اخر الاخبار

تبدو العلاقة بين السلطة والمواطن في مجتمعاتنا عموماً شائكة، يتخللها التعقيد والتشابك أحياناً، وضعف الثقة من قبل الطرف الثاني بالأول.

والحديث عن ضعف الثقة يدعونا إلى القول:

1ـ أن الحديث حول العلاقة بين السلطة والمواطن يجري في ظل ضعف التقاليد الديمقراطية في ادارة شؤون الدولة عموماً، فهناك أرث ثقيل من الممارسات البيروقراطية والقسرية البعيدة عن العمل المؤسساتي بسبب سلوك الحكومات التي حكمت العراق، والنظام الاداري المعمول والمبني على الأوامرية والمركزية المفرطة، وحجب المعلومات عن المواطن، وفقدان آليات الرقابة الجماهيرية. وهذا الإرث الكبير لا يمكن التخلي عنه بمجرد انبثاق السلطة الجديدة التي ستواجه في مثل هذه الحالة قوة العادة، وشبكة من الاداريين الذين يرون في التعاليم الادارية المعمولة بها، نمطاً من التقاليد الوظيفية المقدسة، التي لا يمكن ادارة الدولة ومرافقها بدونها.

2ـ إن التقاليد الديمقراطية في الحياة السياسية وفي المجتمع عموماً لم تترسخ بالشكل الذي يمكن في ظلها تجاوز مظاهر التحزب الضيق في التعامل السياسي العام، وفي شؤون الادارة. وقد انعكس الأمر في الفائض الوظيفي المعبر عن سيادة عقلية التحزب في توظيف الناس، مما خلق حالة من البطالة المقنعة التي نفكر اليوم في معالجتها.

3ـ لم تترسخ التقاليد الديمقراطية بأشكالها وتجلياتها المعاصرة في الحياة الحزبية، فلا تزال هناك النخبة السياسية التي تفكر بالنيابة عن عموم أعضاء الحزب. وقد تنعكس هذه الآلية في العلاقة الحزبية على المسائل المتعلقة بإدارة الدولة، اضافة إلى ظاهرة تأثير نفوذ الاجهزة الامنية التابعة لبعض الاحزاب على مفردات سير الحياة الحزبية.

4ـ عدم تبلور المؤسسات الدستورية على صعيد عموم العراق، ولم تترسخ المؤسسات في الإقليم الذي يشهد آثار ازدواجية الادارة. ولا شك بأن محدودية التحرك لتلافي الاخطاء المزمنة مع وجود مطالب مشروعة من قبل المواطن، خلقت حالة من الفجوة بين الجانبين حيث لم يجر تناول الأمور بشكل جلي مبني على اشراك المواطن لتشخيص الحالة على أسس الشفافية والعلنية.

5ـ ان سياسة الخصخصة المفرطة و توجهات الليبرالية الجديدة و تفشي مظاهر الفساد الاداري، والظواهر المتعلقة بالتلكؤ في دفع الرواتب، و ظاهرة الاثرياء الجدد من جهة، وبروز الفئات المهمشة التي تعاني من فقدان المستلزمات الضرورية اللائقة للعيش من الجهة الأخرى، من شأنه ايجاد شرخ واضح في العلاقة بين السلطة وبين المواطن.

المظاهر المعبرة عن حالة الخلل وعدم التوازن بين الحكومة ومن جهة والمواطن من جهة، تتطلب دراسة الظاهرة، ومعالجة الخلل.

لا تكمن أهمية معالجة الخلل، في ضرورة قيام الحكومة بمهماتها وواجبها من الناحية الوظيفية المجردة في التعامل مع وظائف الدولة. فالحالة الكوردستانية حالة نوعية خاصة تمزج بين مهام حكومية خاصة من الناحية الوظيفية كأي حكومة موجودة في هذا العالم، وكأي مجتمع يتكون من حكام ومحكومين، وبين مهام سياسية تتعلق بمهام الحركة التحررية الكوردستانية من جهة، وبمصير التجربة الكوردستانية في العملية السياسية العراقية، وهي ليست مهمة الحكومة وحدها، فهي مهمة جماهيرية من الطراز الأول، تعبر عنها حكومة الإقليم وبرلمانه وقواه السياسية بمظهرها الخارجي. وتتجلى أهميتها في ضرورة الاعتماد على العامل الداخلي لحماية مكاسب شعبنا وحقوقه القومية، وإعادة المناطق الكوردستانية خارج الإقليم، والاستفادة من العامل الخارجي، دون الارتهان عليه، أو وضع مصير ومستقبل القضية القومية في سلة استراتيجيات دولية خارجية تنبع اساساً من التعامل مع قضايانا من منطلق المصالح الحيوية لتلك القوى الدولية.

   تترتب على التعويل والاستناد على العامل الداخلي الذي نعني به ارادة جماهير شعبنا واستعدادهم النضالي للدفاع عن المكاسب المتحققة، استحقاقات على القيادة السياسية التي تقود الحكومة والبرلمان. وتتجلى هذه الاستحقاقات في اعادة النظر في تلك العلاقة الملتبسة نوعاً ما بين السلطة وبين المواطن، عبر التوجه إلى معالجة مكامن الخطأ في التفكير وفي الآليات، وبما يضمن أكبر مشاركة شعبية في القرار. وفي هذه النقطة ترتبط القضايا السياسية ومستقبل القضية القومية، بالقضايا الاجتماعية والمطالب اليومية التي لا بد من التعامل معها بعقلية جديدة.

وبهذا الصدد من شأن الآليات المطروحة أدناه أن تكون خطوة على بداية طريق متواصل ينبغي التعامل معه ضمن عملية التغيير الاجتماعي نحو الديمقراطية والتقدم الاجتماعي باعتبارها عملية ذات سيرورة تاريخية.

1ـ مراجعة الأداء الوظيفي داخل البرلمان من خلال الآليات التي تسهل أكبر وأوسع مناقشة لمشاريع القوانين المطروحة أمامها من قبل الجماهير ومنظمات المجتمع المدني، وقيام اللجان البرلمانية بعقد ندوات واجتماعات حول القضايا التي تخص مجال عملها.

2ـ تفعيل عمل منظمات المجتمع المدني، وعدم التدخل في شؤونها ونشاطاتها، والتعامل معها كمكونات مستقلة حقيقية عن السلطة السياسية.

3ـ الاهتمام بالفئات المهمشة، وتلبية حاجاتها وتوفير الخدمات لها بما يلائم العيش الكريم للمواطن وخاصة ما يتعلق بتأمين الرواتب وتقليل الرسوم و الضرائب على المواطنين، و توفير فرص العمل.

4ـ الاهتمام بالنساء والشبيبة وافساح المجال لهم في المراكز القيادية حسب معايير الكفاءة والنزاهة.

4ـ التعامل المفتوح المرن مع الإعلام وعدم حجب المعلومات.

5ـ التعامل بإيجابية مع النشاطات الجماهيرية كالإضرابات والمظاهرات، وعدم التعامل معها من منطلق أمني مجرد.

6ـ التأكيد على القيم الوطنية الكوردستانية من خلال مفهومي المواطنة وحقوق الأنسان وفي اطار الدستور.

7ـ السعي إلى اجراء تغيير نوعي في الحياة السياسية عبر السعي لتشكيل ولاءات حزبية مبنية على البرنامج السياسي، ومدى الالتزام به، وتجاوز العلاقات التقليدية في المجال السياسي حيث يلعب الولاء العائلي او العشائري أو المناطقي دوراً حاسماً فيها.

8ـ الفصل الواضح بين العمل الحزبي والعمل الحكومي.

9ـ مراجعة السياسة الاقتصادية وايقاف عمليات الخصخصة التي تؤدي إلى هدر الثروات الوطنية الكوردستانية.

ان الحكومة مدعوة إلى برنامج تنمية سياسية تؤسس لترسيخ الديمقراطية وتفعيل دور المواطن، عبر آليات واضحة ملزمة، كونها جزءاً من الالتزام الوظيفي للحكومة وللبرلمان أيضاً.

عرض مقالات: