اخر الاخبار

في كتابه الموسوم (ماركس – هل كان على حق ؟)، الصادر، مؤخرا، عن دار الرواد، يبتديء المؤلف رضا الظاهر بفصل (ماركس يعود .. الماركسية تولد من جديد !) ملقيا اضواء على ما جرى من فعاليات فكرية واسعة بمناسبة الذكرى الـ 200 لميلاد ماركس.

ويحتفي الكاتب الظاهر بالمعلم الأول ماركس على النحو الذي يليق به بما يعزز التوجه لاستيعاب الماركسية على النحو السليم وتثقيف الأجيال بها وبتراثها الملهم ودروسها الثورية الغنية, فـ «الماركسية هي نظرية لنقد الرأسمالية  ومنهجية ضد تأبيد الواقع والثقافة السائدة , وهي النظرية  العلمية التي توفر اداة لتحليل الواقع الاجتماعي والصراع الطبقي وترسم آفاق التغيير, وهي سلاح نظري بيد الطبقة العاملة وسائر المستغلين».

وتحت عنوان (لماذا نقرأ ماركس ؟ لماذا نعيد قراءته ؟) يبين الكاتب اننا «بحاجة الى مرشد في النظرية والعمل، واننا ينبغي ان نعود الى جوهر منهجيتنا الماركسية. وفي التحليل علينا التمسك بمنهج ماركس نفسه الذي يحلل وينتقد ويقيم الظواهر وينظر اليها في حركتها لا في سكونها». ويقدم المؤلف حقائق عن تعاظم الاهتمام بماركس وإرثه من جانب الباحثين والقراء.

ويذكر بما قاله انجلز من أن انجاز ماركس الكبير تجلى في اكتشافين حوّلا فهمنا للعالم, الأول هو انه كما اكتشف داروين قانون الطبيعة العضوية, اكتشف ماركس قانون التطور البشري» وهذه هي نظرية المادية التاريخية. والثاني ان ماركس اكتشف ايضا القانون الخاص للحركة التي تتحكم بأسلوب الانتاج الرأسمالي الراهن والمجتمع البرجوازي الذي خلقه اسلوب الانتاج هذا.

كما أكد المؤلف على أهمية قراءة واعادة قراءة ماركس «اذ يتعين علينا أن نقرأ ماركس ونعيد قراءته، وأن نتأمل في راهنية الماركسية وان نجيب على سؤال: لماذا كان ماركس على حق ؟ فالماركسية لم تمت، بل انها تولد من جديد وسيظل ماركس معاصرنا».

وتحت عنوان

(راهنية ماركس) أشار الاستاذ الظاهر الى ان ماركس يظل راهنا وفاعلا, موردا أمثلة على ما نشرته الصحف والمجلات الغربية في هذا الشأن.

ويؤكد المؤلف في كتابه صواب التحليل الماركسي حيث نجد في عصرنا الراهن، عصر تطور الرأسمالية وتقدمها, الكثير من الشروط والاتجاهات التي حددها ماركس في نقده للاقتصاد  السياسي وهذا يتجلى الآن اكثر مما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مبينا انه بعد 200 عام يبدو ماركس اكثر ثورية مشيرا الى ما كتبه ماركس وانجلز كتبا (البيان الشيوعي) لا كممارسة أكاديمية وانما كنداء عمل.

وضمن محور (نقد الرأسمالية) أوضح الكاتب ان ماركس يبقى الناقد الأعظم للرأسمالية، التي شرّحها وقدم حقائق عن طبيعتها الاستغلالية، وآفاقها وبدائلها، مشيرا الى تنبؤات ماركس بشأن العولمة المعاصرة وتجلياتها.

وفي فصل (البيان الشيوعي .. ملاذ الثوريين) يؤكد المؤلف على ضرورة اعادة قراءة ( البيان الشيوعي ) ورؤية ما يمكن ان يمنحنا من بصائر، ويعلمنا من دروس، كونه وسيلة راهنة لتحليل سمات الرأسمالية، حيث ظل هذا البيان منذ نشره حتى الآن الوثيقة السياسية الأوسع انتشارا . كما أشار، وهو يتحدث عن راهنية ماركس، الى انه منذ الذكرى الـ 150 لصدور (البيان الشيوعي) نشر الكثير من الكتب والأبحاث التي تذكرنا بحقيقة ان ماركس لا يزال راهنا، يحفزنا على أن نعيد النظر في افكاره في ضوء الأزمات الراهنة للرأسمالية. ويوضح الظاهر كيف أن علينا ان نفهم نقد ماركس للرأسمالية، مشيرا، في فصل خاص (الاغتراب .. الرأسمالية تجردنا من انسانيتنا) الى تحليل الاغتراب في ظل النظام الرأسمالي، ودعوة نظريات ماركس الى الفعل السياسي والى التغيير الاجتماعي، وليس التوقف عند حدود التجريد النظري. واحدى اهم هذه النظريات نجده في (مخطوطات 1844 الاقتصادية والفلسفية)  التي يتحدث فيهاعن معنى الاغتراب ونواحيه.

وفي فصل (منهجية تحليل الواقع ) يكشف المؤلف عن اهمية المنهج الذي اعتمده ماركس في التحليل والاستنتاج , اذ صاغ نظرية لتحليل الأنظمة غطت النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لكل اساليب الانتاج  التي درسها (الاقتصاد السياسي) متناولا (جوانب رئيسية في المنهج) ومتطرقا الى موضوع التحول من المجرد الى الملموس، وسعي ماركس الى تمييز مقاربته عن مثالية هيغل. كما تحدث الكاتب الظاهر عن موضوع (المنهجية الفلسفية في الغروندريسه), اضافة الى تناوله موضوع ( ماركس بين مملكتين: الحرية والضرورة ) في فصل خاص تحدث فيه عن قوانين الديالكتيك الماركسي: قانون وحدة وصراع الأضداد , وقانون تحول التراكمات الكمية الى تغيرات نوعية, وقانون نفي النفي. ودرس المؤلف قضايا مثل (ديالكتيك الحرية والضرورة) وموضوع (ماركس الشاب .. ماركس الناضج) الى جانب موضوع ( الانسانية الماركسية ).

كما تناول المؤلف رضا الظاهر محور (ماركس .. مساجلات عميقة بشأن الديمقراطية متحدثا عن (الثامن عشر من برومير) والتلازم بين الاشتراكية والديمقراطية، ووعي التناقض بين الدولة الليبرالية والمجتمع المدني، الى جانب موضوع «الهوية»، ملقيا الضوء على العلاقة بين ماركس ولينين وغرامشي، ومتحدثا عن آراء ماركس حول المجتمع المدني.

وفي فصل يحمل عنوان (السمة الاجتماعية لاضطهاد النساء وتحريرهن) يضيء الكاتب جوهر اضطهاد النساء في المجتمعات البطرياركية، كاشفا عن حقيقة أن النظام الرأسمالي يجسد التمييز ضد النساء ويحرمهن من حرياتهن وحقوقهن.

ويشير المؤلف الى المسائل الأساسية في جماليات ماركس، متحدثا في فصل عنوانه (في جماليات الأدب والفن) عن انجازات ماركس في ميدان الجماليات على الرغم من أنه لم تتوفر لديه الفرص للخوض، كما كان يرغب، في هذا الموضوع.

وفي فصل حمل عنوان (أجل .. ماركس كان على حق !) بحث في الملاحظات الانتقادية العشر التي أوردها الماركسي البريطاني تيري ايغلتون ردا على من يحاولون تشويه الماركسية أو يقصرون في فهمها.

وختم الظاهر كتابه بفصل (ماركس الانسان .. سيرة حياة ملهمة) أشار فيه الى بعض من الكتب الكثيرة التي تناولت سير حياة ماركس.

نحن في العراق أحوج ما نكون الى نظريات ماركس وافكاره العلاجية لتخليصنا من الاقتصاد الريعي المتخلف، ومن التضخم والبطالة المرتفعة، ومن الفقر ونقص الخدمات التعليمية والصحية والبلدية الى جانب ازمة السكن وانخفاض مستوى المعيشة، وما يعانيه العراق من الديون الثقيلة التي ترهق ميزانيته وارتباط اقتصاده بعجلة الاقتصاد الرأسمالي وخضوعه لتقلبات السوق العالمية وتقلبات الدولار, ومعاناته من غياب الاستراتيجيات الاقتصادية وانخفاض سعر صرف عملته مقابل العملات الاخرى وزيادة وارداته على صادراته.

ان هذا وسواه من تجليات الأزمة العميقة التي تعاني منها بلادنا يتطلب العودة الى ماركس وافكاره العلاجية لمعضلات لاقتصاد الوطني والمآسي الاجتماعية.

إن كتاب رضا الظاهر يشكل اضافة نوعية للمكتبة الماركسية قدمت نظرة جديدة لفهم الماركسية بالعودة الى ينابيعها، واستخدام منهجيتها في تحليل ظواهر الواقع ورسم آفاق التغيير.

أجل نحن بحاجة الى ماركس، الذي كان بكل تأكيد، على حق !