أتمنى لو أن تعييني كان في مكان آخر.. عبارة ترد كثيرًا على لسان الأكاديميات العراقيات حتى تحولت إلى نسق شائع وسياق متّبع! تعبيرًا عن الضغوطات، والإسقاطات، التي لانهاية لها، نتيجة الثقافة الذكورية في المجتمع، ونظرته الفحولية إلى المرأة، كأنها فريسة وموضوع شيق بأفواه الآخرين.. سأعرض، هنا مثالا حيا يحدث في الجامعات العراقية بصورة عامة طبعا، ومن المعيب أن أرويه، ونحن في القرن الحادي والعشرين!!، وهو أن أغلب الأكاديميات بفعل عملهن مع زملائهن في القسم أو الجامعة بصورة كلّية، إن وقفت مع أحد زملائها ليتحدثوا في موضوع ما، فإنها سرعان ما تشعر المرأة حينها وكأنها مرتدية (space Mask) من رهبة النظرات تجاهها! إنها تجرأت على (الأًصول) وأحلّت شرعية نقدها، إذ كان عليها إلّا تعرض نفسها لـلغيبة، وهي (حُرْمة) ويجب ألّا تنسى أنها بشوارب الخيرين!! لذا سرعان ما تأتيها النصائح، بأن فلانًا شخص غير مهذب، ولديه سوابق غير أخلاقية، واحذري من التواصل معه، ولكنها مدركة تمامًا بأن العمل الذي بينهما يخص بحثا أو مقالا أو موضوعًا يخص أحد الطلبة، وما إلى ذلك من الموضوعات المشروعة الطبيعية بين جنس البشر ( الأكاديميين) وزملاء العمل ( المثقفين )، والدهشة هنا أن الناصح هو نفسه الصديق داخل الحرم الجامعي للمنصوح منه !
حقًا بات الفضاء الجامعي غريبًا جدا، فهو يضع المرأة في موضع الفريسة، حتى تضطر بعض النساء إلى عدم الاهتمام بأناقتها وأتكيتها بسبب النظرات القاسية من الأغلبية؛ والمخزي هنا نحن في حرم جامعي!! لنتذكر – جيّدًا- كيف أن مؤسسة دينية ليست حكومية ولا ارتباط لها في الجامعات، قد قدّمت هدايا تكريمية للطالبات والتدريسيات اللواتي يرتدين النقاب والعباءة الإسلامية الشعبية السوداء! كل هذا في الجامعة التي يتخرج فيها (العقل).. والسخرية تكمن حين تضطر بعض النسوة إلى الإعلان بأنها مخطوبة أو متزوجة لتتخلص من الازعاج والتطفل الصباحي والمسائي؛ والأمر الأهم أن دخول المرأة إلى المجال الأكاديمي لم يكن سهلا، إذ واجهت وتواجه العديد من التحديات، خاصة في مجتمع ذي طابع ذكوري، يُرقّع ديمقراطيته ومدنيته بشق الأنفس كي يعكس صورة إيجابية عن دولته، وما قانون ( الكوتة ) بتمثيل المرأة في البرلمان العراقي إلا واحد من تلك القوانين الترقيعية الزائفة، حيث ليس لـ ( الحرمة ) حلال سياسي ولا إداري، ومن هنا انعكس هذا النسق الترقيعي في الجامعات والكليات، فعلى الرغم من ( كثرة ) الأكاديميات وتوازن ( عددهن ) إلّا أنه لا شأن لهن في صياغة القرار الجامعي أو الاستشارة العلمية، إلا ما ندر طبعا.
لا شك في أن الواقع السلبي، نوعًا ما، للأكاديمية العراقية الجديدة لا تتحمل الجامعة وحدها وزره ووزر من عمل به؛ وإنما يتعلق الأمر بطبيعة المجتمع وفضائه الثقافي العام وبنية العقل العربي والديني، ومن ثم فهي رواسب مجتمعية متراكمة.. فالأكاديمية مهما علا شأنها ورفعت مكانتها العلمية، فهي في نهاية المطاف (زوجة) ومن الصعوبة أن توازن بين العمل الأكاديمي والعمل الأسري، فمع كل محاضرة تقدمها ينتظرها زوج تقدم له (الطاعة) ومع كل بحث تكتبه مواد تطبخها.. يجب عليها أن توازن بين وظائفها المتعددة: الزوجة، الأم، المربية، الأكاديمية وإياها إن قصرت في وظيفة من وظائفها! ولكن هل تنطبق هذه النظرة النسقية على العلاقة الزوجية المبنية على الاحترام والتكافؤ والحب والتوافق والانسجام ؟ إن المرأة الأكاديمية التي حالفها الحظ بعلاقة زوجية مبنية على الاحترام والتناغم العقلي والسيكولوجي ستكون قادرة على التوازن بين أعمالها الأسرية والأكاديمية وكأن طبيعتها البايولوجية مؤهلة لأداء أكثر من وظيفة في آن واحد، فجسدها الذي يتمدد ويتقلص استجابة للحمل هو في نفس الكائن القادر على التمدد والتقلص استجابة للظرفية المحددة والمتغيرة. إنها ألوان مختلفة ترسم صور واحدة اسمها (الحياة).
وعلى الرغم من كفاءتها - في مجال عملها الوظيفي- لكنها تواجه صعوبة في الحصول على مناصب قيادية كما هي الحال بأغلب جامعاتنا ومؤسساتها فالقيادة ذكورية، يجب أن تكون ذكورية؛ عيب على الرجل أن تقوده ( المرأة ) فثلما لا يحق لها أن تكون إمام صلاة كذلك لا يحق لها أن تكون إمام قرار! ؛ أعتقد أن وجود المرأة في المجال الأكاديمي ضرورة ثقافية مُلحّة، ولابد من دعمها وتمكينها لتكون قادرة على تحقيق إنجازاتها، ليس فقط لأنها تستحق الفرص المتساوية، ولكن لأن المجتمع بأكمله سيستفيد من مساهماتها العلمية والفكرية وبالتالي هي نصف المجتمع وجزء لا يتجزأ منه بكل المجالات: الأكاديمية والاجتماعية والأسرية. ولا ننسى المهندسة المعمارية ( زها حديد ) عندما تحدثت عن فرصتها في العراق بنبرة تعكس الألم والإحباط في العديد من مقابلاتها التلفزيونية والصحفية؛ حيث أشارت إلى أن العراق لم يمنحها الفرصة لتصميم أو تنفيذ مشاريع هناك رغم أنها كانت دائمة فخورة بجذورها العراقية ورغبتها في الإسهام في إعادة بناء وطنها!! لأنها (الدجاجة التي صاحت صياح الديك) ولابد من ذبحها!