اخر الاخبار

ولد أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي، المعروف بابن رشد الحفيد في قرطبة عام 1126، ورحل في مراكش عام 1189، تاركاً في ثقافة العصر الذي عاشه، وفي المدن التي تنقل بينها، بصمة لا تزال آثارها واضحة إلى يومنا هذا، إلى درجة وصفه فيها كل من تتبع حياته وفكره وكتب عنهما بأنه قمة الفكر العالمي في أي زمان ومكان. ضمن هذا الإطار، يندرج كتاب “ابن رشد: سيرة فكرية” للمتخصص في الثقافة والفكر العربي الإسلامي، المترجم والكاتب الإسباني خوان أنطونيو باتشيكو (1948)، والذي صدرت طبعته العربية مؤخراً عن دار “ذات السلاسل”، بترجمة عن الإسبانية قام بها أحمد عبد اللطيف.

يهدف الكتاب، كما يوضح مؤلّفه، إلى تتبع مشروع ابن رشد الفكري، ومعرفة من هو، وماذا كان يفكر، وقراءة فكره قراءة معاصرة، لمعرفة ما إن كان لا يزال صالحاً في عصرنا الراهن، رابطا بين سياقه التاريخي والسياسي والثقافي، والسياق التاريخي والسياسي والثقافي الحالي.

وأمام الحدود الكرونولوجية التي تنغلق فيها حياة لا نعرف عنها إلا بعض المعلومات، والمؤشرات، والأجزاء، والمراجع اللا مباشرة، التي دونها معاصرو ابن رشد عن حياته، والتي تقتصر على مولده، وتحصيله مجالات العلوم المختلفة كالقانون واللاهوت والطب والأدب والفلسفة والعلوم الطبيعة، وصدقاته وعداواته، والفرضيات القائمة حول علاقته الإشكالية مع السلطة، ومحاكمته ونفيه وفاته في مراكش، ثم نقل جثمانه إلى قرطبة حيث تم دفنه، يقترح المؤلف الغوص في كتابات ابن رشد التي بلغ عددها 92 مؤلّفاً، لمعرفة فحوى فكر وفلسفة واحد من أكثر الشخصيات إثارة للاهتمام في الثقافة الأندلسية، وأحد أبرز أعلام الفكر الفلسفي في العالم الإسلامي.

ينطلق المؤلف من المقولة الشهيرة المردّدة في الغرب، وهي “الطبيعة فسّرها أرسطو، وأرسطو فسّره ابن رشد”، في إشارة إلى الدور الذي لعبه في نقل المعرفة الأرسطية والفلسفة اليونانية الكلاسيكية إلى الغرب اللاتيني في العصور الوسطى، لكن الفلاسفة المسلمون، وخصوصاً ابن رشد، لم يكونوا مجرد ناقلين فحسب، أو مقلدين حرفيين لفلاسفة اليونان، بل إنهم وجهوا أفكارهم وأنظمتهم الفكرية بالاتفاق مع معاييرهم الخاصة وانشغالا بأسئلة تولدت من داخلهم، تتشابك بشكل رئيس مع أسئلة النص القرآني، ومع أسئلة العقل. ثم ينتقل الكاتب ليبين الدور الذي لعبه ابن رشد في الغرب، عندما ترجمت كتبه إلى اللاتينية ومن ثم تم نقلها إلى أوروبا، وكيف كان يستشهد بها كثيراً إلى درجة أنها تغلغلت في الغرب اللاتيني إلى الكامل، حيث لاقت أفكاره اهتمام الفلاسفة الغربيين الذين كانوا يبحثون آنذاك عن الفكر العقلاني الحر ليواجهوا به المد اللاهوتي المسيحي المهيمن على كامل الحياة السياسية والاجتماعية في بلادهم، في العصور الوسطى المظلمة. ليس كتاب “ابن رشد” مجرد عرض سيرة حياتية وفكرية، إنه محاولة لربط السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية ببعضها من خلال أفكاره العقلانية، كما هو محاولة لفهم ماهية الأندلس وما مثلته من ثورة علمية وحضارية وفكرية وثقافية وتعايشية. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“العربي الجديد” – 18 تشرين الأول 2024

عرض مقالات: