في العراق، تعاني المدارس المهنية والمعاهد الفنية من عزوف المجتمع عن تقبلها كجزء مهم من النظام التعليمي. هذا الرفض المجتمعي يُعزى إلى عدة عوامل، من بينها الفكرة السائدة بأن التعليم الأكاديمي هو المسار الوحيد لتحقيق النجاح الاجتماعي والمادي. غالبًا ما يُنظر إلى المعاهد والمدارس المهنية على أنها خيار أقل مكانة من الجامعات، مما دفع الكثير من الطلاب إلى الابتعاد عنها، حتى في ظل الحاجة الماسة إلى المهارات الفنية والكوادر الوسطى في سوق العمل.
هذا العزوف أثر بشكل مباشر على جودة خريجي الهندسة، حيث لم تعد هناك شريحة وسطى تجمع بين المهندس المحترف والعامل اليدوي. المهندسون الجدد يجدون أنفسهم في مواقف صعبة، إذ يفتقرون إلى المهارات العملية التي توفرها الكوادر الوسطى التي تخرجت من المعاهد المهنية. في المقابل، العمالة اليدوية قد تفتقر إلى التوجيه الفني الذي كان من الممكن أن توفره هذه الكوادر، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في المهارات العملية داخل مواقع العمل.
الفجوة التي نشأت بين المهندس والعامل تسببت في تدهور مستويات الأداء في العديد من المشاريع الهندسية. فالنتيجة هي أن المهندسين الذين يفتقرون إلى الكوادر المساعدة يجدون صعوبة في تنفيذ الأعمال بالشكل الأمثل، كما أن العمالة غير المدربة لا تستطيع تقديم النتائج المرجوة، مما يزيد من تكاليف المشاريع ويطيل مدة إنجازها.
لتجاوز هذه الأزمة، من الضروري تعزيز مكانة التعليم المهني في المجتمع والعمل على تثقيف الجمهور حول أهميته. النقابات المهنية تلعب دورًا حاسمًا في دعم خريجي المعاهد الفنية، حيث يمكنها توفير فرص التدريب المتقدمة وربطهم بفرص العمل المناسبة. كما يمكن للنقابات أن تعمل على تحسين صورة الكوادر الوسطى، عبر حملات توعوية تؤكد أن المهارات العملية لا تقل أهمية عن التعليم الأكاديمي، بل هي مكمل حيوي له في سوق العمل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة وضع سياسات تعليمية تدعم المدارس المهنية والمعاهد الفنية، عبر تقديم حوافز للطلاب للالتحاق بها، وتعزيز التعاون بين الشركات والمؤسسات التعليمية لضمان توفير فرص تدريب عملي للطلاب. كما أن دمج المناهج الأكاديمية مع الخبرات العملية يمكن أن يسهم في تخريج كفاءات قادرة على سد الفجوة بين المهندس والعامل.
في النهاية، تعزيز مكانة الكوادر الوسطى ودعمها هو الحل الأساسي لضمان تحسين جودة العمل الهندسي في العراق.