اخر الاخبار

تبرز اليوم كثير  من التساؤلات المهمة جدا وفي صور الأحداث الدرامتيكية، التي تعصف بالشعب العراقي المبتلى عن كيفية تلبية مطالب العدالة الانتقالية في العراق، وإبعاد الضرر عن مجتمعنا الذي عانى ويعاني انتهاكات لا مثيل لها في مجال حقوق الإنسان، تحت وطأة الأحزاب المتنفذة والطغاة والدكتاتوريات البغيضة، إن مبدأ العدالة الاجتماعية والقوانين الانتقالية هي من أهم مطالب الشعب العراقي، وهي أحد أهم الفقرات التي نادى  الإعلان الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، ومن بين أهم الأهداف الأخرى هي العدالة الانتقالية الاعتراف بالانتهاكات الدستورية، ومعالجة كل المظالم التي تعرض لها الشعب العراقي والتي لا حصر لها.

  لقد مرت أغلب شعوب العالم  وخاصة بلدان العالم الثالث بانتهاكات كثيرة، كما مرت  بتجارب العدالة الانتقالية التي تمثلت بالانتقال من الحكم الدكتاتوري الشمولي السلطوي  إلى الحكم الديمقراطي، ومن هذه التجارب في الوطن العربي مصر والعراق وتونس والجزائر وغيرها، وفي العراق تعرض شعبنا  إلى أشرس  حكم  شوفيني دكتاتوري  بغيض، تسلط  على صدور أبناء شعبنا العراقي لأكثر من ثلاثة عقود، غيبت فيها  أبسط مقومات الحياة الانسانية والعيش الرغيد، والتمتع بأبسط الحقوق والواجبات التي أقرتها المواثيق، والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان المدنية، والتي كفلتها كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.

إن قوانين العدالة الانتقالية لا ولن تكتمل إلا بقوانين وطنية، بحيث تمتلك العملية سلطات وطنية محلية، تشارك في تصميمها وتنفيذها أياد نظيفة، تعتمد على فهم التركة وإرث الماضي ورؤية مستقبلية المشتركة، وأن تكون محورية تعترف العملية بأهمية الضحايا ووضعهم الخاص، عند تصميم عمليات العدالة الانتقالية وتنفيذها، وتحترم كرامتهم وآراءهم وأولوياتهم واهتماماتهم بالكامل.

كما يجب أن تضمن قوانين العدالة الانتقالية مشاركة الجماهير الفعالة، فضلا عن التشاور مع أصحاب العلاقة وأبناء المجتمع المتضررين، لغرض التغيير في تحقيق تحوّل ديمقراطي سلمي يلبي المصالحة العامة، وبهذا نحقّق تحوّلًا جذريا مجتمعيًا من خلال تلبية احتياجات الجهات المستفيدة، ومعالجة الانتهاكات وأسبابها والوقوق بوجه انتهاكات حقوق الإنسان المتعددة، التي تهدّد السلم والأمن الاهلي، وأهمية مشاركة فاعلة لمنظمات المجتمع المدني في صنع القرار.

إن عمليات العدالة الانتقالية يجب ان ترتبط بالسلام الدائم، وبشكل وثيق وكذلك بالعدالة والتنمية فضلا عن احترام حقوق الإنسان، وتحقيقًا لتوثيق هذه الغاية النبيلة، يجب أن تكون كل إجراءات عملية انتقال العدالة وطنية بامتياز، وأن تهتم باحتياجات المجتمع وأصحاب العلاقة وبأفضل الاساليب الممكنة، فتساهم في تحقيق السلام الاهلي دائم.

إن هدف العدالة الانتقاليّة في العراق هو  استجابة للمجتمعات الانسانية، لمخلفات الانتهاكات الكبيرة والصّارخة التي وقعت ضد حقوق الإنسان، وهي اقرار بجرائم الماضي وكيفية التصدي لها من قبل الشعب العراقي والمسؤولين والقادة، والتأكيد على  حتميّة أن لّا تُرتكب أعمال إرهاب وعنف وانتهاكات مختلفة لحقوق الإنسان مستقبلا، ولأن مسيرة الإنسان والمجتمعات مسيرة شاقة طويلةٌ، ودائما ما تكون محفوفة بالمخاطر والتّحديات، في قطاعات المُجتمع كافّة، فيجب على العدالة الانتقاليّة أن تركز جل اهتماها على حقوق وكرامة الانسان، بوصفه مواطنا له حقوق وواجبات، وان تسعى إلى مُحاسبة الاشخاص الذين تسببوا بالأضرار والانتهاكات وتحقيق الإنصاف، ودائما ما تضع العدالة الانتقاليّة الضّحايا نصب اعينها، وتُولِي كأولوية كرامة الانسان القُصوى، وهي أشبه بعقدٍ اجتماعيّ انساني جديدٍ يشملُ أبناء الشعب جميعهم، دون تفريق بين الأجناس ،والألوان، والأهواء، والانتماءات مع ما يحفظُ حقوقَ كُلٍّ منهم.

تضمُّ العدالة الانتقاليّة الأشخاص الّذين هدفهم معالجة إرث الفظائع  الإجرامية الشّنيعة، وكشف حقيقة ما جرى وأسبابه وتحديد مصير  المضيعين والمُعتقلينَ قسرًا، ومُحاسبة الجناة أفراد وحكومات السابقة واللاحقة، لغرض جبر ذوي الضحايا وخواطرهم، وقد تكون على  عدة أشكالً منها الرواتب، والتعويض الماليّ، واسترجاع المُمتلكات المسروقة قصرا، أو استرداد حقوق الأشخاص المدنية والاجتماعية والسّياسيّة، فضلا  على التعليم والرّعاية الصّحية، الاعتراف المعنوي للضّحايا بالاعتداءات الّتي قاسُوها تخليدِا لهم منفردةً أو مجتمعةً، مع التأكيد على مساعي المجتمع في الانتقالِ من النّزاع والاحتراب إلى السّلام المجتمعي، وأن لا عودة للحكم الاستبدادي والانتقال إلى الدّيمقراطيّة، والتأكيد أيضا أنه لا يمكن الإفلات من العقاب، وان لا عودة الى التهميش و التمييز  المُمَنهَجيْن مرة اخرى.

لكنَّ تنفيذ العمليّات هذه صعبٌ وقد يستغرق سنواتٍ طوالا، ولعلَّ التّحدّي المُشترك بينها يكمنُ في كيفيّة تحديد الخطوات، وتنظيم تسلسلها أمّام التحدّي، والأمر الآخر فهو الحفاظ على زخمِ الانطلاقةِ وطاقتها وتفاؤلها، إن السّعي إلى المضيّ في العمليات الّتي قد يستغرقُ إنجازها وقتًا طويلًا، وأن طريق العدالة الانتقالية طريق شائك وأن المسيرِ على هذا الدّربِ، يعني قطع مسافة ليست سهلة، فهي تعتمد على الجهود الدّؤوبة والحثيثة المبذولة وعلى مدى التعاونِ الحاصل بين الأطراف المعنية، بدءًا من المؤسسات  الحكوميّة والسّياسيين، مرورًا بالضّحايا  أصحاب الشأن وبمنظمات المُجتمع المدني، وصولًا إلى الافراد العاديين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدير عام تربية محافظة ديالى الأسبق