اخر الاخبار

أولت الاحزاب والتنظيمات السياسية في مختلف دول العالم أهمية خاصة للعمل الطلابي، قناعة منها بقدرة الطلبة غير المحدودة على المساهمة الفاعلة في صنع عملية التغيير، وهناك تجارب وشواهد عديدة يمكن من خلالها الاستدلال على ثقل هذه الشريحة المهمة.

والعراق لم يكن بمعزل عن هذه الحركات، وكان في بعض السنوات في مقدمتها، فقد مرت خلال كانون الثاني الماضي الذكرى الخامسة والسبعون لوثبة كانون الثاني حين أجبر المتظاهرون وفي مقدمتهم الطلبة أبان العهد الملكي حكومة صالح جبر على التراجع عن توقيع معاهدة بورتسموث والاستقالة في وقت لاحق بعد تظاهرات كبيرة شارك فيها خيرة أبناء العراق.

ومن نتاج هذه الحركة إقدام عدد من رواد الحركة الوطنية والمناضلين على تأسيس اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق في الرابع عشر من نيسان 1948، الذي بقي مثل ما أريد له ممثلا شرعيا وحقيقيا عن الطلبة رغم عنف “الدكتاتورية” والحكومات الرجعية وتضييق “الديمقراطية”.

ونحن نحتفل بالذكرى الـ٧٥ لتأسيس أول منظمة طلابية مهنية عراقية، لا بد من قراءة الواقع الطلابي الحالي وبحث سبل نجاح عمل الاتحادات الطلابية في ظل عدم قانونية عملها داخل الجامعات وفقا لقرار مجلس الوزراء الذي حرم الطلبة من حقهم القانوني في انتخاب ممثليهم وحضور مجالس الجامعات والكليات.

إن الظروف الموضوعية وتطور التكنلوجيا واستشراء الزبائنية بين فئات عديدة من المجتمع والمنظومة الحاكمة، جعل من عملية اعتماد الطرق الكلاسيكية في جذب الطلبة للتنظيمات الطلابية أمرا صعبا للمنظمات وقد يبدو غير مجدً في ظل وجود منظومة سياسية شوهت العمل الطلابي المهني والنقابي والسياسي من خلال الاعتماد على أساليب غير مشروعة في تحقيق أهدافها.

في ظل ما تقدم يبقى السؤال الأهم هو هل هناك حاجة لوجود الاتحادات الطلابية، خاصة مع رفض الأحزاب الحاكمة تشريع قانون للاتحاد الطلابية وإعادة العمل القانوني لها داخل الجامعات؟ وهل بالإمكان الاستغناء عن دور الاتحادات الطلابية داخل الجامعات والاكتفاء بالدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني؟

وللإجابة على هذين السؤالين، علينا فهم الطريقة التي يفكر فيها صانع القرار العراقي المتنفذ، فمنذ عام 1991 مرت العملية التربوية والتعليمية بانحدار مستمر نتيجة لهجرة الكفاءات العلمية بعد حرب الخليج الأولى، وما تلاها من فترة الحصار وصولا إلى احتلال العراق في عام 2003، حيث حاولت القوى المتنفذة فرض أجنداتها على الجامعات والمضي في اتجاه فصلها عن المجتمع في تجربة قد تكون انفردت بها المنظومة الحاكمة في بلادنا عن باقي دول الدول الديمقراطية او الدكتاتورية.

وتناس القائمون على القطاع التعليمي أن مهمة الجامعات لا تقتصر على التعليم مثل ما يروج له وزراء التعليم في الحكومات المتعاقبة، انما لها مهمات لا تقل أهمية عن التعليم، ربما أهمها هي عملية بناء شخصية الانسان وتأهيله ليكون عنصرا فاعلا في المجتمع، هذا ما عجزت عنه جامعاتنا، وبدل الاستفادة من الطاقة البشرية للطلبة حولتهم إلى مجاميع باحثة عن التعيين في تكريس لنهج الزبائنية الذي يكرس عمليا وجود أحزاب الفساد.

بعد فهم طريقة التفكير، وتجاوز مرحلة الاحتلال مع خروج القوات الغازية من العراق وخلو الساحة امام الأحزاب المتنفذة بدأت تظهر بوادر الامتعاض والاعتراض في أوساط شعبية، ولم يكن الطلبة في معزل من هذا الحراك خاصة بعد عام 2013، الذي يعتبر بداية لنشاط الحركة الاحتجاجية الطلابية بعد الاحتلال، “رغم وجود احتجاجات طلابية قبل هذا التاريخ”، التي امتدت من الفترة المذكورة لغاية الاضراب الطلابي في عام 2019، ورفعت طيلة سنوات من وتيرة وزخم حراكها المتفرق الذي وصل إلى أوج مراحله بين عامي 2016ـ 2017 في داخل الجامعات اذا ما تم  استثناء الاضراب الطلابي في عام ٢٠١٩ على اعتباره حالة خاصة ضمن جو شعبي عام ناقم على الأوضاع.

وعليه فأن عملية منع الاتحادات الطلابية من العمل داخل الجامعات هو اعتراف صريح بدور الاتحادات المؤثر في عملية تحشيد الطلبة للدفاع عن حقوقهم، وفسح المجال أمام منظمات المجتمع المدني للدخول إلى الجامعات على اعتبارها بديلا حديثا عن الاتحادات هي محاولة يائسة لتغييب صوت الطلبة وحرمانهم من التفاوض الجماعي الذي هو حق مكتسب للاتحادات.

وتصر القوى المتنفذة في بعض ممارساتها على حرف جوهر الصراع الدائر في المجتمع من خلال الإصرار على إهمال الجامعات الحكومية وعدم تطويرها وفتح أقسام جديدة فيها والتوسع في اتجاه التعليم الخاص في منهجية واضحة لتقليص التعليم الحكومي والذي بدأ منذ عام 2017 حين اعتمد التعليم الموازي.

في ضوء ما تقدم، فأن على الاتحادات الطلابية المنبثقة من الحاجة الموضوعية والمدافعة حقا قولا وفعلا عن حقوق الطلبة تطوير أساليب عملها لمواكبة العصر الحالي ومراجعة آلياتها التنظيمية وفق متطلبات المرحلة الحالية.

ونختم بالقول إن العمل الطلابي متحرك غير ثابت ومن الممكن أن تمر الحركة الطلابية بمراحل من الفتور خاصة بعد الأحداث العاصفة التي مر بها العراق، وهنا على كل العاملين في الاتحادات والمدافعين عن الحقوق المشروعة للطلبة أن لا يصيبهم اليأس، فأن مواصلة العمل وحمل راية الكفاح المهني الديمقراطي وشعلة الوطنية لا يقدر عليها إلا من وهب نفسه دفاعا عن هذا البلد، أما ما يظهر بهرجة زائفة فأنها زائلة مع مرور الزمن.

عرض مقالات: