اخر الاخبار

حسب النظرية الماركسية، فإن التراكمات الكمية تؤدي إلى تغيرات نوعية. وهذا ما حصل فعلا في انتفاضة الشعب العراقي في اكتوبر / تشرين الأول 2019، حيث أن هناك العديد من الأسباب المتراكمة والتي أدت إلى انتفاض الجماهير. فما هي هذه الأسباب؟:

1) تفشي البطالة بشكل كبير ولا سيما بين الشباب وخريجي الكليات والمعاهد وأصحاب الشهادات العليا والعديد غيرهم من الذين لا يجدون فرص عمل مناسبة والتي هي حكر لأبناء المسؤولين وأقاربهم وأحزابهم وان لم تتوفر لديهم المؤهلات العلمية المطلوبة. وقد واجهتهم السلطة بالرصاص الحي والمطاطي وخراطيم الماء الحار والاعتقالات، لأنهم يطالبون بحقهم الدستوري.

2) سوء الخدمات وخاصة الكهرباء والماء في بغداد والمحافظات الاخرى. وتم إنفاق أكثر من 85 مليار دولار على قطاع الكهرباء ولم يتقدم خطوة واحدة بسبب الفساد وسوء الادارة والتخطيط.

3) إهمال المصانع والاعتماد على الاستيراد و سياسة إغراق السوق العراقية بالمنتجات الصناعية المستوردة بما فيها الرديئة ما أدى إلى تهميش صناعتنا الوطنية واغلاق المصانع وتسريح أعداد كبيرة من العاملين ليلتحقوا بجيش العاطلين.

4) سرقة المال العام وتحويله إلى خارج العراق وحرمان البلاد من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

5) الاستيلاء على عقارات الدولة وامتلاك المسؤولين للقصور الفخمة والأملاك المختلفة بعد ان كانوا فقراء لا يملكون مائة متر مربع.

6) الرواتب الخيالية والامتيازات الكثيرة للطبقة السياسية وعوائلهم وترك الشعب يتضور جوعا ويعاني.

7) تفشي الفساد المالي والاداري والاقتصادي على نطاق واسع إلى درجة اعتبرت منظمة الشفافية الدولية العراق من بين الدول الأكثر فسادا في العالم. والفساد يعيق تحقيق التنمية الاقتصادية - الاجتماعية في العراق والفساد منتشر في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

8) الأحزاب المتنفذة الحاكمة لها الوظائف والرواتب العالية حتى بدون عمل.

9) تضخم ثروات المسؤولين ولعب ابنائهم بالملايين بعد ان كانوا فقراء.

10)  أفق مسدود واحباط اغلبية مسحوقة من الشباب مع سرقة احلام الشباب.

11)  شعور الغالبية من السكان بالاغتراب والاحساس بعدم الانتماء للوطن.

12)  السياسة الطائفية والمحاصصاتية التي تشعر الآخرين بالغبن وعدم المساواة.

13)  سوء الادارة وتجاهل الحكومات المتعاقبة لاعتصامات حملة الشهادات والشهادات العليا حيث تم رشهم بالماء الحار وإطلاق الرصاص عليهم.

14)  إمتناع الحكومات المتعاقبة عن تقديم برامج لصالح الشعب وانشغالهم بتقاسم خيرات البلاد الوفيرة بين السلطات الثلاث.

15)  عدم القيام بمعالجات آنية ووضع خطط علمية لتأمين مستقبل واعد للشباب.

16)  وفي مجال التعليم فإن كثرة المدارس والجامعات الأهلية قد اثقلت كاهل الأسر العراقية وخاصة ذوي الدخل المحدود.

17)  تدهور التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد والجامعات، وتولي المناصب الإدارية فيها اشخاص جاءوا عن طريق المحاصصة المقيتة ينتمون لأحزاب السلطة ولا يمتلكون الخبرة والكفاءة.

18)  زيادة وعي الشباب الذي جعلهم ينفرون من الطائفية وغياب العدالة الاجتماعية.

19)  انتهاك سيادة القانون وعدم تطبيقه على المتنفذين بالسلطة لا سيما الفاسدين.

20)  انفلات السلاح وتهديده للدولة وللمواطنين على حد سواء.

21)  ومن الأسباب العميقة التي أطلقت شرارة تظاهرات تشرين يكمن في الاحتقان الذي تولد من خلال المظالم والأقصاء والتهميش وكبت الحريات والقمع الأمر الذي أدى إلى تحطيم الثقة بين النظام والمجتمع إلى جانب العوامل الاخرى التي تم ذكرها.

لقد كانت انتفاضة اكتوبر / تشرين الأول 2019 مفاجئة للطبقة السياسية التي كانت تعول دائما على تحكمها بالناس بإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية وبمحاولة اقناعهم يوميا أن الآخر يسعى للانقضاض على حقوقهم ويهدد وجودهم. كما عملت الأحزاب المتنفذة الحاكمة على اختراق صفوف المتظاهرين من اجل تشتيتهم لإفشال التظاهرات.

ومنذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في مدن العراق المختلفة التي تدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد بأنواعه أصبحت بغداد والبصرة والناصرية ومدن المحافظات الجنوبية الأخرى مسرحا لحملة مروعة من الاغتيالات التي طالت النشطاء. ولحد الآن لم يحاسب أحد على هذه الجرائم الشنيعة. وتركت هذه الاغتيالات تساؤلات بشأن دوافع مرتكبيها والجهات التي تقف خلفها وظروفها التي تبدو أنها منظمة ومنسقة لا تأبه لردود الأفعال القوية المنددة بها على الصعيد الدولي والداخلي.

لقد حول المتنفذون في السلطة العراق إلى بلد طارد للإبداع والكفاءات نجم عنه شعور الملايين من العراقيين بالحرمان من حقهم المشروع بالوطن لذا رفعوا شعار (نريد وطن).

وكان ذلك الحرمان لملايين العراقيين في ظل رفاهية خيالية للقلة الحاكمة وفقر قاس للملايين من أبناء الشعب العراقي.

إن كل هذه الأسباب وغيرها المتراكمة منذ التغيير في 2003 وحتى ما قبلها قد أطلقت شرارة التظاهرات نتيجة الاحتقان الذي تولد من خلال المظالم والاقصاء والتهميش وكبت الحريات والقمع وتفشي الفساد وسوء الادارة والتخطيط والبطالة وغيرها.

لقد أجبرت التظاهرات الشعبية في تشرين حكومة عبد المهدي على الاستقالة بعد أن واجهت المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي.

وبهذا الصدد يمكن تحديد أهم ايجابيات انتفاضة تشرين بما يأتي: -

1) إحياء الشعور بالانتماء للعراق بشعاراتها (نريد وطن) وإعادة الهوية الوطنية التي تراجعت بسبب الطائفية والمحاصصة التي أشاعت هويات فرعية قاتلة.

2) إحياء الشعور عند المواطن بأن الوطن للجميع بشعارها (نازل آخذ حقي).

3) كسر حاجز الخوف من السلطة وإشاعة روح التحدي ضد حكومة وصف رئيسها بأنه قاتل.

4) فضح عمالة وخيانة وضعف المسؤولين الرئيسيين في الدولة العراقية.

5) فضح تدخل دول الجوار بالشأن العراقي.

6) إحياء قيم أخلاقية أصيلة استهدفتها الحكومات المتعاقبة بتحويلها الفساد من فعل كان يعد خزيا إلى شطارة.

وكان من أبرز سلبيات انتفاضة تشرين هو عدم وجود قيادة موحدة للانتفاضة.

لم تحقق السلطات الحاكمة ولم تستجب لمطالب المنتفضين المشروعة في ظل الاستمرار في تردي الخدمات واستشراء الفساد وغياب التنمية والعدالة الاجتماعية واستمرار السلاح المنفلت وعدم الكشف عن قتلة المتظاهرين وغيرها من المطالب.

لقد جاءت انتفاضة تشرين انطلاقا من المطالب الحياتية والخدمية والاقتصادية. وان المطالب الشعبية لا يعبر عنها فقط من نزلوا إلى ساحات الاحتجاج في تشرين الأول 2019 والذي بلغت أعدادهم مئات الآلاف، وانما هناك اضعافهم من المواطنين الذين يرفعون ايضا مطالب المنتفضين. وهكذا فإن التغيير بات ضرورة ملحة.

لقد كشفت انتفاضة تشرين 2019 عورات النظام ومآرب المتنفذين واستقتالهم في الحفاظ على امتيازاتهم ومناصبهم وسعيهم المحموم لقمع الانتفاضة الشعبية واجهاضها خلافا للدستور العراقي المركون على الرف. ويبقى شعار المنتفضين (نريد وطن) قائما، وطن خال من الظلم والتعسف والقتل، وطن خال من الطائفية والمحاصصة والفساد، وطن يسوده القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة.

فإلى “ التغيير.. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية “ ....