اخر الاخبار

لخلق عالم جديد وانموذج (دولة مواطنة حاضنة للتنوع) تقوم على هوية تعددية ثرية وتنوع خلاق، قدم الكاتب سعد سلوم هذه الدراسة الساعية إلى تأسيس الوحدة في التنوع وقلب العلاقة بين المجتمع والدولة بحيث لا تهيمن الدولة على المجتمع منتجة دكتاتورية جديدة، ولا يعصف المجتمع بالدولة، منتجا فوضى شاملة في دراسة بسبعة فصول وثلاثة ملاحق، في 344 صفحة من القطع المتوسط عام 2015 عن مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية.

في المقدمة يوضح الكاتب أن حماية التنوع الإثني والديني واللغوي تقدم ضمانة للتعددية التي تشكل رأسمالا حضاريا لمجتمعاتنا الوطنية وعلى نحو تستطيع فيه شتى الجماعات أن تتعايش بثقة مع بعضها البعض معترفة بما هو موجود من قيمة في اختلافاتها وثراء في التنوع الثقافي لمجتمعاتها. وبعد انهيار أنموذج الدولة الوطنية في العالم العربي، وزيادة المخاوف بشكل واضح بسبب تلازم التحولات الجديدة بعد الربيع العربي وتسونامي داعش مع خطورة المنازعات ذات الطابع الديني والإثني والطائفي أكثر من اي وقت مضى، أعيد ترتيب العلاقة بين الأغلبية والأقليات والعلاقة بين الدولة والدين ومكانة المرأة ودور الشريعة وحقوق الأقليات على نحو قد يؤدي إلى انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان في أعقاب انهيار الأنموذج القديم لإدارة الدولة.

يتناول الكاتب مفهوم الأقليات وتميزه عما عداه من مفاهيم وهو ما يعكس جدلا دوليا في هذا السياق فضلا عن توضيح استعمال المفهوم الثقافي العربي، ولمزيد من الفائدة يقدم تصنيف الأقليات بناء على محددات وخصائص معينة ويقدم في عدد من المباحث والمطالب تعريفات الأقليات في السياق الثقافي العربي والجدل بشأن التعريف الانموذجي للأقليات والشعوب الأصلية والأجانب واللاجئين والمهاجرين ويقدم تصنيفا للأقليات بناء على محددات وخصائص (الأقلية الدينية. الأقلية اللغوية، الأقلية السلالية) ويشير إلى الأقلية المهيمنة التي غالبا تكون استثنائية عن أقليات تكون في وضع الهيمنة على الأغلبية لأسباب تاريخية أو بسبب امتلاكها القوة أو الثروة أو المعرفة فتتربع على قمة الهرم الاجتماعي، والأقلية غير المهيمنة وهو الوضع التقليدي للأقليات التي تجد ذاتها دوما في وضع غير مسيطر أو مهيمن وتتجمع لدى افرادها أشكال التهميش والإقصاء من جميع النواحي.

ويشرح الإطار القانوني الدولي لتعزيز التعددية وحماية التنوع من خلال المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعترف بأشكال من حقوق الأقليات كحق تقرير المصير في ميثاق الأمم المتحدة ولا تتضمن هذه الحقوق تفضيلا وتميزا لأفراد الأقليات على بقية أفراد المجتمع وهي ذات طبيعة ملزمة لكونها تستمد قوتها من المصادر القانونية الدولية المختلفة ولا تعارض بين حقوق الإنسان الفردية وحقوقه الجماعية إنما هي تشكل ارتقاءً من السياق الفردي إلى السياق الجماعي. ويتناول أيضا الحق في الوجود والهوية وعدم التمييز والحق في المشاركة في الحياة العامة وهذه جميعها تمثل الإطار القانوني لحقوق تسهم في تعزيز التعددية والتنوع.

وفي فصل لاحق وتحت عنوان حماية التنوع في الإطار الدولي للامم المتحدة يشير الكاتب إلى التلازم الواضح بين التحديات التي تواجه التنوع وتنامي دور الأمم المتحدة في حمايته لما لذلك من صلة بتحقيق الأمن والسلم الدوليين ونتيجة لذلك برز في السنوات الاخيرة اهتمام بالغ بالتصدي لمعالجة انتهاكات حقوق الأقليات في التنوع والاختلاف ويوضح أن هذه التطورات وصلت في مقاربة حقوق الأقليات نقطة نوعية عام 1992 عندما اعتمدت الجمعية العامة ( الإعلان الخاص بحقوق الاشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وأقليات دينية ولغوية ) وهو الإعلان الاول للامم المتحدة الذي يتصدى بشكل خاص لحقوق الأقليات في وثيقة أممية مستقلة . بعد ذلك شهدت الأمم المتحدة تطورات متسارعة باتجاه تعزيز حقوق الأقليات تمثلت في تأسيس الفريق العامل للأمم المتحدة المعني بالأقليات في 1995 وتعيين خبير مستقل يعني بشؤون الأقليات في العام 2005.

ولتوضيح حماية التنوع في ظل النظام الإقليمي لحقوق الإنسان يفسر الكاتب كيف قدمت بعض صكوك حقوق الإنسان الإقليمية الحماية للتنوع في ظل الأنظمة الإقليمية لحقوق الإنسان مثل النظام الأوربي والأمريكي والإفريقي لحماية حقوق الإنسان وقد خولت هذه الصكوك والاتفاقيات أجهزة الرقابة، مراقبة احترام حقوق الإنسان في الدول التي شملت بتنفيذها أو الالتزام بها. وبذلك اتسعت حقوق الأقليات وحماية حقها في التنوع والاختلاف لتشمل فضلا عن الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها، المنظمات الاقليمية ايضا. 

ويتطرق الكاتب إلى طبيعة التنوع في ظل (دولة المكونات) في العراق موضحا تنوع سكان العراق دينيا وعرقيا ولغويا في حين يختصر التنوع الرافديني في صورة بلد تتقاسمه الجماعات الثلاث الكبرى: الشيعة، والسنة والاكراد ويجري التركيز عليها وتتمتع بتمثيل سياسي واضح وتتصارع على السلطة عبر نخبها السياسية المختلفة وأن التعددية التي تنطوي عليها العراق لا تحظى بمعرفة كافية. كما تتعرض التعددية الثرة في البلاد إلى مخاطر الاضمحلال بسبب الهجرة المتواصلة التي تستنزف الوزن الديموغرافي للأقليات ومن ثم يؤثر ذلك في تمثيلها ووجودها في بلاد عاشت فيها لقرون. ناهيك عن تعرضها إلى مخاطر يومية من تمييز اجتماعي وتهميش سياسي واقتصادي وسائر مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان لذلك فإن تقويم الاعتراف الرسمي في الدستور بحقوق الأقليات وتمثيلها على مستوى الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي وحكومة اقليم كردستان ينبغي أن يخضع لتقويم وجودها في الواقع وتأثير هذا الاعتراف والحقوق في هذا الوجود أولا.

وفي مواجهة الاستهداف المستمر للتنوع في العراق منذ العام 2003 سادت ’ مقاربة امنية ’ ضيقة لمعالجة التحديات التي تواجه الأقليات وغالبا ما كانت هذه المقاربة مسؤولة عن إرجاء المطالبة بالحقوق الثقافية أو حرية الدين أو المعتقد أو المطالبات الخاصة بالاعتراف وتغيير المناهج الدراسية بدعوى أن الوقت غير مناسب وإننا إزاء تحد الحفاظ على الوجود الفيزيائي أولا. كانت من مخرجات المقاربة الأمنية تبني سياسات للحفاظ على حياة أفراد الأقليات وحماية أماكن العبادة بالحواجز الكونكريتية من هجمات السيارات المفخخة من دون التفكير أن هناك ضرورة للعمل من أجل إزالة الحواجز الثقافية بالقدر ذاته من الحماس لنصب الحواجز لحماية دور عبادة تخلو من المصلين. كما أن فلسفة النظام السياسي القائم على أنموذج دولة المكونات قائم على المحاصصة الطائفية يقسم ويتبنى سلما تراتبيا للجماعات التي يتكون منها المجتمع، وفي هذا النظام يختفي (الفرد ـ المواطن) ليبرز (المكون) وهو تعبير غامض عن هوية جماعية تؤسس لصراع على السلطة على أساس عددي ومقياس كمي أعمى فيصبح المكون صاحب العدد الأقل في وضع مستضعف، يشعر بالمهانة والاهمال والتهميش ومثل هذه المشاعر السلبية تفسر لنا رفض كثير من الأقليات الدينية في العراق الإشارة اليها مقرونة بكلمة (أقلية) فهي شعوب أصلية ومكون اساسي.

وبما إننا لا يمكن أن نفصل فقدان إحساس أفراد الأقليات بالمواطنة عن السياق الشامل لأزمة فقدان الثقة بالنظام السياسي القائم على أنموذج (دولة المكونات) لجميع المواطنين على اختلاف خلفياتهم الدينية والقومية والمذهبية، لذا تعد مهمة بناء الثقة مسؤولية ملقاة على عاتق من يسهمون في إنتاج أنموذج  بديل يراعي هدف تحقيق (الوحدة في التنوع) والتوازن بين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية وهو ما يمكن أن يقدم أنموذج (المواطنة الحاضنة للتنوع) وهذا يتطلب أدوات وآليات في العمل بشأن استحداث مناهج دراسية وسياسية وتعليمية تعزز التعددية والمواطنة الحاضنة للتنوع والعمل على صياغة تشريعات تضمن الهدف نفسه واستعمال آلية حوار الأديان بوصفها دبلوماسية مسار ثان، على نحو يعكس امكانيات الاتصال غير الرسمي والشعبي بين اطراف الصراع بما يمهد لبناء مشتركات بشأن مقاربة (المواطنة الحاضنة للتنوع) التي تضم الجميع.

عرض مقالات: