اخر الاخبار

قال الرفيق جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي سابقاً، إن “الحزب الذي أنجب الشهيد سعدون وثقفه ووفر له امكانيات النجاح والقيادة، هو حزب أنجب وسينجب قيادات ورفاق وكوادر يحملون الراية التي لم ولن تسقط أبداً وستبقى خفاقة من أجل الوطن الحر والشعب السعيد”.

وشدد على أن الشهيد سعدون قام بدور تربوي وتنظيمي وتثقيفي، وساهم في بناء منظمات الحزب التي حملت الراية بقيم الكرامة والعدالة الاجتماعية والنزاهة والبطولة وعدم الانحناء والتنازل أمام المستبدين والطغاة.

جاء ذلك في حديث للرفيق جاسم الحلفي لـ “طريق الشعب” ضمن إعدادها لفيلم وثائقي في مناسبة الذكرى العشرين لاستشهاد الرفيق وضاح عبد الأمير حسن (سعدون) ورفاقه نوزاد توفيق وحسيب مصطفى حسن في عملية جبانة من قبل أيتام البعث المتعاونين مع الإرهاب.

العلاقة مع الشهيد سعدون

وتحدث الحلفي لـ “طريق الشعب” عن علاقته بالشهيد سعدون حيث قال: كانت أعمارنا متقاربة وكنا آنذاك من أصغر الشيوعيين الملتحقين بحركة الأنصار في كردستان، مع أن أعمارنا صغيرة نسبة إلى الرفاق الأكبر منا والقياديين المتقدمين حزبياً، وكان لدى قسم منهم تجربة في حركة الأنصار السابقة، مع ذلك لم يكن هذا الفارق العمري عائقاً امامنا، وجعلنا نتحمل مسؤوليات قيادية في حركة الأنصار كقادة للفصائل والسرايا، وهذه مواقع متقدمة نسبة إلى عمرنا وتجربتنا وحداثة التحاقنا بالحركة الأنصارية.

مضيفاً، ان “من أسباب ذلك، هو الامكانية والقدرة القيادية والحضور المستمر” مشيراً إلى “أسماء رفاق آخرين من قاطع أربيل لحركة الأنصار من بينهم محمد الحلاق وملازم هزار وأبو أحرار، مع أسماء أخرى كثيرة لا أريد أن أنساها، إلى جانب رفاق آخرين من قاطع السلمانية وكركوك وقاطع بهدنان.

ويضيف، أن “العلاقة التي نشأت مع الشهيد سعدون لم تكن في بداية الأمر عن طريق اللقاء او التواصل، انما عن طريق تداول المعلومات بين المفارز وحركة الأنصار نتيجة النشاطات التي كان كلاً منا يقوم بها في جانب معين من جوانب الحركة، لذلك كنا نعرف بعضنا الآخر دون أن نلتقي. وتابع، اللقاء الأول مع الشهيد حين كان آمر فصيل (شقولكة) وهي أحد المداخل إلى منطقة بشتاشان، في حين كنت أنا آمر فصيل المكتب السياسي والعسكري، وهذا الموقع بالنسبة لصغر سني كبير ومهم جداً، وحين انتقلنا من منطقة (ناوزنك) إلى (بشتاشان)، وهو الفصيل الذي بقينا فيه بعد رحلة طويلة من المشي هو فصيل شقولكة، الذي استقبلنا فيه الشهيد سعدون ورفاقه في الفصيل، بشغف ومودة وحب، وحينها لم يسمحوا لنا بإكمال المشوار الا بعد المبيت عندهم في ألفة ومحبة.

وأكد الحلفي، ان “الشهيد سعدون دخل قلبه مباشرة في اللقاء الأول وتعززت المحبة والعلاقة الطيبة والصداقة القوية، لكنننا لم نتواصل كثيراً في ذلك الوقت كون لكل منا مهمة أنصارية في أماكن بعيدة، وكانت اللقاءات تحدث عن طريق الصدفة وظلت صداقتنا قوية وفيها مودة كبيرة. “ وتابع” أصحبت في ذلك الوقت مسؤولاً عن فصيل (پولّي) وهي المدخل الثاني لمنطقة بشتاشان” مستدركاً في حديثه عن معركة بشتاشان، بالقول: لم تتمكن قوات الاتحاد الوطني الكردستاني من النفاذ لا من مدخل (شقولكة) الموجود فيها الرفيق سعدون ولا(پولّي) التي كنت اتواجد فيها، بل على العكس قدموا من الخلف حيث حدث الاختراق.

معارك الشهيد سعدون ونضاله

وينتقل الرفيق جاسم الحلفي إلى مرحلة أخرى من صداقته بالشهيد سعدون حيث قال: لاحقاً عمل الرفيق سعدون في منطقة (شقلاوة) وأصبح مسؤول سرية خوشناوتي، وأنا مسؤول منطقة (قره چوغ) وسهل أربيل إلى جانب رفاق أخرين، وتميزت تلك المدة بالقيام بعمليات نوعية تميزنا فيها سوية، ومن الأمثلة على ذلك، ساهمت مع رفاقي في الفوج الخامس، في السيطرة على  جامعة صلاح الدين داخل أربيل بدون إطلاق رصاصة واحدة، فيما تمكن الرفيق سعدون ورفاقه من الدخول إلى قضاء (شقلاوة) وسيطروا على القائمقامية، مما جلعنا ننشد إلى طريقة تفكير الآخر والقيادة للعملية والتخطيط لها، وبالتالي لا يمكن لأحد ان يتصور العلاقة التي نشأت بيننا وعمقها.

 ويضيف، “بعد جريمة الأنفال وانتهاء الحرب العراقية - الايرانية انتهت الحركة الأنصارية، مما اضطر الرفاق إلى الانسحاب عبر مجاميع إلى إيران وتركيا وقسم منهم إلى سورياً، ولم يبق في الداخل كما أذكر سوى 10 رفاق أنصار، وكان لدينا إصرار وروح ثورية، وكنا نرى ضرورة اسقاط النظام ورفع راية الحزب الشيوعي العراقي في بغداد. بعد عمليات الأنفال والملاحقات التي حدثت للأنصار الشيوعيين والتي لا يتسع المجال للحديث عن تفاصيلها، لم نذهب إلى خارج العراق، انما اتفقنا إلى النزول إلى بغداد، وهنا كان علينا ان نغير طريقة التعامل مع هذه الخطوة، اذ كنا في السهل ومعنا أسلحة متنوعة، فكان علينا تغيير الملابس الكردية في ريف كردستان وكنا نخطط لنكون مناضلين داخل المدينة”.

واستمر في حديثه بالقول: كنا نحن الاثنين نقرأ عن الحركة الثورية وتجاربها سواء في أمريكا اللاتينية وغيرها، وحينها تركنا السلاح ونزلنا إلى المدن، وهنا تطول القصة بخصوص كيفية دخولنا لمدينة أربيل أول مرة، فكان في استقبالي الشهيد سعدون في بيت سري حزبي، وصرنا نعمل سوياً هناك ولاحقاً قمنا مع مجموعة صغيرة من الرفاق بعملية سريعة نوعية وكبيرة، حيث كنا نحتاج إلى وثائق لتزويرها وكذلك طابعة، فقمنا بالسيطرة على مركز شباب عينكاوه وتمكنا من الاستحواذ على هويات وأمور لوجستية لها فائدة كبيرة في عملنا السري.

النزول إلى بغداد

عن تلك المرحلة المهمة لنضال الأنصار الشيوعيين وهي النزول إلى بغداد عام 1989، استذكر الرفيق جاسم الحلفي رغبته بزيارة العائلة التي تركها وهو بعمر 18 سنة، ولم يسمع أخبارهم لمدة طويلة حيث كان يعمل في اليونان لفترة طويلة، وبعد عودته إلى سوريا زاره والده ووالدته، وحينها التحق في الحركة الأنصارية لذلك لم يكن لديه أية معلومة عن أهله، وحين وصلا إلى بغداد، ذهبا إلى المنزل في مدينة الثورة.

ويقول: ذهب الرفيق سعدون إلى المنطقة في سبيل الحصول على معلومات عن العائلة، ولكن الجيران لم يدلوا له باي معلومة من منطلق الحرص والخوف عليّ، لذلك أخبرت الرفيق سعدون انه لا يوجد إلا رجل وهو من الجيران فحاول أن تقنعه، وكان لدى سعدون قدرة على الدخول في القلب وكسب الثقة، واستطاع رغم ان ذلك الرجل كان عنيداً ولم يقبل البوح بأيّ معلومة، ان يسيطر على مشاعره ويكسب ثقته ويتحصل على العنوان الجديد لعائلتي، وذهبنا بالفعل أنا وهو وكان معنا الرفاق (هزار وكاوه وسيار وشوان شقلاوه)، وهنا استقبلتنا العائلة رغم أن الوضع خطير وصعب جداً، وكان ذلك موقفاً بطولياً إذ قدموا لنا ما يستطيعون من دعم لوجستي وتدبير أمكنة للإيواء وكان ذلك كبيرا جداً لنا.. لولا الرفيق سعدون لما استطعت ان أصل إلى بيتنا والتقي بأسرتي.

بعد انتفاضة آذار 1991 عاد الرفيق جاسم الحلفي إلى أربيل بعد ان طلب اللجوء السياسي في السويد، بينما بقي الرفيق سعدون في الداخل لفترة، ضمن مجموعة من الرفاق هم كل من عمر علي الشيخ، عادل حبه، حسان عاكف، وبخشان زنكنه، وأبو حياة وحيدر أبو ذر، وقد انسحبوا بسلام بعد استشعارهم الخطورة على سلامتهم، بعد ترتيب وتنفيذ خطة ذكية ومحكمة. كلف الرفيق الحلفي من قبل الرفيق حميد مجيد موسى مهمة ترتيب الاتصال بسعدون الذي بقي محاصراً بجواسيس السلطة. وتم تأمين الصلة به، وتم وضع خطة أخرى خاصة لتهريبه، ومع أنها كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، تمكّن فريق من الحزب بقيادة الحلفي من سحبه من الداخل وإيصاله بأمان إلى إقليم كردستان. كانت لحظات قاسية وشديدة الخطورة، لكنها عكست العزم والثبات في مواجهة التحديات.

وحال وصوله إلى شقلاوة انغمر الشهيد بالعمل الحزبي، واخذ موقعاً مهماً في الحزب قبل ان يكون قيادياً في اللجنة المركزية، اذ حاز على ثقة الرفاق في المكتب السياسي، وأعطوا له مهمة تدبير الأمور التنظيمية واللوجستية وكان محط اهتمام وثقة. ويضيف الحلفي: في هذه الفترة كنت في أربيل مع الرفيق حيدر الشيخ علي طيب الذكر نعمل معاً في قيادة محلية أربيل، في حين كان الرفيق سعدون في شقلاوة، لذلك كان اللقاء بيننا يومياً وكنا نتبادل الحديث والحوار، وفي تلك المدة حدث انهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي، وحصلت هنا أمور جديدة فكرياً وسياسياً وكانت هناك هزات، لذا كنا في دوامة نقاش وتبادل الآراء والأفكار والقراءات وعرض ما نقرأه على بعضنا.

العودة إلى بغداد

بعد تغيير النظام الدكتاتوري عن طريق الاحتلال، كانت هناك قصة بطولة جديدة للشهيد سعدون، سردها الرفيق جاسم الحلفي لـ”طريق الشعب” بالقول: نزلنا إلى بغداد وحينها كان تنظيم الحزب قد تعرض إلى ضربات قاسية واعتقل الكثير من الرفاق وأجبر آخرون على التخلي عن الحزب، وكان المواطنون يعيشون في ظل الحرب والحصار، وكانت ظروفهم صعبة للغاية، وفور وصولنا إلى بغداد بدأنا بإعادة بناء الحزب ، واتفقنا على إعلان وجوده بكل الوسائل وفرض وجوده العلني، فكنا نعمل سوية كفريق واحد في المركز الحزبي في بغداد، الذي كان فيه الرفيق حميد مجيد موسى والشهيد سعدون والرفاق أبو حياة وأبو نيسان وأبو فلاح وأبو رافد وهشام وأبو فكرت وحيدر مثنى وأبو عوف وماجد وطيب الذكر أبو برافدا وأبو محمد وأنا إلى جانب رفاق آخرين، لإعادة بناء التنظيم والعلاقات، وفي تلك المدة نظمنا عدة فعاليات جماهرية أبرزها الاحتفال بيوم العمال العالمي وذكرى ثوة 14 تموز.

كما تحدث الرفيق الحلفي عن أمور أخرى شخصية تخص علاقته بالشهيد سعدون وأضاف: في بغداد كنا الراحل أبو كفاح وأبو حياة وأنا فريقاً واحداً لا نفترق.

وتابع، إن الأمر الآخر المهم إننا أنا والشهيد سعدون وأبو حياة تزوجنا من فتيات كرديات، أنا وأبو حياة من مدينة أربيل وهو من شقلاوه، وكانت عوائل زوجاتنا لديهم علاقة سابقاً، مما جعلنا قريبين جداً فكان بيت الشهيد سعدون في شقلاوه هو بيتي الآخر، فيما كان بيتي في أربيل هو بيت الشهيد سعدون، فكانت زوجتي اختاً له في الحرص والاهتمام والمودة، وأنا كذلك لزوجته فتحولت العلاقة السياسية والتنظيمية الحزبية إلى علاقة انسانية أخوية ورفقة ومحبة حقيقية، فحتى أولادنا تعلقوا ببعضهم وأصبحوا إخوة.

الاستشهاد

عن ظروف استشهاد الرفيق سعدون، قال الرفيق جاسم الحلفي: ان “الرفاق القياديين في بغداد كان لديهم اجتماع، والغي عقد الاجتماع بسبب توتر الوضع الأمني، في ذلك الظرف الصعب، حيث كان الإرهاب ينشط بصورة كبيرة فكان القتل في الشوارع والتفجيرات في كل مكان، فقلنا في وقتها إن الوضع فيه خطورة مما ينبغي التوقف عن الحركة، وبعد ان اتممنا عملنا في مقر الحزب، خرجنا إلى منطقة الكرادة وجلسنا كل من الشهيد سعدون وأبو حياة وأنا في إحدى الكافتيريات، لاستطلاع الوضع، وهنا أخذتنا موجة ضحك وقلنا لبعضنا: ماذا لو أتى الرفيق أبو داود إلى هنا، سوف يقول لنا لماذا تخرقون قرار الصيانة وعدم التحرك هذه الليلة، يتضح انكم غير مكترثين.  نعم كان الوضع خطير جدا، ولكن كانت رؤيتنا أن الانكفاء هو الأخطر، لذا ينبغي ان ترى بعينك ولا تعتمد في على التقارير والمجسات وانما تحاول الاكتشاف، وكان سعدون كذلك.

وتابع الرفيق أبو أحلام في حديثه عن تلقي خبر فقدان الرفيق الشهيد سعدون: في يوم 13 وكان قبل يوم العيد، وكانت عائلة الشهيد سعدون في شقلاوه، لذا قرر الذهاب لهم، حينها كنا نعمل سوياً وتأخر الوقت كثيرا، فقمنا بنصحه أنا والرفيق أبو حياة بعدم السفر، نظراً لتأخر الوقت، ولكنه تحرك وذهب، وبعد مرور وقت معين، جاء الرفيق صالح ياسر (أبو سعد) مسرعاً، ويحمل هاتفه وقال لي:  هناك شخص يتحدث اللغة الكردية من هاتف الرفيق سعدون ولا أفهم ما يقول، فأخذت هاتفه وتحدثت معه، فقال لي: “انا سائق على الطريق ورفاقكم في الشارع (ميتين)، فقمت بأخذ المعلومات منه أكثر وأخبرني أنه بالقرب من الرفاق في منطقة العظيم”.

وتابع: “كانت ليلة لا يمكن تصور عتمتها ووقع الحزن علينا لفقدان سعدون الذي لم نكن نتصور أن نفقده في هذه اللحظة وهذا الوقت وهو في قمة عطائه وحيويته وفي وقت تجذر علاقتنا معاً وعوائلنا وفي خضم عملنا وانفتاحه وتوسعه، وبناء منظمات الحزب، ان نفقد هذا الرفيق، كان أمراً لا يمكن ان نتخيله، خيم علينا الحزن بمرارة موجعة، ففكرنا أنا والرفيق ابو حياة في الليل، للذهاب إلى موقع الحادثة، ولكن الجميع وقف ضد ذلك، فهو شيء جنوني، أساساً ماذا يمكن ان ترى في الليل، وقوى الإرهاب تسيطر على الشارع عند حلول المساء”.

وختم الرفيق جاسم الحلفي حديثه عن المحنة التي واجهته في تلك اللحظات وهي كيفية إخبار زوجته الرفيقة دنيا أم كفاح التي كانت تنتظر قدومه، فكانت تتصل به باستمرار دون جواب، لأن الهاتف مغلق، اذ كان لديها علم بتحركه ويفترض ان يكون قد وصل، بعد ذلك اتصلت بي للاستفسار عنه، وكررت اتصالاتها لي وللرفيق أبو حياة، لم نكن نعرف بماذا نجيبها، في هذه الليلة، وعن هذا الحدث المفاجئ، كان هذا أصعب شيء يواجهني، فطلبت منها الحديث مع والدها فتحدثت معه عن وقوع الحادثة لتخفيف الصدمة، وأننا بانتظار معرفة مصير الرفيق سعدون ومرافقيه، ، وهنا اتصلت بي الرفيقة أم كفاح وهي تبكي بشكل هستيري على زوجها وحبيبها.

وتابع، في فجر اليوم الثاني ذهبنا هناك ووجدنا جثة الشهيد موجودة مع رفاقه، من الصعب علينا أن نهضم أن هذا الرفيق المقدام البطل والصديق، قد أخذه الموت منا بهذه الطريقة المفاجئة والسريعة ونحن في أمس الحاجة له، ليس من الجانب الحزبي فقط، بل الجانب الشخصي والإنساني كصديق ورفيق، فقد ارتبطنا بأسمى العلاقات.. كنا نتبارى أمام الموت من أجل هذه القضية العادلة.