صدر حديثا عن دار الرواد المزدهرة كتاب بعنوان (تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للنساء في مدينة الصدر) وهو بحث مقدم من رابطة المرأة العراقية بدعم من منظمة المرأة للمرأة السويدية للباحثة الدكتورة عائدة فوزي احمد في 90 صفحة من القطع المتوسط. يتضمن البحث عناوين عن مدينة الصدر وواقع النساء فيها قبل واثناء انتشار جائحة كورونا وتأثير الجائحة على الواقع الاقتصادي والعنف الموجه ضد النساء وختام البحث عدد من الاستنتاجات والتوصيات.

تؤكد الباحثة بداية ان انتشار جائحة كوفيد 19 كان احد الصدمات المدمرة على المستوى العالمي وحالة الركود الاقتصادي التي سادت كان له تداعيات كبيرة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية. وقد عمقت الكثير من المشاكل التي كان يعاني منها العالم قبل انتشار الوباء وقد تباينت استجابة الدول في التصدي لآثار هذه الجائحة استنادا إلى المستوى الاقتصادي للدولة والبنى التحتية ولا سيما في المجال الصحي وقوة الدول وامكانياتها وقدرتها على وضع البرامج والسياسات الكفيلة لتخفيف الآثار السلبية على الاقتصاد وعلى الواقع الاجتماعي والصحي والتعليمي والخدمي. ان تأثير الصدمة يمكن ان يستمر لسنوات عديدة وقد يغير الكثير من الاشياء والمفاهيم وكذلك النظرة إلى الذات والحياة وعلاقتنا مع العالم والبيئة وقد لا يرجع الوضع إلى سابق عهده جزئيا او كليا وهذا ما يتطلب دراسة الموضوع من جوانب متعددة لتنسجم الافكار والاطر النظرية والمفاهيم مع هذه المتغيرات اي نكون مستعدين وقادرين على مواصلة الحياة بشكل طبيعي، كما ان صدمة كوفيد سببت صدمات في كافة القطاعات وعلى كافة المستويات واحرجت الحكومات والانظمة السياسية الحاكمة من خلال كيفية تعاملها مع الازمة ولا سيما على المستوى الصحي. وكان لفرض الحظر والتباعد الاجتماعي تأثير نفسي على كل البشر وان كان متفاوتا وغير منظور الا ان تداعياته خطيرة ومؤثرة في السلوك وتحتاج إلى برامج للعلاج والتأهيل النفسي للحد من اضطرابات ما بعد الصدمة. إن انتشار الوباء تسبب بصدمات نفسية للنساء ولكن هذا التأثر يختلف حسب عمر المرأة والمستوى التعليمي ودعم العائلة والاصدقاء والمجتمع والحكومة فيمكن ان يؤثر سلبا لانعدام المساعدة من الآخرين بشكل كلي او فقدان احد افراد العائلة وإلى ضعف القدرة على تخطي الصدمة النفسية وتؤكد الدراسات ان النساء تأثرن كثيرا من جراء انتشار الجائحة كما عمقت الفجوة بين الجنسين ولا سيما في البلدان النامية واصبح تحقيق المساواة امرا بعيد المنال ويحتاج إلى معالجات جديدة وخطط وبرامج على المستوى المحلي والدولي لتقليل آثار الجائحة على النساء في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وفي تحقيق العدالة الاجتماعية .

قدمت الباحثة نبذة عن مدينة الثورة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عهد عبد الكريم قاسم كمشروع لتوطين سكان من ريف جنوب العراق في بغداد وتغير اسمها إلى مدينة صدام في عقد الثمانينات وبعد 2003 تغير اسمها إلى مدينة الصدر وكما يبدوا أنها مدينة يتغير فيها اسمها مع تغير النظام الحاكم وكأنها منطقة للتوظيف السياسي.. وشمل التغييرايضا اسماء المستشفيات التي بقيت محافظة على عددها بالرغم من اكتظاظها السكاني وتناقص المراكز الطبية والاجهزة والادوية وضعف الخدمات الصحية ولا سيما اثناء انتشار الجائحة. وكذا الحال في مجال الخدمات التعليمية فان المدينة تضم 80 قطاعا وتبلغ مساحتها الاجمالية 30 كم مربع فان عدد البنايات المستعملة كمدارس لعموم المدينة عام 2011 كانت 375 بناية تشغلها 470 مدرسة ابتدائية وثانوية اي هناك 100 مدرسة تعاني من دوام ثنائي وثلاثي، كما ان وزارة التربية قامت بهدم 47 مدرسة في عام 2011 ولم يتم بناء اي مدرسة لغاية 2020 اضافة إلى قلة الكوادر التدريسية وتدني مستوى التعليم.

اما الخدمات المتعلقة بالنظافة فانها ضعيفة وكذلك تصريف المياه، وتضم المدينة عددا من المحلات التجارية والاسواق الشعبية التي تفتقر إلى التنظيم، وتمتاز المدينة بالحجم الكبير للأسر وسكن أكثر من عائلة في البيت الواحد وينخفض المستوى التعليمي بشكل عام والمرأة بشكل خاص وترتفع نسبة البطالة والعمل غير المحمي ولا سيما بين صفوف الشباب. ولا تحتوي المدينة على اي متنزهات او مرافق ترفيهية وتخلوا شوارعها من الحدائق والاشجار وشوارعها الداخلية ضيقة ومهملة وتتكدس فيها النفايات. ويؤكد المسؤولون في المدينة أنها تعاني من عدم الانصاف من حيث الخدمات فهي لا تتناسب وعدد السكان. كما أن البيانات الرسمية الخاصة بدائرة صحة الرصافة تؤكد تصدر مدينة الصدر في الاصابات على مستوى الرصافة وارتفاع حصيلة الوفيات بها وعدم التزام سكانها باجراءات الحظر وذلك كون معظمهم من الكسبة، والحظر أثر كثيرا على معيشتهم أكثر مما اثرت كورونا حسب تصريحاتهم.

اما عن واقع النساء قبل انتشار الجائحة في العراق فقد كانت اوضاعا استثنائية استمرت لعقود طويلة فقد مر العراق منذ عقد الثمانينات بحروب مدمرة راح ضحيتها الكثير من الرجال فتحملت المرأة معاناة المعيل وتربية الاولاد بالإضافة إلى حزنها على فقد احبتها، وعاشت اوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة انعكست سلبا على المستوى المعيشي واستمر هذا الواقع لغاية 2003 حيث تم تغيير النظام واعلان الاحتلال وخضوع العراق للادارة المدنية لم تكن سهلة وانما كانت حربا وتخريبا اقتصاديا ممنهجا، تركت آثارا نفسية صعبة جدا إلى جانب اثارها المادية ولا سيما على النساء وفي عام 2014 احتلت عصابات داعش الاجرامية لمحافظات عديدة وتعرضت المرأة إلى القتل والتعذيب والاغتصاب والسبي من قبل تلك العصابات إلى جانب تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعاشية وواجهت اوضاعا لا تخلو من العنف في مخيمات النزوح وارتفع اعداد الارامل والمطلقات ونسبة المعيلات للاسر في اوضاع اقصادية وسياسية غير مستقرة .. وعند انتشار جائحة كوفيد 19 تعمقت الازمة الاقتصادية للبلد وارتفعت نسب الفقر والبطالة فكان للجائحة تأثيرات اقتصادية واجتماعية اثرت على صحتها النفسية والجسدية. وبالرغم من كل المعاناة التي تعيشها المرأة في العراق الا أن نضالها لا زال مستمرا لاثبات وجودها فهي التي تحملت وصارعت كل القهر من أجل المحافظة على الاسرة وبناء ذاتها فقد تخرجت الاف النساء من كافة الجامعات العراقية وبكل الاختصاصات وشغلت الكثير من المناصب وتميزت بالابداع في مجال عملها وشاركت في المجال السياسي والأمن وانخرطت في منظمات المجتمع المدني وساهمت في الاحتجاجات الشعبية وقدمت التضحيات ولا زال امامها الكثير لتقدمه، وان تعزيز دور المرأة في المجتمع يرتبط بنيل حقوقها وهذا يحتاج إلى دعم حكومي ومساندة مجتمعية ودولية.                    

تضمن البحث عددا كثيرا من العناوين والارقام والجداول اعتمادا على نتائج مستنبطة من دراسة العينة المستهدفة من مدينة الصدر والتي تم اختيارها بشكل عشوائي وغير مقصود وتم تلخيص المواصفات الاحصائية لحجم الأسر لعينة البحث وملكية دار السكن والحالة الاجتماعية والمستوى التعليمي لنساء العينة وعدد الاطفال والفئات العمرية للنساء المتزوجات ونوع العمل والتأكيد على ان النساء المتعلمات يمتلكن فرص عمل أكبر بكثير من النساء غير المتعلمات كما انهن يعملن في القطاع الحكومي. وتضمن البحث الاشارة إلى الامراض المزمنة والتي كانت تعاني منها النساء قبل كورونا وأغلبهن يواجهن مشاكل في شراء الدواء من الصيدليات الخاصة وذلك بسبب انخفاض مستوى الدخول. كما توضح البيانات الخاصة بالعينة ان معظم النساء تتعرض للعنف اللفظي وأحيانا الطرد إلى الشارع اضافة إلى انواع من العنف الجسدي. وتخلص الباحثة إلى أهم المشاكل التي تعاني منها النساء، التعب وضعف الحالة المادية وارتفاع اسعار المواد الغذائية والدواء وفقدان الوظيفة مما سبب المشاكل المالية والفقر وانخفاض الدخول ومشاكل زوجية وتوقف الاعمال في القطاع الخاص وازدحام العوائل في منزل واحد والاعتماد على الرواتب التقاعدية وراتب الضمان الاجتماعي المحدود.

خلص البحث إلى أن النساء في مدينة الصدر تعيش واقع صعب وتأثرت بشكل كبير بانتشار الجائحة وما حصل من اضطراب مفاجئ في ايقاع الحياة بعد انتشار الوباء والقلق والاكتئاب وحتى الاضطرابات الوجدانية ما بعد الصدمة وارتفاع تكاليف الخدمات الصحية كان سببا في تفاقم المرض واثاره السلبية على الصحة النفسية والجسدية وتأثير الجائحة في تغيير العلاقات وتفاقم المشاكل الأسرية واحتمالية استمرار تأثير الجائحة ولسنوات طويلة بسبب الآثار النفسية على صحة المرأة وكذلك نتيجة فقدان العمل واحتمال عدم امكانية الحصول على عمل جديد في المستقبل، وكذلك ان الوقوع في الفقر يصعب الخروج منه دون مساعدة ودعم. ويوصي البحث بضرورة وضع البرامج الصحية لتعزيز الصحة الجسدية والنفسية والكشف عن بؤر الهشاشة في المدينة وتوسيع نظام الحماية الاجتماعية ليشمل شرائح أكبر ولا سيما النساء المعيلات للاسر وضرورة تخفيض البطالة بين صفوف النساء من خلال تمكينها اقتصاديا وتحسين المساكن والمدارس والعمل على توفير الخدمات في المدينة وتقديم التغذية للأطفال في المدارس مما يساعد على البناء الصحي السليم للاطفال وتقليل الاعباء المادية على الأسرة وتنفيذ برامج لمحو الامية بالتعاون بين وزارة التربية ومنظمات المجتمع المدني وتنفيذ المشاريع السكنية والخدمية ورصد المبالغ المناسبة في الموازنات بالشراكة مع القطاع الخاص وادخال التثقيف حول العنف في البرامج الصحية والتعليمية وينبغي جمع البيانات على مستوى الجندر في كافة المجالات والمستويات وان ينعكس ذلك في البرامج الصحية والتعليمية والتوظيف وغيرها من المجالات إضافة إلى الموازنة الخاصة بقضايا الجندر، واخيرا ضرورة رصد بؤر الهشاشة في المناطق الفقيرة واطراف المدن والعمل على تحسين مستوى المعيشة لهم وادماجهم في الاستراتيجيات الخاصة بالفقر والتمكين وبرامج التنمية المستدامة. 

عرض مقالات: