اخر الاخبار

إن تبني سياسة اقتصاد السوق الحر والخضوع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية من قبل القوى السياسية المتنفذة الحاكمة، باعتماد سياسة الخصخصة والهيكلة والتكيف الاقتصادي، أدت إلى فتح الباب على مصراعيه لنهب بلادنا من قبل تحالف البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية المتحالفة مع الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسية.

لقد وضع اللبنات الاولى لهذه السياسة الحاكم المدني للاحتلال الامريكي الامبريالي بول بريمر وما قام به من إجراءات تسريع خصخصة قطاع الدولة والعمل على افلاس مؤسسات الدولة لاقتصادية والخدمية والتجارية وشل حركة القطاع الخاص لصالح النشاطات الطفيلية للبرجوازية الطفيلية والاولغارشية الناشئة بظل الاقتصاد الطفيلي الريعي الوحيد الجانب والذي تشجع على استمراره القوى الاقليمية والدولية ليكون العراق الحديقة الخلفية لاقتصادها.

لقد أدت سياسة تعطيل دور الدولة باعتبارها أكبر رأسمال ناظم لعملية توازن السوق للعلاقة بين العمل والرأسمال  إلى فوضى عارمة في  مختلف جوانب الحياة وتركت آثارها الكارثية على  ارتفاع نسبة التضخم والبطالة والعجز المتواصل في ميزانية  الدولة العامة وسوء التخطيط الاقتصادي وانسداد افق التطور وتحقيق التنمية المادية والبشرية، ولم تأت الورقة البيضاء التي طرحها  الكاظمي بجديد بل هي استمرار لتسريع الخصخصة و تشجيع الفوضى الاقتصادية وتحميل الاقتصاد العراقي اعباء جديدة، ولم تكن الورقة البيضاء إلا تجسيد لرؤية اللبرالية الجديدة ومفاهيمها.

إن الورقة البيضاء ومجمل سياسة السوق تضعنا أمام التساؤل التالي: هل أوصلنا خيار اقتصاد السوق الحر إلى الطريق المسدود!؟ ذلك الخيار الصعب والذي يتطلب منا قراءة متفحصة لطبيعة تطور مجتمعنا العراقي، قبل ان نجيب على هذا التساؤل الحارق!!

بعد أجابتنا بالإيجاب حول هذه السؤال، يطرح علينا تساؤل هام وهو أي اقتصاد نريد للخروج من الأزمة الشاملة؟

تناولت وثائق المؤتمر الحادي عشر الأزمة الاقتصادية في بلادنا وخلصت إلى رفض اقتصاد السوق الحر، الذي يطلق فيه العنان لآلة السوق العفوية الوحشية التي لا ترحم!؟ حيث الاستغلال والقهر والاستلاب لغالبية طبقات المجتمع بشكل عام وللكادحين والشغيلة بشكل خاص!؟

وجاء في برنامج الحزب الشيوعي العراقي الاشارة الواضحة لنهج اليبرالية الجديدة المدمر في بلادنا (أفضت توجهات نهج الليبرالية الجديدة التي تحكم عملية الانتقال والمتمثلة بإطلاق حركة  قوى السوق بصورة منفلتة وإزالة القيود والضوابط على التجارة الخارجية وانتقال رؤوس الأموال والسلع وتقليص دور الدولة في المجال الاقتصادي وخصخصة الشركات المملوكة للدولة  أو تعطيلهما أدى إلى انهيار الإنتاج الوطني في قطاعات الصناعة والزراعة وتشديد الطابع الريعي والتوزيعي والاستهلاكي للاقتصاد العراقي، فيما أدت دولة المحاصصة الزبائنية إلى نشوء فئات وشرائح اجتماعية مفرطة الثراء بالاستحواذ على الحصة الأكبر من الريع النفطي عبر الامتيازات الباذخة المقترنة بمواقع السلطة وعبر التخادمات مع بعض أقطاب القطاع الخاص المحلي والاجنبي ومنظومة الفساد التي استشرت في الدولة.

وفي محصلة هذه التطورات، تراكمت الثروة لدى فئات وشرائح اجتماعية ضيقة من مختلف الانتماءات قبضت على مفاتيح السلطات السياسية والاقتصادية وترتبط مصالحها بتطور سوق حر منفلت ورأسمالية متوحشة ريعية مندمجة بالسوق العالمية. )(1)

ويطرح خطابنا الفكري الراهن العديد من الاجابات التي تعلل برنامجنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي الهادف إلى القيام بالتغيير الشامل في إطار (مرحلة الثورة البرجوازية الوطنية) عبر الطريق الديمقراطي السلمي والتي عبرت عنه وثيقة قدما نحو التغيير الشامل بشكل مكثف من خلال تأكيدها عجز القوى المتنفذة من الخروج من الأزمة (تعاني البلاد من تداعيات الأزمة العامة وحالة الاستعصاء ومن عجز القوى المتنفذة عن إيجاد الحلول والمخارج لها. وتتكاثر كل يوم المشاكل مستعصية الحل في إطار منظومة الحكم الفاشلة، القائمة على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية والبناء المكوناتي للدولة.

وتدفع الأوضاع المتردية وانسداد آفاق تحسنها على يد منظومة المحاصصة والفساد الحاكمة، بمجاميع كبيرة من أبناء شعبنا، خصوصا من الشباب المهمش الباحث عن أبسط مقومات العيش الكريم، إلى رفض هذا الواقع بأشكال ووسائل متعددة، وإلى التحرك في اتجاه احداث التغيير المنشود) (2)

وتشكل خياراتنا الفكرية لاعتماد سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي مفتاحا لحل الأزمة الاقتصادية الشاملة التي تعاني منها بلادنا عبر أعطاء رأسمالية الدولة الدور الاساس في الاقتصاد (القطاع العام) بالتعاون مع القطاع المختلط والقطاع الخاص ووضع ضوابط للاستثمارات الاجنبية وانتهاج سياسة اقتصادية مبرمجة تنهي حالة الاقتصاد الريعي وتساهم في وضع أساسات أولية لبناء القطاعات الانتاجية من خلال تحريك عجلة الدورة الانتاجية للاقتصاد العراقي، ان هذه التصورات تنطلق من القراءة السليمة للأفكار الماركسية وليس ارتدادا عنها  كما يحاول البعض أن يصورها،  وهي تجاوز  لمفاهيم حرق المراحل، وأفكار طريق التطور اللارأسمالي ، ووهم بناء الاشتراكية في البلدان الطرفية  المتدنية التطور.

ولابد من التأكيد على أن خيارنا لاقتصاد السوق الاجتماعي يأتي منسجما مع توجهاتنا وبرنامجنا السياسي الاقتصادي الاجتماعي المرحلي، ولا يعني أنها مساومة مع الرأسمال والقبول بشروطه لتنظيم سوق العمل، بل هي سياسة واقعية نخوض فيها نضالا لا هوادة فيه من اجل مصالح الكادحين والشغيلة وبكافة الاشكال ومختلف الاساليب، ولا نرى في هذا النهج تعارضا مع النهج الماركسي.

ونحن ندرك تمام الادراك شرور الرأسمالية ووحشيتها، وأن تحقيق الاشتراكية الانسانية كهدف نهائي لابد من مقدمات له في إطار الرأسمالية وان تلك الافكار والتصورات طرحتها وثيقة قدما نحو التغيير بشكل مكثف، وسطرها برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي أقره المؤتمر الحادي عشر بالتفصيل والذي يعتبر خارطة طريق للخروج من الأزمة الشاملة بمختلف تجلياتها.

إن الحزب الشيوعي العراقي جسد في وثائق مؤتمره الحادي عشر الترابط الجدلي بين الاتجاهات الثلاثة لحل الأزمة الشاملة، في الجانب السياسي طرح برنامجا واضحا للتغيير السياسي من خلال بناء الدولة والنظام السياسي، حيث أكدت وثيقة البرنامج على أن تحقيق التغيير الشامل يمر عبر بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي يسودها سيادة القانون والفصل بين السلطات الثلاث وتفعيل مبدأ المواطنة أمام القانون في الحقوق والواجبات، لهذا يرى حزبنا أن  اعتماد سياسة  السوق الاجتماعي لايمكن ان يتحقق  من دون الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحقيقية، وأن خروج الاقتصاد العراقي من أزمة الركود والتضخم، يتطلب تطوير قطاعاته الاقتصادية (الزراعية والصناعية والنفطية) وبناء صناعة تحويلية قادرة على رفع مستوى النمو الاقتصادي وزيادة مستوى تراكم الثروة الاجتماعية، ولا يمكن ان يتم ذلك من خلال الورقة البيضاء التي تكرس الفوارق الاجتماعية وتساهم في تضخيم ثروة تحالف البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية على حساب المزيد من الإفقار للكادحين والشغيلة.

أن الورقة البيضاء لم تعالج فوضى النشاط الطفيلي المحموم في الاسواق الداخلية العراقية، والذي يتطلب تنظيم السوق الداخلية وحماية المنتجين والمستهلكين، وهذا الجانب غير ممكن في ظل استمرار فوضى السوق وفتح ابواب الاستيراد والتصدير من دون ضوابط وقوانين تحمي المنتج الوطني وتحد من تدهور القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والخدمية، بحيث اصبحت هذه القطاعات عاجزة عن منافسة نشاطات الرأسمال الاجنبي ومنافسة المنتج المستورد والبضائع الاجنبية المصنعة الموجودة في الاسواق المحلية.

كما أن هذه الورقة لم تطرح معالجة جدية للازمة الاقتصادية البنيوية الشاملة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي في ظل الانسداد السياسي وعدم الاستقرار والذي يعرقل دور الدولة للقيام بالنشاط الاساسي الذي يضمن تدخلها للحفاظ على التوازن الاجتماعي.

أن برنامج حزبنا للتغيير الشامل على العكس من الورقة البيضاء يطرح الشروط  الموضوعية الضرورية لتحقيق هذا التحول، عبر أعادة بناء  البنية التحتية للاقتصاد العراقي من  خلال تدخل البناء الفوقي الذي تمثله الدولة، و ضمان التدفقات المالية الهائلة لإعادة الاعمار واعتماد الميزانية التشغيلية وتوظيف أموال الريع النفطي لتحقيق برامج التنمية وتوظيف الثروات الاجتماعية والمادية بشكل مبرمج، والتدخل لخلق التوازن بين القطاعين العام والخاص، وإعادة التوزيع العادل للدخل والثروة الاجتماعية، وهذه السياسة تتقاطع مع سياسة  الليبرالية الجديدة الرامية إلى استمرار عملية الخصخصة والتكيف الهيكلي للاقتصاد العراقي .

إن الورقة البيضاء ستؤدي إلى المزيد من تحرير الاسعار من دون عملية اصلاح للأجور في ظل اقتصاد وطني يعاني من التضخم النقدي المزمن، مع استمرار عدم استقرار الانظمة المالية والائتمانية وعرقلة انسيابية الدورة النقدية عبر مزادات سوق العملة، وعدم وجود تخصيصات في الموازنة العامة للتخطيط الاستراتيجي لبرامج التنمية والتنمية المستدامة.

لقد وضع المؤتمر الحادي عشر على عاتق  الشيوعيين العراقيين  مهام جسيمة لمواجهة هذه السياسة من خلال  نشاطات وفعاليات الكتل الاجتماعية و التجمعات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات،  والسعي لإيجاد الجسور وبناء التحالفات السياسية والاجتماعية مع القوى المدنية الديمقراطية  لخلق تحالفات واسعة مناهضة لهذه السياسة والحفاظ  المكتسبات المتحققة على مختلف الأصعدة،  والعمل على تحقيق المزيد من المكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصعيد النشاطات المطلبية والقطاعية وتفعيل الحراك الاجتماعي الجماهيري وترجمة برنامجنا الاقتصادي إلى شعارات سهلة وبسيطة قادرة على تحشيد جمهرة واسعة من الشغيلة والكادحين خلفها، لخلق حركة احتجاجات اجتماعية واسعة لمواجهة الاثار السلبية لسياسة اللبرالية الجديدة بمختلف اوجهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- برنامج الحزب الشيوعي العراقي - وثائق المؤتمر 11

2- وثيقة قدما نحو التغيير الشامل - وثائق المؤتمر 11

عرض مقالات: