منذ أسابيع مرت علينا الذكرى السابعة لإعلان النصر على داعش، وحدث بهذه المنزلة يشكل مصدراً للتفكير والتحليل، نستعيده لعلو شأنه وتأثيره في حياتنا، كما نحتفي به ونقف عنده لتخليد المنجز الذي تحقق، فنستذكر تضحيات الشجعان (الشهداء والجرحى)، وجميع من أسهموا في تحقيق النصر على أعتى الجماعات التكفيرية وأشدها خطراً على حاضر العراق ومستقبله.
ويهمني في هذه المناسبة تسليط الضوء على مسألة لم تحل ولا زالت مصدر خطر وتهديد، وهي التدخل الخارجي في الشأن العراقي، والسياسة التي أتبعتها الحكومات المتعاقبة مع الدول الداعمة لعصابات داعش خاصة والإرهاب عامة. وذلك لأن داعش في النهاية صناعة دولية ساهمت دول عديدة في تشكيلها ودعمها لتحقيق مكاسب معينة زمن ظهورها وانتشارها.
مع ذلك ثمة أسئلة تفرض مضامين موضوعنا طرحها، وهي: كيف تعاطت حكوماتنا مع الدول الداعمة للإرهاب أثناء الحرب مع داعش وبعدها؟ وهل كانت تلك السياسة ناجحة لدرجة إنها دفعت وستدفع مستقبلاً كل خطر يأتي من هذه الدول؟ وما هي الضمانات أن لا تعود تلك الدول إلى ممارسة لعبتها المفضلة في دعم الإرهاب؟ ألا تمثل أحداث سوريا الأخيرة مثالاً صارخاً على مدى تأثير التدخل الخارجي على استقرار الدول وأمنها؟
ولنبدأ من السؤال الأخير حول سوريا. فما شهده هذا البلد من أحداث منذ ما عرف بالربيع العربي عام 2011 تستدعي الوقوف عندها واستخلاص العبر منها. واقصد تحديداً أن النظام السوري السابق، الذي كان على علاقة جيدة مع محيطه الإقليمي، حتى إنه كان منسجماً مع سياسات دول عديدة معادية للواقع الجديد في عراق ما بعد عام 2003، إذ دعم وساند الإرهاب في العراق، إلا أن ذلك لم يشفع له من التدخل الخارجي من ذات الدول التي شاطرته الأهداف والمصالح إزاء العراق آنذاك، والتي حولت سوريا، ومعها قوى غربية كبرى، إلى ساحة حرب عالمية أفضت إلى تمزيقها وتشريد شعبها.
ويفيدنا المثال السوري في بيان مدى اقتران السياسة بالمصالح، حتى وإن أدت تلك المصالح إلى معاداة الأصدقاء، وقتل وتجويع شعب ما، كما يذكرنا بهشاشة العبارات التي يرددها الساسة بعد كل حرب، من قبيل: (طي صفحة الماضي)، (إعادة العلاقات وزيادة التبادل التجاري)، (المصالح المشتركة بين الشعبين)، وهي عبارات لا تحل المشاكل بل تعمل على حجب الخلافات مؤقتاً، والتي تعود للظهور لاحقاً ما أن تقتضي المصالح عودتها، وذلك ما حدث في العراق كثيراً، وفي سوريا أيضاً.
من هنا فإن السياسات التي أتبعتها الحكومات المتعاقبة، وإن أسهمت في الانفتاح على دول الجوار، ومد جسور الصداقة وتعزيز المصالح المشتركة، لكنها لم تكن بمستوى المعالجة الجذرية الجادة للتدخلات الخارجية والأثار الكبيرة التي خلفتها على العراق. ولا شك أن هذا الضعف هو من شجع سابقاً، ولا زال، التدخلات الخارجية، الأمر الذي جعل من العراق عرضة لعدم الاستقرار، ومسرحاً لشتى المغامرات والمؤامرات التي تخل بأمنه ونسيجه الاجتماعي، حال ما حصل عام 2005 وما تلاه من صراعات داخلية، والحرب مع داعش عام 2014، وربما نجد أنفسنا أمام سيناريو أكثر سوءاً ورعباً مستقبلاً ما لم يتوفر رادع حقيقي تطوى معه صفحة المشاريع الخارجية.
وهكذا، أثبتت التجارب عدم فاعلية السياسات المتبعة مع بعض الدول، وخاصة تلك الطامعة في العراق، والساعية إلى نشر الفوضى وإعادته إلى زمن الاستبداد. لذلك لابد من سياسة تلوح بالقوة في يد والدبلوماسية في يد أخرى. وحين تصبح هذه السياسة منهجاً، سوف لا نعود نقرأ ونسمع عن القلق والترقب الذي يتحدث عنه الساسة وأصحاب القرار، خاصة بعد الأحداث التي جرت في سوريا مؤخراً.
ختاماً، إذا كانت بعض الدول الداعمة للإرهاب، والقادرة على التأثير في الشأن العراقي، هي أدوات بيد الأمريكي، فعلى صانع القرار العراقي ـــــ وهو أكثر من يعلم ذلك ـــــ أن لا يغفل الدور الأمريكي وفاعليته في المنطقة، وإن يقيم معه أفضل العلاقات التي تحفظ مصالح العراق العليا وأمنه واستقراره. نقول ذلك لأن الكثير من الدول لا تجرؤ على دعم الإرهاب ونشر الفوضى ما لم يكن هناك ضوء أخضر أو تغاض من اللاعب الأمريكي، خاصة عندما يجد هذا الأخير أن ذلك مما لا يتعارض مع مصالحه.