أصدرت محكمة العدل الدولية مؤخرا قرارا يقضي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهذا الرأي الاستشاري له توابع قانونية ويمثل لحظة غير مسبوقة لإسرائيل، وهذا القرار يصدر عن أعلى محكمة دولية. وجاء هذا القرار تلبية لدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للمحكمة الدولية أن تقول رأيها بشأن الاحتلال الاسرائيلي لتلك الأراضي منذ عقود، فالطلب هو طلب أعلى سلطة سياسية دولية من أعلى سلطة قانونية دولية، وهذا بحد ذاته يشكل الشرعية الدولية.
الأساس القانوني لقرار المحكمة
كانت إجراءات محكمة العدل الدولية تقوم على أساس قانوني مستمد من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 الذي سمي بقرار التقسيم، وقد نص على قيام دولتين على أرض فلسطين، فأقام الغرب دولة إسرائيل لوحدها عام 1948 وأهملت الدولة الفلسطينية، وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي في الخامس من حزيران، عام 1967، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242 لسنة 1967 القاضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة، وهو بمثابة الأساس القانوني للرأي الاستشاري الاخير للمحكمة ومفاده عدم شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية .
الاعترافات الدولية المتلاحقة بالدولة الفلسطينية
بعد صدور قرار الجمعية العامة في أيار من هذا العام والذي يدفع بالاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة أخذت بعض الدول وخاصة الغربية منها تتبنى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنها اسبانيا، هولندا وايرلندا، وهو الأساس الشرعي الذي استمدت منه المحكمة الدولية قرارها بعدم شرعية الاحتلال كون فلسطين دولة عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، وهذا الاعتراف دفع مؤخرا بالبرلمان الإسرائيلي لإصدار قرار بعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية، وهو بمثابة التمرد على الشرعية الدولية ولم يحصل قرار الكنيست إلا دعما من إدارة بايدن، وهو دعم ضد إرادة المجتمع الدولي .
الموقف القانوني الفلسطيني
لقد روجت إسرائيل بأفعالها في الضفة الغربية القائمة على بناء المستوطنات وترحيل الفلسطينيين من القدس والضفة الغربية لكل قرارات محكمة العدل الدولية بشأن دولة إسرائيل كدولة، ولكل قرارات المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وقادة إسرائيل كأفراد يقع أمر محاكمتهم وإصدار مذكرات القبض بحقهم في اختصاص هذه المحكمة، وقد صرحت مصادر إسرائيلية مؤخرا بأن نتنياهو سوف لن يمر بأوربا في طريق عودته من الولايات المتحدة، بعد القاء خطابه أمام الكونكرس الامريكي تحسبا لأمر إلقاء القبض عليه من بعض الأطراف الغربية كونه مجرم حرب.
إن الشرعية الدولية يخلقها القانون الدولي ويترتب على دول العالم دعم الشرعية للدول من خلال الاعتراف، وقوامه كما يرى الدكتور حسن الجلبي الاستاذ السابق للقانون الدولي في جامعة بغداد في كتابه القانون الدولي العام (ص.280 ) القدرة القانونية للدولة أو الدول القائمة على التحقق من حيازة الوحدة السياسية الناشئة على عناصر الدولة الواقعية وعلى الاعتراف لها بالشخصية الدولية ومن ثم الدخول معها في العلاقات التي ينظمها القانون ، واليوم وبعد اعتراف الأمم المتحدة بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، فإن الدول أخذت بالاعتراف بهذه الدولة كجزء محتل من العالم، وقد اعترف بدولة فلسطين ما يزيد على 147 دولة على أنها دولة لها حق الظهور ما دامت تحتكم على أرض محددة وشعب يقاوم للحصول على الاستقلال والسيادة على أراضيه في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 لعام 1960 القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها والعمل على تصفية الاستعمار.
شرعية المقاومة الفلسطينية وفقا لحق تقرير المصير
إن اعتراف الجمعية العامة بحق تقرير المصير يعد قاعدة شرعية لكل الشعوب التي بدأت تقاوم الاستعمار في آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية، وان تصفية الاستعمار أجاز للشعوب حقا قانونيا في مقاومة المحتل إذا رفض الأخير الجلاء عن أراضي الدولة المحتلة، ومنذ كانون الثاني من العام 1965 بدأت المقاومة الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات تحارب الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، والاحتلال الإسرائيلي عكس دول الاستعمار القديم أخذ يعامل المقاومة على أنها إرهاب وليست مقاومة شرعية بموجب ما استقر عليه القانون الدولي، وان الحكومات المتعاقبة في إسرائيل تعترف ضمنا وبدرجات تختلف حسبما يميل اليمين الإسرائيلي، بأن ما يطالب به الفلسطينيون هو أراض لا تقع ضمن حدود إسرائيل بموجب قرار التقسيم المشار إليه أعلاه والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنها تتعامل مع الفلسطيني على أنه هو الغريب عن تلك الأراضي، غير أن العالم قد تغير، وان الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يعد كافيا للوقوف بوجه هذا العالم، خاصة بعد أن تعددت فيه الأقطاب، وان روسيا والصين يساند كل منهما الشعب الفلسطيني في نضاله ضد إسرائيل.
أن ما يحكم إسرائيل قبل أمور السياسة بروتوكولات صهيون، تلك التي توحي للقادة الإسرائيليين بأن فلسطين وأراض عربية أخرى هي حدود إسرائيل الصهيونية وأن الحدود الرسمية لهذه الدولة تمتد من الفرات إلى النيل، عليه فإن سلوك حكومة اليمين اليوم بقيادة نتنياهو يتعارض مع الشرعية الدولية من جهة، ويتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان التي بدأت تفعيلها الكثير من الدول سيما النرويج وبعض الدول الأوربية، وان ممثل السياسة الخارجية جوزيب كوريل للاتحاد الأوربي، قالها على الملأ أن حل مشكلة السلام في الشرق الأوسط لا يقوم إلا على حل الدولتين، كما وأن رئيس الوزراء العمالي في المملكة المتحدة تبنى في برنامجه الانتخابي فكرة قيام دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل .
الكنيست والاعلان الخجول
إن إعلان الكنيست الاسرائيلي مؤخرا بعدم القبول بالدولة الفلسطينية ما هو إلا تمرد على الشرعية الدولية، وان إسرائيل تعلم أنها لا تسلم ما دام في أحشائها فلسطيني ثائر، وما دامت تصادر الأراضي العربية وتبني المستوطنات اليهودية فإنها لم تنعم بالسلام، وما كان لطوفان القدس في السابع من أكتوبر عام 2023 من نتائج الا نتيجة أفعال إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية والقتل المبرمج لصاحب الأرض أو جراء حرق محصول الزيتون، والعالم اليوم متضامن بشدة مع الشرعية الدولية التي ستمكن اخيرا الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود أراضي الرابع من حزيران عام .1967 وعاصمة الدولة ستكون القدس الشرقية .