اخر الاخبار

ثمة اسباب كثيرة حالت دون  بناء نظام ديمقراطي فيدرالي حقيقي في العراق بعد التغيير (والسقوط والاحتلال) العام 2003 وهي تتوزع على 1- مسببون (جهات مختلفة) و2- تشوهات في النظر إلى ماهية وتطبيقات الديمقراطية والفيدرالية.

أما المسببون فيمكن تأشير معسكرين منهم، الأول، المحتلون الذين اتضح أنهم لا يحملون مشروعا سياسيا ذا مضامين ديمقراطية لدولة ما بعد الدكتاتورية، وقد اختزلوا البديل السياسي للنظام السابق في صفقة التمثيل الثلاثي  للطائفتين الشيعية والسنية والكرد فيما احتكرت أحزاب سياسية هذا التمثيل، وانتهى الأمر إلى نظام المحاصصة اللاديمقراطي، فيما المعسكر الثاني يتمثل في الجماعات السياسية التي استلمت السلطة، ولم تكن تعرف (وتطبق) من الديمقراطية غير الانتخابات، ومن الفيدرالية غير وزارات في الحكومة الاتحادية يديرها الحزبان الكرديان الرئيسيان.

وينبغي ان نتوقف مليا عند (علّة) المفهوم المشوه للديمقراطية الذي تمسكت به أحزاب المحاصصة كونها (انتخابات تسفر عن أغلبية شيعية حاكمة واقلية معارضة) والذي جرّ إلى مفهوم أكثر تشوهاً للفيدرالية كونها تمثيل للكرد في الحكومة المركزية، ولا شيء غير ذلك، فان هذه التشوهات التي قبلها وكرسها المحتلون، وسوقها الإعلام الرسمي والفئوي على نطاق واسع أدت إلى عملية تجهيل منهجية في الوسط الشعبي حيث استسلمت شرائح وفئات شعبية إلى وعي مسطح للديمقراطية والفيدرالية، وتعايشت مع الانتهاكات اليومية الفضّة لأبسط مبادي النظام الديمقراطي، وفي ظل هذا الوضع تمكنت أحزاب المحاصصة من تمرير قوانين تستهدف تكبيل الديمقراطية ومنع ممارستها عبر منظمات شعبية وأحزاب، وكل ذلك سهل لاستشراء الفساد السياسي حيث تولت الاحزاب الحاكمة نهب ثروة البلاد وقامت بعملية تدوير للأموال المنهوبة بتوظيفها في شراء الذمم والسلاح وبناء ماكنة الدعاية والتخويف وارهاب المجتمع من أجل ضمان الفوز بالانتخابات والظهور بمظهر حماة الديمقراطية.

اما الفيدرالية فان العقدين من حكم أحزاب المحاصصة شهدا صراعا ضاريا حول مصالح ونفوذ الاحزاب، وصراعا موازيا بين حكومة المركز والاقليم ولم تكن هناك وثيقة تفصيلية عن ماهية الدولة الفيدرالية، في حين يتوزع المدافعون عن الحكم الفيدرالي بين مفاهيم كثيرة، متناقضة ومشوهة، لتطبيقاتها على الارض، وفي النتيجة بدا لأي باحث بأن إمكانية إقامة نظام الفيدرالية الحقيقي البديل عن حكم الدكتاتورية، حيث يتمتع الشعب الكردي بحقوقه القومية والمعيشية الكريمة أصبحت أبعد مما كانت عليه قبل عشرين عاما.

عرض مقالات: