اخر الاخبار

يتسم قانون الانتخابات بأهمية كبیرة وحساسة مقارنة بالتشريعات الأخرى كونه یتعلق بوضع الآليات الخاصة بتداول السلطة، كما أنه يعكس بشكل كبیر تطلعات ونوايا القابضین على السلطة لشكل الدولة وطبيعة النظام السياسي فيه. وتعتبر تجربة العراق بعد ٢٠٠٣ في هذا المجال من التجارب الغنية بتأثیر التوافقات على قوانین الانتخابات، كما تحظى قوانین الانتخابات كما هو معروف بمساحة من الجدل والحوار ليس على الصعید السياسي فقط وإنما على المستوى الشعبي، وكثیرا ما أثر هذا الجدل في صياغة تلك القوانین خاصة فيما يتعلق بمتغيرات النظام الانتخابي (حجم الدائرة، عدد المقاعد، (عدد المرشحین)، شكل القائمة، الصيغة الحسابية). كظاهرة عامة عندما يفضل السياسيون الحلول التوافقية السهلة على الجانب العلمي المحض، تظهر تدابیر غیر متناسقة مع القواعد العامة في التشريع وهو ما ظهر بصورة واضحة في العیوب التي شابت تلك القوانین. الصيغة الانتخابية، تجزئة القانون، تعارض القانون مع المبادئ العامة للتشريع (مثل وحدة التشريع، التعارض بین الخاص والعام، عیوب الصياغة). ولكننا يجب أن نقر بحقيقة أن التوافق في بعض الأحيان مهم وضروري لرفع الاحتقان السياسي وإن أدى إلى تلك العیوب.

أولا: نوع الدائرة

يعد تقسيم الدوائر في قانون الانتخابات من أهم المسائل الحساسة والخطیرة لاسيما في المجتمعات المنقسمة، إذ یؤدي التقسيم غیر المتوافق عليه إلى إخلال مبدأ التوازن بین المكونات التي تحرص عليه نظرية التوافق، لذلك تحرص الدول على أن يستجیب قانون الانتخابات لتمثیل عادل ما أمكن ذلك لنسبة المكونات فیها كما حدث في الهند، إذ تقوم السلطات الهندية بین مدة وأخرى بتغییر الحدود الإدارية للمدن لتستجیب بشكل واضح للتجمعات الإثنية المختلفة، والمثل الاسوأ على هذه النماذج هو لبنان، إذ أدى الجدل حول قانون الانتخابات إلى تقسيم المقاعد سلفا بین المكونات حيث یبلغ عدد مقاعد المجلس التشريعي اللبناني 128 مقعداً، وزعت بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين 64 مقعدا للمسلمين و64 مقعدا للمسيحيين، ثم قسمت مقاعد المسلمین مناصفة بین الشيعة والسنة ٣٢ للشيعة، و ٣٢ للسنة وكذلك الأمر بالنسبة للمسيحیين وهو ما قد يحدث لا سامح الله اذا ما استمر العراق بتبني نظم الأغلبية.

اعتمدت القوانین الآتية التي جرت بموجبها الانتخابات في العراق نظام الدائرة على مستوى المحافظة وذلك لعدم وجود إحصاء سكاني أو قاعدة بیانات منضبطة توضح نسب السكان أو أعدادهم على مستوى دوائر أصغر. أمر سلطة الائتلاف رقم ٩٦ لسنة ٢٠٠٤ (دائرة واحدة)، قانون انتخابات مجلس النواب رقم ١٦ لسنة ٢٠٠٥ (دوائر متعددة + الباقي الاقوى + المعدل الوطني) قانون انتخابات رقم (٢٦) لسنة ٢٠٠٩ المعدل للقانون أعلاه في ٢٨/١٢/٢٠٠٩) القائمة المفتوحة + الباقي الاقوى) قانون انتخابات رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٣ (دوائر المتعددة + قائمة مفتوحة + سانت ليغو المعدل١,٤) قانون تعدیل قانون رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٣(دوائر المتعددة + قائمة مفتوحة + سانت لغو المعدل ١,٦).

ثانيا: المبادئ التي اعتمدت لتقسيم الدوائر وفق قانون انتخابات مجلس النواب رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠.

١. أن يكون التقسيم موافق للدستور. يعتمد عدد السكان (نسمة).

٢. أن يكون من الممكن من الناحية الفنية إجراء انتخابات وفق أي تقسيم على مستوى دوائر أصغر من المحافظة وفق جدول زمني معقول.

٣. الا یؤدي التقسيم إلى الاختلال بین المكونات.

  1. ان يضمن التقسيم توزيعا عادلا للكوتا النسوية.

وإذا أخذنا محافظة كركوك وفق هذ التقسيم سنجد أن التقسيم یتعارض تماما مع المبرر الأساس لإقرار هذا القانون وهو أن يكون المرشح قريبا من الناخب ومن دائرته.

نلاحظ أن بعض مراكز الاقتراع تكررت لأن جزءًا منها تم شطره ليلحق الدوائر الاخرى حرصا من المشرع على إبقاء حالة التوازن بین مكونات كركوك الثلاثة ورغم ذلك فان التركمان قد یخسرون أحد المقاعد الثلاثة التي حصلوا علیها في الانتخابات السابقة.

شرح موجز لآلية تقسيم الدوائر (بيان تأثیر التوافق في عملية تقسيم الدوائر)

ثالثا: عدد المقاعد

وجهت انتقادات كثیرة لأمر سلطة الائتلاف رقم ٩٦ لسنة ٢٠٠٤ بسبب العیوب التي ظهرت نتیجة تبني الدائرة الواحدة، ومن أبرزها غياب محافظة أو اكثر عن التمثیل داخل الجمعية وكذلك تمثیل بعض المحافظات بشكل أكبر من استحقاقها، فجرى الاتفاق على اعتماد الدوائر المتعددة باعتبار  كل محافظة دائرة انتخابية یخصص لها عدد من المقاعد یتناسب وعدد سكانها، فعدد اعضاء الجمعية الوطنية لنواب العراق في انتخابات ٢٠٠٥ كان (٢٧٥) نائباً، حیث كان عدد السكان يقدر ب 27.962.968 ملیون نسمة، أما في انتخابات ٢٠١٠ (325) نائباً، حيث قدر عدد السكان حسب احصائيات وزارة التجارة بنحو (32274528) نسمة. وهذا يعني أن عدد أعضاء مجلس النواب یجب أن يكون ٣٢٣ إلا أنه أضیف (مقعدان) لإحداث نوع من التوافق السياسي لإرضاء بعض المكونات السياسة، علما أن قانون الانتخابات رقم 16 لسنة ٢٠٠٥ المعدل بقانون رقم ٢٦ لسنة ٢٠٠٩ لم يحدد عدد مقاعد مجلس النواب ولا حصة كل محافظة من تلك المقاعد، وانيطت تلك المهمة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات على أن تكون ٥ % من تلك المقاعد مقاعد تعويضية.

علما أن إضافة مقعدین لعدد المقاعد تمت لحل مشكلة محافظة نینوى بالتوافق ولم يصدر قانون من الهیئة التشريعية وذلك لتفادي المرور بالمراحل التشريعية المعقدة وانما مرر بما سمي بالمذكرة التفسيرية. علما أن عدد المقاعد لانتخابات مجلس النواب لسنة ٢٠١٤ حدد بـ ٣٢٨ مقعدا، ٣٢٠ مقاعد عامة و٨ مقاعد كوتا الاقليات وفق قانون رقم ٤٥ لسنة ٢٠١٣، أما في انتخابات مجلس النواب لسنة ٢٠١٨ فقد حدد عدد المقاعد بـ ٣٢٩ مقعدا،٣٢٠ مقعدا عاما و٩ مقاعد مخصص لكوتا الاقليات. والجدیر بالذكر أن عدد المقاعد وضع وفقا للتوافق السياسي ولا يمت بصله لعدد سكان العراق الحقيقي، وهذا خلاف صريح للمادة ٤٥ من الدستور العراقي النافذ 2005، الذي حدد مقعدا واحدا لكل مئة ألف نسمة، اذ تبلغ تقدیرات عدد السكان 000, 500, 38 نسمة.

رابعا: تجزئة القانون

واحدة من الظواهر السلبية في تشريع قوانین الانتخابات بعد ٢٠٠٣ هو تجزئة القانون، كان سبب ذلك على الدوام هو عدم الاتفاق على شكل النظام الانتخابي، فینهج المشرع إلى الانتهاء من المواد غیر الخلافية إذ یجري التصويت علیها وترك المسائل الخلافية إلى حین الاتفاق والتوافق، وتمت إضافة المواد الجدیدة المتفق علیها كما قلنا بالنظام الانتخابي وقد يصادف أن المواد المضافة تتعارض كلياً مع فقرات ومواد تم التصويت علیها وتصبح تلك الفقرات والمواد قد وردت في غیر محل ولا يمكن تطبيقها، وهناك أمثلة على ذلك ولكن ابرزها ما ورد في قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠ الفقرات ثالثا ، رابعا ، خامسا ، سادسا من المادة ١٦ ، منه والتي تتعلق بنسبة تمثیل النساء حیث يسهب المشرع في بيان آلية تحقيق الكوتا وفي تبني نظرية رياضية معقدة لكن بعد الاتفاق على تقسيمات الدوائر والتوافق على أن يكون التقسيم مساويا لعدد الكوتا النسوية وهو ٨٣ امرأة، حیث قسم العراق إلى ٨٣ دائرة لتحقيق الكوتا فأصبحت الفقرات المذكورة أعلاه غیر ذات جدوى ونفع ولا يمكن تطبيقها، بالإضافة إلى أن تقسيم الدوائر نفسة الحق بالقانون بعنوان ملحق كما جاء في الفقرة ثالثا من المادة 16 تحدد كوتا النساء لكل محافظة كما حدد في الجدول المرفق).

كما تم الاستغناء عن تطبيق الفقرة رابعا من المادة (39) (صوت عراقیو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقة البايومترية حصراً) وعلى الرغم من ان النص ملزم الا أن الكتل توافقت على عدم إجرائها، وخيراً فعلت كونه بابا من أبواب التلاعب بنتائج الانتخابات والتي رغم الكلفة الباهظة لا تحظى بمشاركة معقولة، فضلا عن جائحة كورونا التي وفرت غطاء ومبررا لإلغائها.

خامسا: تعارض القانون مع المبادئ العامة للتشريع

هناك صور متعددة لتعارض نصوص قوانین الانتخابات لقواعد التشريع المعروفة كما في العنوان، على سبیل المثال عندما یتم وصف جرائم معینة وعقوبات لها خارج قانون العقوبات فان القاعدة تقضي ان یتم تشدید العقوبة لا تخفيفها، بینما ما جرى هو العكس تماماً، حیث نهجت قوانین الانتخابات بعد ٢٠٠٣ إلى تخفیف العقوبات في الجرائم الانتخابية، فبعض تلك الجرائم تصنف في القوانین العقابية على أنها جناية بینما تصنف في قوانین الانتخابات على أنها جنحة. تناول الفصل السابع من قانون رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨ قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية في المواد (٣٦ -٤٣) موضوع الجرائم الانتخابية والعقوبات المفروضة على من یرتكب الجرائم، وبمراجعة تلك العقوبات نجدها لا تتناسب مع الافعال الجرمية، فنحن نرى أن الجرائم الانتخابية لا تقل خطورة عن بعض الجرائم الواقعة على المال العام والتي تكون عقوباتها في قانون العقوبات أشد. كما أن بعض الجرائم التي أشار اليها قانون الانتخابات كاستعمال القوة والتهدید أو حمل الأسلحة النارية والجارحة أو الاعتداء على موظفي الانتخابات لا تقل خطورة عن الجرائم الارهابية لا سيما أن الانتخابات هي الأساس لكل عمل ديمقراطي وأن التأثیر على العملية الانتخابية هو تأثیر أو ضرر بالعملية الديمقراطية والسياسية بشكل واضح، إضافة إلى أن تلك الجرائم التي أشار إلیها القانون هي جرائم عمدية.

كما تفتقد التشريعات الانتخابية إلى الوحدة في التشريع، التماثل بین النصوص في الصياغة والأحكام لاسيما فيما یتعلق بالفصل الخاص بالجرائم الانتخابية (الأحكام الجزائية)، إذ تفتقد إلى التماثل. على سبیل المثال یذكر الحد الأدنى للعقوبة ولا ینص القانون على الحد الأعلى وينص القانون في نفس الفصل على حد أدنى وأعلى للعقوبة كما هو الحال في الفصل السابع من قانون 12 لسنة ٢٠١٨ والفصل الثامن (الاحكام الجزائية) لقانون انتخابات مجلس النواب لسنة ٢٠٢٠، أمثلة على ذلك المادة ٣١ (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 ستة أشهر وغرامة لا تقل عن (٢٥٠٠٠٠) مئتین وخمسین ألف دینار. ولا تزيد على (١٠٠٠٠٠٠) ملیون دینار كل من..) وكذلك المادة ٣٢ - يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن (١٠٠٠٠٠٠) ملیون دینار ولا تزيد (٥٠٠٠٠٠٠) خمسة ملایین دینار او بكلتا العقوبتین كل من...). بینما نلاحظ انه في المادة ٣٥ یذكر الحد الأدنى وكذلك الحد الأعلى للعقوبة، المادة ٣٥. (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو غرامة لا تقل عن (١٠٠٠٠٠٠) ملیون دينار ولا تزيد على (٥٠٠٠٠٠٠) خمسة ملایین دينار أو بكلتا العقوبتین كل من...) والأمر نفسه تكرر في الفصل الثامن (الاحكام الجزائية) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020 المواد

(31، 32، 33، 34، 35).

عرض مقالات: