في أعماق التاريخ الإنساني، نجد أن الشعوب كانت على الدوام تتأرجح بين يقظة ثورية وسُبات عميق، بين مقاومة القهر واستسلام له. ومع ذلك، يبدو أن سبات الشعوب اليوم أعمق وأكثر تعقيدًا، بفعل قوى متعددة تعمل بشكل متشابك وذكي لإخماد وعي الإنسان وتحجيم تطلعاته. بين قمع السلطة، وخيانة الإعلام، وتضليل رجال الدين، تُدار ماكينة كبرى تُبقي الشعوب في ظلام أبدي بعيدًا عن النور. أن السلطة، بطبيعتها، تسعى إلى البقاء. ولتحقيق هذا الهدف، لا تتوانى عن استخدام أدوات القمع بأشكالها المختلفة، من القوانين الجائرة إلى السجون وعمليات الاغتيال الفكري. إنها تستهدف كل بذرة تمرد وكل صرخة وعي، وتحاول إقناع الشعوب بأن الاستسلام هو السبيل الوحيد للنجاة. لكن السلطة لا تكتفي بالقمع المادي فقط، بل تمارس قمعًا فكريًا ونفسيًا يجعل الشعوب أسيرة الخوف والتبعية. وهكذا، يتحول السُبات من حالة مؤقتة إلى نظام دائم.
في زمن كنا نأمل فيه أن يكون الإعلام منارة للحقيقة، أصبح في كثير من الأحيان أداةً خبيثة في يد السلطة.
الإعلام الخائن لا يُخبرك بما يحدث، بل يُخبرك بما تريد السلطة أن تعتقده. يمارس الإعلام خيانته بأساليب ناعمة، مُعلبًا الأكاذيب في غلاف الحقائق، ومسخرًا كل إمكانياته لإلهاء الشعوب وإشغالها بقضايا هامشية.
وعندما تصرخ الحقيقة في وجهه، يرد عليها بالتشويه أو التجاهل، لتظل الشعوب حائرة بين ما ترى وما يُقال لها.
أن الدين، الذي كان دائمًا أداة للتحرير الروحي والفكري، يتحول في بعض الأيدي إلى سلاح لقمع العقول وتكبيلها. رجال الدين المُضللون يُجيدون اللعب على أوتار الخوف، مستخدمين الدين كغطاء لتبرير ظلم السلطة وخيانة الإعلام. يُقدمون الطاعة كفضيلة كبرى، ويُصورون أي رفض أو مقاومة كخروج عن طاعة الله. وفي خضم هذا التزييف، تصبح الشعوب أكثر ضعفًا، وأقل قدرة على التفريق بين الدين الحقيقي والرسائل المُشوهة التي يُقدّمها هؤلاء المضللون.
وحين تتآمر السلطة والإعلام والدين المُضلل، يصبح السبات العميق للشعوب نتيجة حتمية. إنه سبات لا يقتصر فقط على الحركة، بل يمتد إلى الوعي والإرادة. تُصبح الشعوب أسيرة دائرة مفرغة من القهر والتضليل والخضوع، تُكرر ذات الأخطاء، وتعيش في حالة انتظارٍ عبثي لمُنقذ لا يأتي.
لكن، هل يمكن لهذه الدوامة أن تستمر إلى الأبد؟ هنا تكمن المفارقة، فالتاريخ يُثبت أن الشعوب، مهما طال سباتها، تمتلك القدرة على الاستيقاظ.
البداية تكون دائمًا بالوعي، حين تُدرك الشعوب أن القمع الذي تُمارسه السلطة، وخيانة الإعلام، وتضليل بعض رجال الدين، ليست سوى أدوات تهدف إلى إبقائها في القاع. الوعي وحده لا يكفي، بل يجب أن يُترجم إلى فعل جماعي، إلى إرادة حقيقية تُعيد صياغة الواقع، وتفتح نافذة على الحرية المنشودة.
إن الشعوب النائمة ليست مجرد ضحية، بل شريكة في تكريس سباتها حين تختار الصمت والخضوع.
ومع ذلك، يبقى الأمل في اليقظة قائمًا، والسبيل إليه يكمن في رفض كل أشكال القمع والتضليل، والتمسك بالحقيقة مهما كان الثمن. فالحقيقة هي أول خطوة نحو الحرية، والحرية هي أول خطوة نحو الحياة.