اخر الاخبار

تقف الأمية حاجزا منيعا بين العراق وبين تقدمه، وهي سلاح بات يحمله أصحاب الجهالة للفتك في عقول الشباب، وأصبحت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003 أداة ماضية في تدمير التعليم والقضاء على أسسه المتينة والتي كانت مضرب الأمثال حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي.

كتب الصحفي محمد علي، على موقع العربي، بتاريخ 20 كانون الثاني عام 2022 نقلا عن وكالة الأنباء العراقية تصريحا للأستاذ ناصر الكعبي عضو نقابة المعلمين، أن الأمم المتحدة أبلغت النقابة بوجود 12مليون أمي في العراق، في حين أن وزارة التربية تفصح عن وجود 5 ملايين شخص لا يجيدون القراءة والكتابة وان نسبة الأمية بين الإناث أكثر مما هي عليه بين الذكور. وأردف يقول إن لا توجد اي تخصيصات مالية لجهاز مكافحة الأمية.

أننا لا نود أن نكرر ما قيل في تقدم التعليم : وما أنجز من خطوات لمكافحة الأمية قبل العام 2003 ، ولكن نقول ما كان محسوبا على الاهتمام بالعملية التربوية تمثل في اعتراف الأمم المتحدة آنذاك من أن العراق يقف في مقدمة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مستوى التعليم ومحاربة الأمية ، وأننا اليوم نجد ما يشير إلى اتجاه معاد لهذه العملية من خلال تسييس التعليم أو في قلة التخصيصات، والأهم هو عدم اهتمام كل الحكومات المتعاقبة بالتربية ولا حتى في التعليم العالي، وكان هناك نية مبية لإشاعة الجهل بين الناس، أو على الأقل ابعاد الأجيال عن التفكير بالعلم والمعرفة لا كما كانت عليه الحالة في العراق منذ أواسط القرن الماضي، حيث الاهتمام بالعلوم والمعارف وخاصة بعد قيام ثورة .14 تموز. وقيام هذه الثورة بالانفتاح العلمي والثقافي على الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية اضافة إلى إرسال البعثات إلى كافة دول العالم الاخرى، وكانت اعوام الستينات والسبعينات والثمانينات تشهد عودة الآلاف من الكفاءات العلمية التي كانت وراء ذلك المستوى العالي من التعليم ومحو الأمية الذي كانت تهدف إليه تلك الثورة المجيدة.

أن من أسباب انتشار الأمية هو عدم ايمان من تولى السلطة بعد الاحتلال بأهمية التعليم ومكافحة الأمية، ودليلنا على ذلك أن المحاصصة كانت وراء تسييس التعليم، وتعيين وزراء للتربية من الحزبيين وربما ممن لم يكن له مؤهل جامعي أو من حملة شهادة مزورة، كما وان الحكومات كانت ولا زالت تخصص للرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة أكثر مما يخصص للعملية التربوية، ودليلنا على ذلك أن مدارسنا هي أبنية طاردة للطلاب، وهي تعد من أوائل عوامل التسرب، وقد وصلت نسبة التسرب في البصرة في بعض السنين إلى 40 بالمئة، فكثير من المدارس هي مدارس طينية آيلة للسقوط والأرض هي بمثابة مقاعد لدراسة الاطفال أو كبار محو الامية ناهيكم عن بعد المدارس عن أهدافها من الطلبة أو الساعين للتعلم من الكبار، كما وان الفساد المستشري في وزارة التربية من إعادة تكرار طبع المناهج للاستفادة من العقود مرورا بالتأثيث وصولا إلى استيراد البسكت المنتهي الصلاحية الذي تم توزيعه على التلاميذ، وغيرها من أساليب الفساد المنتشر في كل دوائر الدولة، كما أن المعلم اليوم لم يعد قدوة للطالب في علمه وهندامه وسلوكه، بل صار البعض يتلاعب بالدرجة لقاء كارت موبايل، او يساعد لأغراض مادية في انتشار ظاهرة الغش وتسريب الاسئلة، أو أنه لم يعد يبذل ذات المجهود الذي كان يبذله علينا معلمونا ومدرسونا والسبب أن معلمنا ومدرسنا بالأمس كان كل منهم معبأ بالوطنية والحرص والمسؤولية المهنية. وكانت كليات التربية ومعاهد المعلمين تعلم المدرس والمعلم الاخلاص قبل مادة المنهج اليومية.

إن التعليم والتربية ومكافحة الامية في العراق أصاب جسد كل منها الوهن أسوة ببقية قطاعات الدولة والمطلوب من دعاة التغيير البدء من التربية، كما بدأت سنغافورة، إذ قال رئيسها أنني لم أعمل شيئا كل ما قمت به أني نقلت المعلم من أدنى مرتبة اجتماعية إلى أعلى مرتبة، وللمعلم يعود الفضل في بناء سنغافورة الجديدة بعد أن كانت تسمى بركة البعوض. إن الأمية آفة يهواها من يريد أن يظل المجتمع بلا عقول تقوده نحو المستقبل المجهول، وهم اليوم أمام كل علامات الاستفهام عما آل اليه العراق لا بل والتعليم والإشارة منا تكفي كل حليم.