اخر الاخبار

على الرغم من اعتماد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 سيداو (CEDAW) وهي معاهدة دولية تهدف إلى حماية حقوق المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين وبدأ العمل بها في 3 سبتمبر 1981 بعد ان وقع وصادق عليها أكثر من 189 دولة مع وجود بعض التحفظات والاعتراضات من قبل بعض الدول للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتشمل ٣٢ بندا والتي تهدف لتحقيق الاعتراف بالحقوق الكاملة للمرأة. 

ومن الجدير بالذكر أن إحدى بنود هذه الاتفاقية وهي المادة الثامنة تضمن للمرأة فرصا متساوية لتمثيل حكوماتها على المستوى الدولي والتي تنص على:

1- تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين في التشريعات المحلية.

2- إلغاء جميع الأحكام التمييزية في القوانين.

3- سن تشريعات جديدة لحماية المرأة من التمييز.

4- إنشاء محاكم ومؤسسات لضمان الحماية الفعالة للمرأة.

5- اتخاذ خطوات للقضاء على التمييز الممارس من قبل الأفراد والمنظمات والمؤسسات.

ولكن بالرغم من كل الاتفاقيات الدولية الرامية لحقوق الانسان، الا أن جريمة العنف على أساس الجنس قائمة وصادمة على المستوى العالمي بشكل عام وعلى الدول ذات الأنظمة المتخلفة بشكل خاص. حيث لا يزل العنف ضد النساء والفتيات أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في العالم. إن تقارير الأمم المتحدة وحقوق الانسان تفضي إلى ان ما يقارب واحدة من كل ثلاث نساء تعرضت للعنف الجسدي او الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها.  إن جرائم العنف لا تتوقف عند هذا الحد بل تتفاقم وتتسع ووصلت إلى جرائم القتل والتصفية الجسدية للنسوة. اذ تشير الإحصائيات العالمية في سنة 2023 إلى 51100 امرأة وقعت ضحية العنف القائم على النوع الاجتماعي، جرى قتلهن على يد الشريك أو أيّ من أعضاء عوائلهن بمعدل امرأة تقتل كل عشر دقائق.

لذا تم إطلاق مبادرة "اتحدوا" لإنهاء العنف ضد المرأة في عام 2008 تحت قيادة الأمين العام للأمم المتحدة وهي جهد دؤوب لعدة سنوات للقضاء على العنف ضد النساء والأطفال في جميع أنحاء العالم والتي تقودها منظمات مختلفة وعلى رأسها منظمات المجتمع المدني حول العالم. وتستمر هذه الحملة 16 يوما ابتداء من يوم ٢٥ تشرين الثاني ولمدة 16 يوما وتنتهي في 10 كانون أول، والذي يصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لمواجهة الوباء العالمي للعنف ضد النساء والفتيات. وقد اختير يوم 25 تشرين الثاني لتخليد للذكرى السنوية لاغتيال الأخوات ميرابال، ثلاث ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان في عام 1960 على يد الدكتاتور رافائيل تروخيو.

يمثل العنف ضد النساء في العراق عاملا رئيسيا للتحديات التي تواجه النهوض وتحسين واقع المرأة وتمكينها. ومن أسبابه غياب الوعي والفهم المعمق بحقوق المرأة وانسانيتها، صناع القرار السياسي بخلفياتهم الأبوية المتخلفة الموروثة لمناهضة العنف ضد المرأة، الأعراف العشائرية وتغلغلها في المنظومة القانونية، ساهمت في ارتفاع مستويات العنف الجسدي والجنسي والسعي المستمر إلى السلب والقضاء على ما تبقى من حقوق المرأة القليلة.

ومن الجدير بالذكر ان العراق وقع وصادق على مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تلزمه بتنفيذها مثل:

- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) بالقانون رقم 66 لسنة 1986 في 28 حزيران، وقد قدم تقريره الأول عام 1989، كما قدم تقريريه الدوريين الثاني والثالث في شهر آب/أغسطس عام 1998 ونوقشا في حزيران/يونيو من عام 2000.

- اتفاقية حقوق الطفل: صادق العراق على هذه الاتفاقية في حزيران/يونيو 1994.

- اتفاقية الحد الأدنى لسن العمل رقم 1973/138 لسنة 1985.

- اتفاقية القضاء على أسوأ أشكال عمل الاطفال رقم 1999/182 سنة 2001.       

- اتفاقيات حقوق الإنسان العامة.

- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياس ي 1971.

- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1971.

- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية.

- بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال سنة 2009.

ولكن رغم كل هذه الاتفاقيات التي وقع وصادق عليها العراق طواعيةً، هناك تحركاً مسعوراً يمثل مخالفة صريحةً لهذه الاتفاقيات بشكل عام وللدستور العراقي بشكل خاص. حيث أن (المادة (14) تنص على - العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) وذلك بالسعي إلى ما يسمى بتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959. والذي يتعكز على المادة (41) من الدستور العراقي وهي مادة خلافية لا يُمكن تشريع أي قانون بناء عليها يخالف الدستور العراقي. هذه التعديلات تهدد الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين العراقيين، خاصة النساء والأطفال، وتتنافى مع المعايير الوطنية والدولية لحقوق الإنسان.

المخاوف الرئيسية من هذا التعديل

زواج الأطفال: الاقتراح بخفض سن الزواج القانوني إلى 9 سنوات يقوض قوانين حماية الأطفال والالتزامات الدولية، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل (1990). هذا التغيير يعرض الفتيات الصغيرات للاستغلال والإساءة، ويضر بصحتهن الجسدية والنفسية إلى جانب حرمانهن من التعليم.

التراجع في حقوق المرأة: السماح بتطبيق التشريعات الدينية في مسائل الأحوال الشخصية قد يؤدي إلى ممارسات تمييزية في الزواج والطلاق والميراث، مما يقوض التقدم المحرز نحو تحقيق المساواة بين الجنسين.

حرمان الأم من حقوق الحضانة: التعديلات المقترحة تحرم الأم من حقها في حضانة أطفالها، وهو حق تدعمه الاتفاقيات الدولية والتعاليم الدينية، مما يقوض دورها المهم في التربية.

حقوق الميراث: تقترح التعديلات حرمان النساء من نصيبهن العادل في الميراث، مما ينتهك مبادئ العدالة والمساواة.

التقسيمات الطائفية: السماح للطوائف والمذاهب الدينية المختلفة بتطبيق قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بها مما يعرض العائلة للخطر ويعمل على تعميق الانقسامات الطائفية في المجتمع العراقي وتغييب النظام القانوني، مما يهدد الوحدة الوطنية والمساواة أمام القانون.

المماطلة في تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، بالرغم من حملات منظمات المجتمع المدني والداعية لتشريع هذا القانون ولعدة سنوات، حيث لايزال العنف الأسري يشكل خطرا كبيرا يواجه النساء والفتيات في العراق في ظل المادة ٤١ /أ من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩، التي منحت حق تأديب الزوجة والأولاد.

وبمناسبة يوم 25 تشرين الثاني اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء، نطالب البرلمان العراقي برفض هذه التعديلات لقانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188 لسنة 1959، حيث تشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق النساء والأطفال وتقوض مبادئ العدالة والمساواة. وندعو جميع القادة السياسيين والمثقفين من أبناء شعبنا نساء ورجال والمؤسسات الدينية من كافة الطوائف والمذاهب إلى الاتحاد في معارضة هذه التعديلات والدفاع بكل قوانا لحماية حقوق الإنسان الأساسية.

عرض مقالات: