء ،صادق الفلاحي للعلاقات عبد القادر عياش وكاظم الدجيلي وحكمت كوتاني وطه فائق وكليبان صالح وعبد اللطيف بسيم (اخ زكي بسيم الذي اعدم مع سكرتير الحزب الشيوعي في 14 شباط 1949) اضافة الى محمد غضبان وجاسم يحيى وبعد يومين صدرت مجموعة من القرارات عن المؤتمرمنها تعديل قانون العمل في الجمهورية العراقية وتوسيع وتعميم الضمان الجماعي لكافة عمال العراق

-طالب عبد الجبار ربع قرن من تاريخ الحركة النقابية العمالية في العراق 1960*

-مناف جاسب الخزاعي سيرة الدم والرصاص الصراع البعثي الشيوعي في العراق 1947 -1968 دار سطور 2022*

-ابراهيم حسين لمحات من تاريخ الحركة النقابية العراقية سنة بلا مصدر سابق ص 35*

 -صادق جعفر الفلاحي وقائع سنوات الجمر دار الرافدين للطباعة بيروت 2015 ص 110*

عرض مقالات: