اخر الاخبار

خضع العراق بعد الاحتلال البريطاني له عام 1917 لنظام الانتداب الذي اقرته عصبة الأمم وحددت اقاليمه بموجب المادة 22 من عهدها وشملت المستعمرات والأقاليم التي لم تعد بفعل الحرب خاضعة لسيادة الدول التي كانت تحكمها والتي تسكنها شعوب ما زالت بعد غير قادرة على حكم نفسها في ظروف العالم الحديث المعقد، كما تقول تلك المادة.

وهذا النظام من حيث المبدأ يعني الاعتراف الدولي الصريح بشرعية استعمار الدول والأقاليم التي كانت خاضعة للامبراطورية العثمانية ودول المحور الاخرى، وانتقاص من قيمة شعوبها تحت لافتة الشعوب غير القادرة على حكم أنفسها، وهي مقولة روجتها الدول الاستعمارية آنذاك وكانت وراء تأسيس عصبة الامم، بدليل أن ثورة العشرين كانت بمثابة الاعلان الصريح عن وعي العراقيين في أمور بلدهم وبإمكانية تشكيل دولة ذات سيادة.

وفي البداية تم تكبيل العراق بعد الثورة بمعاهدة 1922، المخلة بالسيادة والتي أطلقت يد بريطانيا المحتلة في ادارة شؤون العراق تحت وصاية المندوب السامي البريطاني والمسز بيل، ليؤسس في ضوء الانتداب ما سمي بالحكم الوطني بزعامة ملك تم الاتيان به، وبرلمان كل اعضائه من شيوخ العشائر والاقطاعيين، وجنرالات الجيش العثماني المتعاونين مع بريطانيا في احتلال بلدهم العراق، وكذلك وزارات شكلها أولئك الجنرالات وكبار التجار حملة الرأسمال الاقطاعي.

 وظل البرلمان المشكل بموجب دستور عام 1925 ينتج كل سنة وزارة تقريبا بسبب صراع المصالح الذاتية للأعضاء واملاءات المحتلين، فيما هناك نمو للحركة الوطنية المعارضة للانتداب والحكومات التابعة له. وفي عام 1930 وتحت تأثير وضغط   اليسار المتنامي في العراق، اضطرت بريطانيا الى اقتراح معاهدة جديدة بأسلوب قديم لتمهد بموجب هذه المعاهدة دخول العراق إلى عصبة الامم وهو في ظل احتلالها المغلف بالاستقلال الشكلي، ولغرض إطلاع القارئ الكريم على نوعية الاستقلال المزعوم، اليكم بعض نصوص وملاحق هذه المعاهدة، حيث تركز هذه المعاهدة على أساسيين، كما ورد فيها:

1... الاعتراف بحفظ المواصلات الجوية البريطانية وحمايتها بصورة دائمة وفي جميع الاحوال.

2...دخول العراق عصبة الامم عام 1932.

ان المعاهدة، وفق تصريح المندوبين الى الصحف المحلية والعالمية، آنذاك، سوف تصبح نافذة بعد دخول العراق عصبة الامم. وعبارة بعد تشير الى عدم اكتمال السيادة بموجب عهد العصبة الدولية. ولذلك تمت الاشارة الى كلمة بعد. لأنها معاهدة مكبلة ومقيدة للعراق، وبرأينا كانت بنودها بنود اذعان، وفي المعاهدة ملاحق عديدة منها:

الملحق العسكري وفيه:

1.إقامة قوات بريطانية في معسكر الهنيدي (الرشيد حاليا) والموصل لمدة خمس سنوات تبدأ من تنفيذ المعاهدة.

2.حصول القوات البريطانية على إمتيازات في شؤون القضاء والعائدات الأميرية بما في ذلك الاعفاء من الضرائب.

3.التشديد على التسهيلات الممكنة لتنقل القوات البريطانية وتدريبها.

4.إقامة حرس يقدمه العراق لحماية القواعد الجوية البريطانية.

  1. توحيد الجيش البريطاني والعراقي في السلاح والعتاد والتدريب واللباس.

6.تعليم الضباط العراقيين في بريطانيا وشراء العراق الأسلحة من بريطانيا مع استخدام الضباط البريطانيين للأمور الاستشارية في الجيش العراقي.

7.حق القوات البريطانية في استعمال طرق العراق وسككه الحديد وطرقه المائية وموانئه ومطاراته، والسماح للسفن البريطانية في زيارة شط العرب بشرط اعلام الحكومة العراقية بذلك.

الملحق المالي

1.تلتزم الحكومة العراقية بشراء مخلفات الجيش البريطاني (الذي سيتركه في معسكري الموصل والهنيدي خلال خمسة اعوام من ننفيذ المعاهدة) بقيمة ثلث كلفتها.

2.ان بريطانيا لا تدفع إيجارا عن المطارات التي تستعملها في العراق متى كانت اميرية. لا تدفع ايجار، يعني الاستعمال بالقوة.

3.ان تعفى تلك الأراضي من الضرائب والرسوم.

4.ان تقام طرق انتقال السكك الحديد وميناء البصرة من بريطانيا الى العراق.

5.ان تعقد اتفاقيات خاصة بين الطرفين بشأن السكك الحديدية والميناء وأبقت هذين المرفقين تحت السيطرة البريطانية بصورة غير مباشرة 

الملحق القضائي

1.ألزمت الاتفاقية القضائية العراق باستخدام عدد من الخبراء القانونيين البريطانيين لمدة عشر سنوات يخولون سلطات قضائية وفقا لقوانين العراق، وذلك لغرض تسهيل تأسيس النظم القضائية الحديثة وتطبيقها، وإعطاء هؤلاء الخبراء صلاحية رئاسة المحكمة التي يكون فيها أحد الطرفين المتقاضيين من الرعايا البريطانيين او دولة اجنبية غربية.

ان هذه المعاهدة الممهدة لاستقلال العراق كما يزعم (دعاة اليوم الوطني للاستقلال في ٣ تشرين الثاني )، هي في متنها وملاحقها تكريس  للانتداب  وتفعيل  لدور المحتل المتغطرس في إذلال شعب انتفض في ثورة العشرين، وتعمية عن الدور الذي أسست من أجله عصبة الأمم ألا وهو تقنين استعباد الشعوب باسم عضوية العصبة، ولو كانت العصبة تقبل في عضويتها الدول المستقلة لما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها المرقم 1514( د،15 ) والمؤرخ في 14 كانون اول 1960 الشهير القاضي بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وشكلت لجنة تصفية الاستعمار.

إن العراق نال الاستقلال الحقيقي عام 1958 بعد قيام ثورة 14 تموز، حيث تكسرت سلطة الاسترليني وتحطم حلف السنتو، المعاهدة المركزية، أو حلف بغداد وانتهت تبعية العراق للتاج البريطاني، وشلت يد السفارة البريطانية في صنع الوزارات، وليس في 3 تشرين الأول عام 1932، يوم الدخول الشكلي لدولة تحت النفوذ البريطاني الى عصبة الامم.  والحديث عن يوم الاستقلال يجب ان يجري تحت قبة البرلمان بعد مناقشة شعبية وتأريخية لهذا اليوم، وان لا يفرض من دون تشريع قانون حينما أعلنته السلطة التنفيذية عطلة رسمية واعدته يوم الاستقلال بدون سند قانوني.

ان يوم ٣ تشرين هو دخول شكلي للعراق الى عصبة الأمم ولا يمكن اعتباره عيدا وطنيا والذي تجسد في الوجدان العراقي بيوم قيام ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ المجيدة.