اخر الاخبار

بغض النظر عن أية عوامل، فإن التأخر في إعداد قانون الموازنة والمصادقة عليه لأشهر عديدة، يعد مرضا مزمنا ابتلى به العراق في ظل حكومات ما بعد الاحتلال، وأننا لسنا في موضع النقد ولكن في موضع التذكير،  إن المراد من الموازنة هو الوقوف على الإيرادات والمصروفات السنوية وتبويب كل منها والوقوف أيضا على الحسابات الختامية للسنة المنصرمة لمعرفة المنفذ والمتبقي والعمل على تصفير السلف وتسكين الأرصدة والموجودات في الصناديق والمصارف والمخازن والورش وجعلها مستقرة (خاضعة للجرد السنوي) كما في 31 من كانون الأول من كل عام،  وإجراء المطابقة وفقا لمعايير ديوان الرقابة المالية أو مسلمات المحاسبة القانونية.

إن الموازنة للعام 2023 يصعب عدها أساسا للعمل، لعامي 2024 2025، نظرا لصعوبة الوضع الداخلي ولعدم إمكانية التنبؤ بمخرجات العلاقات الدولية، لأنها باتت علاقات دائبة الحركة وذات توتر مستمر وبأنانية مطلقة تخيم عليها أجواء الحروب. ولا يمكن عندها اعتماد سعر برميل النفط بمتوسط 70 دولار. كما وأن الموازنة تصدم المواطن وهي تعتمد معدل التصدير عند حدود 3،5 مليون برميل يوميا بما فيها 400 ألف برميل من مخرجات إقليم كردستان، والكل يعلم أن معدل التصدير للأعوام السابقة كان بحدود 4 ملايين برميل يوميا. وأن الإقليم لم يلتزم بكمية 250 ألف برميل يوميا المتفق عليها عند إعداد كل موازنة وبداية كل عام مالي. كما وان هناك مبيعات خارج العدادات الرسمية للخام العراقي تقدر بالمليارات من الدولارات وأنها مجهولة المصير سواء أكان ذلك في ظل المركز أو الإقليم. 

أن تقدير النفقات العامة وفي حدود 197 تريليون دينار هو تقدير مبالغ فيه يتيح للفساد فضاءات رحبة سيما أن المدة بعد المصادقة البرلمانية لا تتجاوز ثمانية شهور، وأن المواطن العراقي وفقا لعلم الاقتصاد السياسي لا يتفاءل بالموازنة الاستثمارية البالغة 47 تريليون دينار. بل ذهب البعض إلى المطالبة بعدم تخصيص أي مبلغ للمشاريع لأنها جميعا مشاريع وهمية أكلت كل موازنات الأعوام السابقة، وأن الموازنات التشغيلية هي الأخرى موازنات آلاف الدرجات الوهمية والرواتب المتكررة أو الرواتب المزدوجة أو رواتب المسؤولين العالية أو مخصصات المنصب البالية أو استحداث الدرجات لأسباب سياسية لا علاقة لها بالعلوم الإدارية. وأن الموازنة التشغيلية أكثر من ثلاثة أمثال الموازنة الاستثمارية، هل هذه موازنة بلد يسعى للتنمية المستدامة، أنها موازنات الفساد الانشطارية المولدة لطاقة استجداء القروض وربط العراق بشروط البنوك الدولية. وأن العجز البالغ 63 تريليون دينار هو عجز مفتعل، إذا ما علمنا أن بإمكان أي حكومة إذا ضبطت ايقاع الواردات (عن طريق المحاربة الحقيقية للفساد) أن تحصل على ما يقارب ال 43 تريليون دينار لا كما ورد في قانون الموازنة 17،3 تريليون دينار، وذلك عن طريق وضع أهداف لكل دائرة حكومية لها تماس بجباية الرسوم والضرائب والغرامات أو أي عائدات أخرى بما فيها المعونات والمساعدات الدولية. وحسب ما ورد في مقال لنا في صحيفة طريق الشعب العدد 28 الخميس 3 كانون الاول عام 2020. تحت عنوان (عن واردات دوائر الدولة) وتحت شعار من المعيب أن يتحول المنتجون في جميلة الصناعية سابقا إلى عتالين للبضائع المستوردة، وان تغدو مصانعنا مستودعات للسلع الأجنبية، وهو مقال يقع في صفحة ونصف الصفحة من صفحات الجريدة الغراء، مفصل بالأرقام حسب كل دائرة وحسب كل اختصاص والتقدير المتوسط لكل هدف من أهداف الاستحصال، يمكن الرجوع إليه وجعله قاعدة بيانات أولية لكل هدف من أهداف الديون الحكومية.

لقد أشار قانون الموازنة إلى وجود عجز يقدر ب 63 تريليون دينار، وأنه سيغطى من المتبقي من الموازنة السابقة ومصادر تمويل أخرى، المهم عندنا عدم اللجوء إلى الاقتراض تلك الآفة التي أتت على لب الموازنات السنوية لأن خدمات الديون (مزرف كما يقول المثل العراقي) لا ينضب منه المسال ما دام الدين قيد التسديد.

إن  المواطن يتابع جهود السيد السوداني في تحسين الوضع المعيشي للفئات الفقيرة والمحرومة ولكن بالتشغيل لا بالمساعدات لأن العمل أساس القيمة وأن الإيمان بهذه المقولة كان سيدفع بمن وضع الموازنة التركيز على الإنتاج في القطاع الخاص عن طريق الحمائية التجارية واعادة تنشيط القطاع العام بالتنسيق مع النقابات العمالية، وان تسخر ابواب الموازنة لإنتاج الخيرات لا استهلاك المستوردات، وان نغادر مزاد العملة وتصغير الدينار، وجعل سعر الدينار الواحد دولارا واحدا، وحسبما نشرنا في الصحف المحلية وكفى البنك المركزي إهانة الدينار لأنه هو  وحده ،  وحدة الموازنات لا الدولار .. وما على الضمير إلا شدة الاستشعار..