اخر الاخبار

خلافا للمثل الإنكليزي القائل: دع الكلاب النائمة ترقد بسلام، نحاول أن نحفر في ذاكرة تاريخنا المعاصر مع بداية تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934، ونتوقف عند بعض المحطات في تاريخ المعادين للشيوعية والحزب. 

 كانت البداية، وصايا الإحتلال البريطاني لإتباعه بإعتبار الشيوعية هي العدو الأول التي أوجدت الأسباب للفئات الأكثر رجعية، بأن تضع القوانين في محاربة هذا (الشبح) الخطير الذي (صدع رأسها) لاحقا، وأعد رشيد عالي الكيلاني منشورات الحزب بعد قمعه إنتفاضة قلعة سكر بأنها أكثر خطورة من إنتفاضة سوق الشيوخ التي إنتهى من قمعها عام 1935. 

وتكمن خطورة الشيوعية بالنسبة للمعادين لها، كونها تمثل رؤية جديدة في النضال الوطني الأكثر جذرية في الدفاع عن الفقراء والشعب عموما، وهي فكر وقاد لبناء الوطن، وفي خلق ثقافة تقدمية تعزز مكانة الانسان بإعتباره أثمن رأسمال في الوجود، ويقف خلف هذا الفكر حزب قوامه، مناضلون (رجال ونساء) يمثلون الطيف الواسع للوطن ومن مختلف القوميات والمذاهب، نذروا أنفسهم لذلك، مقدمين الغالي والرخيص، متحملين بشجاعة وبطولة نادرة كافة أشكال القمع من إعدام وتعذيب وسجن ومطاردة ونفي ومحاربة في العيش ومضايقات أخرى لا حصر لها ولا عد.

 ومع بروز الحزب ونضاله الوطني في عموم الوطن، أشتدت وطأة القوانين القمعية، وفتح العراق الجديد الخارج من ظلمة سراديب العثمانيين، سجونا ومنافي جديدة ونصب المشانق للأحرار، إذ ظهر للوجود، جلادون، من نوع آخر، أمثال نوري السعيد، وأرشد العمري، وعبد الله رفعت النعساني، وبهجت العطية، وسعيد قزاز وغيرهم وكل همهم هو قمع الحركة الوطنية، وذبح طليعتها -الحزب الشيوعي- من الوريد إلى الوريد، كي يبقوا على الطغمة الحاكمة وأسيادها من إقطاع وبيرقراطية عسكرية.

وبعد الرابع عشر من تموز عام 1958، رفعت القوى الرجعية رأسها ثانية إثر إنتكاسة الثورة، وتشكل تحالف كبير من قوى الإقطاع والمتضررة من الثورة ومنها شركات النفط الاحتكارية، وبدعم من المخابرات الانكليزية والأمريكية والمصرية المستفيدة من تخبط حكومة عبد الكريم قاسم وصدور فتاوى دينية. وتورطت بعض الأحزاب في هذا النشاط، وكانت النتيجة إغتيال مئات من الشيوعيين، واعتقال الكثير، وأصدرت أحكام تعسفية بحق العديد منهم، إلى أن تمكنت القوى الفاشية من إسقاط حكومة قاسم في 1963، معلنة بإسم الحاكم العسكري الجلاد رشيد مصلح إبادة الشيوعيين، وتحركت قطعان الحرس القومي لتنفيذ هذه المهمة، بعد أن زودتهم المخابرات الأمريكية بأسماء وعناوين الشيوعيين، وأدخلت سياسة معاداة الشيوعية العراق في نفق مظلم، لما يزل يعاني منه. فمعاداة الشيوعية تعني معاداة الديمقراطية، ومعاداة الشعب، وهذا ما بينته سياسة حزب البعث بعد عودته إلى السلطة في انقلاب 1968، وسياسة بعض الأطراف المحسوبة على القوى الوطنية، إذ كان قتل الشيوعيين هو عربون مودتها وتوددها للسلطة، ومنها مجزرة عيسى سوار في إغتيال الرفاق العائدين سرا عن طريق كردستان من الأتحاد السوفييتي في بداية السبعينات، ومجزرة بشت شاشان في أيار 1983. 

  وتعد ممارسات حكومة البعث من 1968- 2003  من أسوأ الفترات في الاغتيالات والإعدامات والاعتقالات والتعذيب ضد الحزب الشيوعي العراقي، وقادت الحملة الهادفة لتصفية الحزب إلى ضرب القوى الوطنية الأخرى وجر البلاد إلى الخراب والحروب ثم الأحتلال، وهدفت  هذه الحملة ضد الحزب والشعب لتقوية مراكز السلطة الفاشية الغاشمة، وإرضاء للقوى الإقليمية وتعزيز إرتباط مصالح الزمرة الحاكمة مع قوى الإمبريالية، وكان جلادو تلك الفترة معروفين من رأس النظام ونزولا إلى ناظم كزار وبرزان التكريتي وسعدون شاكر وعواد البندر وعلي الكيماوي، وطه الجزراوي، وعزت الدوري وغيرهم.

ولم تتوان قوى عدة  من الحاق الأذى بالحزب والنيل من سمعته وتاريخه النضالي.

وعلى صعيد آخر يحاول البعض ممن كان محسوبا يوما ما على الحزب، سواء أختلف معه أو انتقل إلى موقع أخر، النيل من سمعة الحزب وتاريخه وتشويه الحقائق بهدف إرضاء الذات لتغطية مواقفه المدانة، أو إرضاء لأطراف معينة وخصوصا من تعاون مع السلطة الفاشية المقبورة وعمل مخبرا سريا في أجهزتها القمعية. 

 هذا لا يعني أن الحزب لم يقع بإخطاء ولم تكن هنالك ممارسات سلبية أثرت على الرفاق والحزب عموما، وأن الحزب ليس بحاجة إلى نقد تقويمي من رفاقه أو اصدقائه، ولكن هنالك فرق بين النقد والتشويه. 

 فمجدا لك أيها الحزب وأنت تطفئء شمعتك الثامنة والثمانين، إذ بقيت شامخا بتضحياتك وبرفيقاتك ورفاقك وجمهورك، رغم جراح الإعداء الذي نالوا منك أو يحاولون النيل منك، فأن مصيرهم انتهى وسينتهي إلى مزبلة التاريخ.

عرض مقالات: