اخر الاخبار

” ان مفهوم الطبقة لم تبتدعه الماركسية، فقد أصبح متداولا منذ ان ظهر القانون الروماني”. وكما قال ماركس نفسه ” لا فضل يرجع لي قي اكتشاف وجود الطبقات في المجتمع، ولا في وجود الصراع بينها ، فقبلي بزمن طويل وصف المؤرخون البرجوازيون التطور التاريخي للصراع بين الطبقات ” وبالرغم من ذلك فان تعريفها يعتبر إشكالية كبرى، ، اذ ذكر معجم الماركسية النقدي انه ” هل يعقل ان يحبر ماركس 2500 صفحة عن صراع الطبقات بدون ان ينبس ببنت شفة حول تعريف الطبقة ويبدو ان هذا الاستغراب منطقي ولكن تطور هذا المفهوم المتسارع والمتنوع والمتحرك تبعا للتطورات الاقتصادية والاجتماعية دوما ، يجعل حذر ماركس منطقيا جدا ولا يدعو للغرابة، والمفكر الوحيد الذي وضع تعريفا شاملا للطبقة ، و يكاد يكون عرضا و شرحا اكثرمنه تعريفا ، هو لينين حيث قال ” الطبقات هي جماعات واسعة من الناس ، تمتاز بالمكان الذي تشغله في نظام الإنتاج الاجتماعي، محدد تاريخيا بوسائل الإنتاج ، وبدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل” و اصبح شائعا في الادب الماركسي منذ بداياته عبارات ” اقلية تملك وسائل الإنتاج واكثرية تبيع قوة العمل ” و ” كلما تطورت الراسمالية وخصوصا في مرحلة الامبريالية ازدادت القلة غنى وازدادت الأكثرية فقرا” ولا ادري اذا كان لينين يعني باتساع الطبقة البرجوازية النسبي او شيء اخر . فتعريف لينين مترابط اذ ان تجزئته بانتقائية تؤدي إلى تشويهه، فالاتساع الكمي هو أحد المعايير في التعريف، لان هناك فئات أوسع عددا من الطبقة العاملة والبرجوازية لكنها لا تتمتع وبطرق الحصول على الثروات الاجتماعية، وبمقدار حصتها من هذه الثروات” وذكر أحد الباحثين ان لينين في تعريفه أغفل الحديث عن الوعي، وما جلب انتباهي في هذا التعريف أيضا هو عبارة (جماعات واسعة)، اذ بمواصفات الطبقة. على العكس من بعض الاراء فانني وجدت تعريف لينين هو المعين الأفضل على الأقل في تحديد الطبقات الرئيسية التي يحتويها الصراع التناحري والطبقات والفئات التي تقف على حافتي ذلك الصراع.

مفهوم” الطبقة الوسطى”

يتداول الكثير من الباحثين” مفهوم الطبقة الوسطى” وكأنه مفهوم محدد وواضح المعالم، بيد انه يتقاطع تماما مع التحليل العلمي للوحة الاجتماعية، لان بعض الباحثين اعتمدوا معيارين بعيدين في التحليل العلمي للظاهرة الاجتماعية:

 فالمعيار الأول استند إلى مقياس الدخل لتحديد مفهوم” الطبقة الوسطى”، ولا جدال في ان مقياس الموقع في العلاقات الاجتماعية مثير للجدل وغامض تاريخيا” اذ يوحي بوجود طبقة وسطى بين الفقراء والاغنياء، بين طبقة غنية وأخرى فقيرة وهي تقع بينهما، وواضح ان مفهومي” الفقر” و”الغنى” مفهومان عائمان يختلفان باختلاف الزمان والمكان وليست هناك معايير دقيقة لتحديد كل منهما. ولو طبقنا المعايير التي حددها الباحثون للطبقة الوسطة على اللوحة الاجتماعية في العراق بعد وقبل عام 2003 لوجدناه فضاءً مفتوحا يضم البرجوازية المحلية وشريحة الفلاحين الغنية والمتوسطة والتجار والضباط وقسما من الانتليجينسيا” المثقفين”، وهم فئات وشرائح لا يجمع بينهم جامع ولا يمكن وضعهم تحت مفوم طبقة واحدة لاختلاف المصالح والاهداف.

والمعيار الثاني هو مقياس التعليم فاعتبر بعض الباحثين المتعلمين” الانتيليجينسيا” من مختلف المستويات هم الطبقة الوسطى، وهو مفهوم لا يقل ابتعادا عن التحليل العلمي من المفهوم الأول، فهم فئة قديمة ارتبط ظهورها بانفصال العمل الفكري عن العمل العضلي، وبعد ظهور الرأسمالية أصبحت الحاجة ماسة لهم، بسبب نمو الإنتاج والتبادل التجاري وازدياد دور النقود، وقسمهم غرامشي إلى مثقف عضوي ومثقف تقليدي. وفي بلدنا يكاد يجمع الباحثون على انهم فئة واسعة من المجتمع العراقي لعبت دورا رائدا ومميزا في حركة التنوير منذ تاسيس الدولة العراقية، وتعرضوا لسلسلة من عمليات القمع والتهميش خلال تعاقب الدكتاتوريات على الحكم، بلغت قمتها ايام الحصار خلال التسعينات من القرن الماضي. وبعد الاحتلال الامريكي لبلدنا انقسم المثقفون إلى ثلاث فئات؛ الفئة الاولى تلفعت برداء القوى السياسية المهيمنة سواء قوى الاسلام السياسي او بعض القوى” العلمانية”، وتحولت إلى سلاح ايديولوجي لتلك القوى، لتابيد سطوة تلك القوى المهيمنة على السلطة، والفئة الثانية تبنت مشروع اللبرالية الجديدة ودخلت في لعبة الفساد المالي والصفقات والتسلق إلى سلطة القرار من خلال مافيات راس المال المالي، وفئة ثالثة حافظت على دورها التنويري في ظل الاجواء القاتمة التي تخيم على بلدنا. وهكذا لا يمكن اعتبار التعليم مقياسا ومعيارا لتحديد معالم طبقة معينة فهو فضاء واسع يمكن ان تتحرك تحته لوحة طبقية ذات مصالح متقاطعة تماما أحيانا. هذه الفئة يكون موقعها عادة في البناء الفوقي، لانها تختص بالعمل الفكري اصلا، ما يجعل تاثيرها سلاحا ذا حدين، فقد انحازت غالبية هذه الفئة منذ بداية تأسيس الدولة العراقية إلى قضايا الشعب، ولعبت دورا اساسيا في رفع مستوى وعي المواطنين باتجاه معاداة الاستعمار ودافعة باتجاه الاستقلال والسيادة الحقيقيين، ولكنها تعرضت وما زالت لقمع وتطويق وتهميش مخطط من قبل اغلب الحكومات المتعاقبة، لغرض تحويلها إلى اداة بيد تلك الحكومات تستخدمها لحرف الصراع وتزييف الوعي. وهي في النهاية تنضوي تحت مفهوم فئة من فئات البرجوازية الصغيرة الواسعة في لوحتنا الاجتماعية.

* حول مفهوم الطبقة الوسطى انظر ايضاً

   الصفحة 10 - أفكار

عرض مقالات: