اخر الاخبار

إن من الأهمية على المشروع الوطني المعارض في العراق تشكيل مشروع وطني جامع، يمتلك أدنى تصور لمشروع يقدم للعراقيين بادرة حسن نية في الأمن والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إذ فشلت (القوى السياسية)، في تأهيل الوطن على الصعيد الإداري والخدمي، مما جعل مناطق البلد محض صفقات تبادل النفوذ بين القوى المختلفة، بعد أن تحولت إلى ساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة قبل عمليات التحرير، التي تولد من رحم الفراغ والفوضى.

على الصعيد السياسي، لأجل تطوير مسارات المشروع الوطني للمعارضة تتبنى المعارضة العراقية فكرة المعارضة السلمية، التي دفعت نحو أسلمة الحراك الشعبي، التي أصبحت تدور في فلك هذه التركيبة.

المعارضة العراقية قبل أحداث عام 2003 بكل أطيافها، كانت آنذاك ترى في المعارضة موطن حرية ورأيا ومتنفسا سياسياً لها، وبعد أن تغيرت حال العراق، ووصل بعض أقطاب تلك المعارضة إلى سدة الحكم، وصار اليوم في السلطة أصبح يضيره أن تستقبل الحكومة معارضيها.

وعلى ضوء ما يجري في العراق من مخاضات تكاد تعصف بالتماسك الاجتماعي والجغرافي للبلاد، نشأت مبادرات من أطراف معارضة متنوعة المشارب السياسية، لإطلاق مشروع وطني عراقي معارض وطامح إلى إصلاح ما تراه فاسداً، فضلاً عن السعي لإنشاء كيان سياسي تحت اسم “المشروع الوطني العراقي”، لا ينطوي على حزب أو جبهة، الهدف منه أن يبقى مفتوح الباب لكل من ينضم مستقبلا للمشروع مهما كانت أفكاره وديانته وعرقه، ولا شرط سوى أن يكون وطنيا عراقيا وحسب.

وهنا يبدو الطموح كبيراً، فشرطا “وطني عراقي” يحملان شحنة عظيمة ورغبة جامحة في حماية الوطن من الغزو والتدخل الأجنبي

والحفاظ على العراق من أي تشويه، سواء كان على صعيد الهوية أو الديموغرافيا.

 بمعنى أن لا معارضة حقيقية إن لم تتبن مفهوم الاستقلال الوطني، العدالة الاجتماعية، وهذا يعني الأقسام المهمة من حيث فصل الدين عن الدولة ولا أحد فوق القانون.

  ويشتمل المشروع الوطني للمعارضة على وثيقة تشكّل أساساً لتسوية تاريخية شاملة ولدستورٍ جديد، ورسم معالم المرحلة الانتقالية، بطريقة تضمن انتصار أهداف ثورة تشرين الخالدة والتي قادها شباب وطني وغيور. ويعرض أيضاً لحل سياسي يضمن «محاسبة المتورّطين من المسؤولين في قتل الثوار التشرينيين والوطنيين، وذلك من خلال الاستمرار بالثورة بأيدي العراقيين، ومن خلال غطاء عربيّ ودوليّ يحمي وحدة العراق وسيادته واستقراره، تحت رعاية الأمم المتّحدة والجامعة العربيّة وقرارات مجلس الأمن، وضمان وضع آليّة إلزاميّة لتنفيذها الفوري، بحسب مسوّدة المشروع. ويدعو المشروع الى توحيد جهود المعارضة على كافّة الأصعدة من أجل دعم الحراك الثوري بكافّة أشكاله، وإلى توحيد قواه وقياداته.

بمــا في ذلك إعادة التركيــز على التنمية الاقتصاديــة، وعلى الأخــص ضرورة ســن قوانين جديدة تتعلــق بالنفط يمكن أن تمنــح كل عراقي حصة في المورد الرئيسي للبلاد والإبطاء من المسيرة السياسية لإفساح الوقت أمام القادة كي يستوعبوا التغيير وينقحوا النظام السياسي.

ونشير بهذا الصدد أن لا شــك في أن الانضمام إلى الأحزاب والتنافس بين الأحزاب السياســية يعتبران من الخصائص الغالبة للقيادات الجديدة. وأصبحت هذه حقيقة صارخة منذ عام ٢٠٠٥، عندما أصبحت الانتخابات الحقيقية الوسائل الرئيسية لاختيار القيادات العراقية وتوزيع السلطة وإرث الدولة. ونتيجة لذلك، تقررت القيادات إلى حد كبير على ضوء العضوية في الأحزاب والتنظيم الحزبي والقدرة النسبية للأحزاب على حشد تأييد الجمهور. هذه العودة للسياسة الحقيقية إلى العراق هي أهم تغيير على الإطلاق عن عهد حزب البعث وتتجلى بوضوح في القيادات التي ظهرت.

إن تفتيت العراق والإغراق في إضفاء الطابع السياســي يمكن أن يحولا دون الاســتثمار والتنمية الاقتصادية في البلد، فضلاً عن تقوية دعائم الطبقة الوســطى المتعلمة التي يعتمد عليها مســتقبل البلاد وكذلك الديمقراطية فيه. والواقع أن التنمية الاقتصادية وطبقة وســطى متنامية عاملان من شــأنهما تخفيف حدة سياســة الهوية من خلال توفير طرق أخرى للحراك ورؤى جديدة للمستقبل. إن هذه المشاكل وطرق التغلب عليها يجب أن يتناولها ويواجهها العراقيون أنفسهم قبل أن يصل الوضع إلى نقطة اللاعودة.

“مشروع المعارضة الوطنية” العراقية ينبغي عليها السعي إلى تحقيق “أهداف الشعب العراقي بالخلاص من النظام الفاسد وإقامة البديل الوطني العراقي الذي يمثل إرادة العراقيين”.

وتأكيد أنها مع “تحركها ونضالها في داخل العراق، فسيكون لها حراك في المنافي لتعرية الفساد المستشري، وتواصل العمل لكشف كل سرقات اللصوص لإدانتهم أمام المحاكم الدولية وإسقاط الحماية التي يتصورون أن القانون الدولي قد يوفرها لهم على ما ارتكبوه بحق بلدنا وشعبنا، كي تتحرر إرادة الشعب ليتم إعادة بناء الحياة في العراق”.

وسمّت “الجبهة” ممثليها في جميع المحافظات ومن ضمنها إقليم كردستان العراق، للعمل والتواصل مع الشعب وبكل من يؤمن بوحدة العراق وسيادته على نفسه في محافظاتهم، وإدامة زخم الثورة وإدارة الحراك الشعبي والتظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات المنظمة.

ونحن على اعتاب أبواب انتخابات نيابية (برلمانية) سوف لا تنتج سوى كتل برلمانية حزبية بتوجهات طائفية وأخرى قومية واثنية وهامش غير فاعل لمستقلين، ثم تعود لتمارس لعبة المحاصصة ونهب ثروات الوطن أمام أنظار الشعب الذي ليس له حول ولا قوة، بسبب غياب المعارضة السياسية المنظمة التي تقود احتجاجات الشعب ونضالاته بقطاعاته المختلفة.

 أن هذا التمثيل الحكومي الذي يعقب كل انتخابات لم يحظَ خلال مسيرة المؤسسة السياسية على تصديق كامل من العراقيين.

وتطغى حالة من عدم الرضا على سياسة “الاحزاب”، وخصوصًا في الفترة الأخيرة،

وتتجلى هذه الحالة واضحة في ردود فعل عراقيين على ما تنشره منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى الخدمية منها، فحتى المشاريع الخدمية التي تحاول إقامتها الحكومات المتعاقبة في الداخل العراقي تُقابَل بالشتائم والانتقادات.

ونرى أن دعوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القوى السياسية والمُعارضين إلى حوار وطني مفتوح وصريح مع الحكومة العراقية على أساس المصلحة الوطنية خطوة في الاتجاه الصحيح. حيث قال، في خطاب متلفز أمس: إننا ندعو جميع المُختلفين من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية ومُعارضي الحكومة، إلى طاولة الحوار المسؤول أمام شعبنا وأمام التاريخ.

وأضاف: «وندعو قوانا وأحزابنا السياسية إلى تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المُتشنّج والإسقاط السياسي، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي».

مما يؤكد التوجهات السياسية وأهمية إعادة ترميم العلاقة بين القوى المعارضة والعمل على إيجاد نوع من التوافق بين جميع الأطراف، لآنه من الهراء اختزال الحراك السياسي في العمل النيابي فقط إذ يجب على القوى السياسية النظر لأبعد من ذلك.

عندما نتكلم عما يسمى رؤية في مشروع معارضة وطنية المرتكز على محورين رئيسين: الحكومة والمعارضة، نجد من الأهمية الابتعاد وتجنب كل ممارسات البحث عن التحالفات الهشة والمشاركة في الحكم بالمناولة وتوزيع الغنيمة عبر المحاصصة، فقط من أجل تصنيع الفراغ في المعارضة السياسية في العراق، وإعادة إحياء أحادية السلطة والنظام.

كنا - وما زلنا - نعتقد بأهمية المساهمة في تشكيل حكومة إصلاح وطني حقيقية على قاعدة برنامج يتضمن ملفات إصلاح واضح المعالم ملزم ومعلن وتحت إشراف رئيس حكومة مستقل عن الأحزاب، وإما قيادة معارضة سياسية تتحلى بالمسؤولية الوطنية فوق أي اعتبارات حزبية، وتصحيح المسار من خلال الرقابة والمساءلة وتقديم البرامج والمشاريع والمبادرات التشريعية.

حينها سنؤدي دورنا الطبيعي كقوى اجتماعية لملء الفراغ الناجم عن تواصل وجود سلطة منفصلة عن المجتمع ومشاغله، وإيلاء المسألة الاجتماعية، الفريضة الغائبة، الأولوية المطلقة في المرحلة المقبلة.