اخر الاخبار

صدر هذا الكتاب في صيف ١٨٩٤ وفيه تناول لينين بعض جوانب تطور الحركة الاشتراكية الديمفراطية في روسيا، خاصة من جوانبها الفكرية في المرحلة التي انتصرت فيها الثورات البرجوازية في أوروبا وانهت العلاقات الإنتاجية الاقطاعية وبدأ تكون النظام الرأسمالي، بينما ساد  النظام الاقطاعي في روسيا بحماية  الدولة الاوتوقراطية القيصرية وسمح لنظام القنانة في الريف الروسي ان يتحكم فيه الاقطاعي كليا بكل جوانب حياة القن، والذي الغي قانونيا لاحقا بسبب الضغط الشعبي مع مراعاة مصالح الاقطاعيين ومعه بدايات دخول الرأسمالية قي روسيا وظهور المصانع والمعامل وسكك الحديد.

وتشكلت في الريف الروسي طبقتان: البرجوازية الريفية والعمال الاجراء، بينما ظهرت في المدينة الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة التي راجت في أوساطها الأفكار الثورية للاشتراكية الديمقراطية الثورية. وفي الوقت نفسة برز تيار سياسي محافظ وهو “الحركة الشعبية” الذي كان يدعو الى الاشتراكية الطوباوية في أوساط الفلاحين لتحقيق إصلاحات ولكن بدون التصدي للنظام او أجهزته القمعية والتكيف مع الأوضاع القائمة والانسجام مع الفكر الليبرالي.

وفي 1893 انصم لينين الى احدى الحلقات الماركسية في بطرسبورغ التي  جهدت من اجل توحيد التجمعات الماركسية وانهاء حالة التشتت عبر الدعاية والتحريض والتنظيم في أوساط العمال لتأسيس تنظيم ثوري قادر على قيادة النضالات السياسية والمطلبية. وكان الصراع الأيديولوجي آنذاك على أشده بين الشعبيين الليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين. وقد لعب المفكر الماركسي الروسي بليخانوف ( 1856-1918) دورا في التصدي للفكر الشعبي الليبرالي ونشر الماركسية.

في هذا الظرف المحتدم بالصراعات السياسية والفكرية كتب لينين هذا مؤلفه (من هم أصدقاء الشعب وكيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين) وهو من ثلاثة أجزاء فقد منها الثاني على الرغم من البحث الدقيق عنه. في الجزء الأول تناول لينين أسس الديالكتيك الماركسي في تناول الوعي الإنساني والتاريخ ردا على الاطروحات التي قدمها الشعبيون المعتمدة على الفكر الفلسفي المثالي البرجوازي الذي اطلق عليه الفلسفة الوضعية التي تعتبر التطور التاريخي نتيجة للنشاط الفردي الشخصي، وتتم دراسته عبر تدقيق مستوى وعي الفرد وفيمه الأخلاقية.  فالعلاقات الاجتماعية هي نتيجة نشاط الانسان وارادته ورغبته، وهي المحددة للتطور الاجتماعي والتاريخ، وكان خصمهم الرئيس المنهج الماركسي واتهامه بتشويه الفكر الهيغلي المثالي. ولذا قدم هذا الكتاب شرحا للماركسية موضحا  المادية التاريخية وتفسيرها لحركة وتطور المجتمعات والتاريخ البشري وان الديالكتيك الماركسي يختلف مبدئيا عما طرحه الفيلسوف الألماني هيغل

( 1770-1831). كما شرح بالتفصيل المقاربة الماركسية عبر تطبيق المنهج الديالكتيكي على حركة الطبيعة والمجتمع والأفكار. وهو ما قدم وفي تلك المرحلة الهامة من تطور الفكر الاشتراكي في روسيا سلاحا فكريا فعالا في النضال ضد الأفكار المثالية البرجوازية النخبوية.

أهمية هذا الكتاب المعاصرة هو ان استخدام الفكر والوعي كسلاح في النضال من اجل التغيير الثوري للمجتمعات لا يأتي عبر التأمل والبحث الاكاديمي بل يقوده المثقفون العضويون حسب تعريف غرامشي ( 1891-1937) لهذا المفهوم والذي يربط بين العمل الفكري النظري والممارسة النضالية.

ومع اختلاف المرحلة التاريخية حيث كتب قبل اكثر من 120 عاما الا ان هذه الأنشطة والسجالات الفكرية والعمل التنظيمي والتحريضي هي الممهد لانتفاضة 1905 ضد الحكم القيصري التي دفعته الى تقديم تنازلات جزئية وكانت بروفة لثورة أكتوبر عام 1917.

والملاحظ اننا نعيش ظروف القرن الحادي والعشرين بما شهده من ثورات علمية وتكنولوجية ومعلوماتية، ولكن البرجوازيات تلجأ الى ذات المفاهيم التبسيطية لتغييب وإفساد الوعي الشعبي. فمثلا اليوم في العراق تستمد قوى الثقافة السائدة المتنفذة التي تعبر عن مصالح البرجوازية الكومبرادوريه والطفيلية سلاحها الأيديولوجي من ذات المفاهيم المكتنزة في ترسانة البرجوازية. فمثلا تستخدم المنهج الوضعي الفلسفي ولكن بوشاح ديني لتحليل أسباب انسداد الوضع السياسي وتفاقم ازمة النظام الحالي في ان الخلل في المجتمع هو في ضعف الاخلاق والسلوك والالتزام بالقيم السماوية مقابل التحليل المعتمد على المنهج الديالكتيكي الذي يؤشر ان انهاء الازمة الحالية في العراق لا يتم الا عبر التغيير الشامل الذي تقوده الجماهير ذات المصلحة في ايجاد نظام ديمقراطي حقيقي يوفر التنمية والازدهار والعدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: