منذ الشهر الأول من عمر ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، وحتى قبل ان تجاز النقابات أو اتحادها العام، تألف المكتب التنفيذي بهدف قيادة وتوحيد النشاطات النقابية وتوجيهها بما يخدم الأهداف العامة للطبقة العاملة.
لعب المكتب التنفيذي منذ بداية تكوينه دورا مهما في قيادة العمل النقابي في تلك الفترة وتدريب الكوادر العمالية على العمل النقابي وحل مشاكل العمال مع الإدارات الحكومية وأرباب العمل.
غير أن العمل النقابي لم يكن هينا آنذاك. فالدوائر الرجعية التي ناصبت العمال العداء طوال عشرات السنين، وإن كانت قد فقدت نفوذها، فإنها تحصنت في العديد من دوائر الدولة وبدأت توجه النار من هناك على تنظيمات العمال ونشاطهم النقابي، وبذلت المساعي لتحول دون مشاركة ممثلي النقابات في حل منازعات العمل.
وفي ميدان العمل النقابي نشطت القوى الرجعية بوجه خاص باتجاه شق وحدة العمال والحركة العمالية من أجل السيطرة عليها وتوجيهها وجهة مغايرة لمصالح العمال والثورة.
وقد استغلت قلة خبرة بعض العمال وتخلف وعيهم السياسي، فسعت إلى جرهم إلى مراكز انشقاقية تحت شعارات ولافتات متعددة وتكوين هيئات مؤسسة إلى جانب الهيئات المؤسسة التي تكونت من قبل وضمت اليها جموع العمال.
وقد لقي هذا النشاط الانقسامي المدسوس ترحيبا وتشجيعا من جانب دوائر العمل التي كانت ولا تزال بتكويناتها السابقة، فشهدت الأشهر الأولى من عام 1959 احتكاكات عديدة، بيد أن المنظمات النقابية استطاعت أن تتدارك هذه المتاعب بحكمة، وقد ساعدها في ذلك افتضاح الخطط التخريبية التي واجهتها الثورة، وانكشاف الذرائع الزائفة التي كان يلجأ اليها بعض أصحاب المعامل لخفض الإنتاج بهدف الحط من سمعة الحركة النقابية وطرد النشيطين من النقابيين وفرض الشروط السابقة على العمال.
واصل العمال وهيئاتهم المؤسسة المطالبة بإجازة نقاباتهم، ونتيجة لهذا النضال المتواصل، وبعد افتضاح دور المسؤولين الذين ناصبوا العمال العداء في الاعمال والنشاطات التآمرية، أجيزت النقابات تباعا منذ مطلع الشهر الثاني لعام 1959، وبلغ مجموع ما أجيز منها حتى 10 شباط 1959 اثنتي عشر نقابة.
ثم توالت اجازات النقابات حتى بلغت خلال بضعة شهور (51) نقابة، كان لها شبكة واسعة من اللجان في كل معمل ووحدة انتاجية في مختلف انحاء البلاد.
لقد بلغ التفاف العمال حول نقاباتهم حدا زاد عما كان متوقعاً، وزاد عدد العمال المنضمين للحركة النقابية آنذاك على (275) ألف عامل.
في العاشر من تموز 1959 انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية، وانتخب مكتبا تنفيذيا واتخذ عددا من القرارات منها قرار حول الإضرابات، ودعوة لتبني شتى الوسائل لحل مشاكل العمال وأرباب العمل والإدارات، واعتبار التفاوض الوسيلة الرئيسة، إضافة إلى قرار حول صيانة الجمهورية من المؤامرات والاعتداءات الامبريالية والرجعية، وآخر حول الانضمام إلى الاتحاد العام لنقابات العمال العالمي، وقرارات أخرى في تأييد النضال العربي ضد الاستعمار والصهيونية.
وعلى النطاق الدولي نشطت الحركة النقابية في إقامة العلاقات الطيبة مع اتحاد النقابات العالمي ومع الاتحادات النقابية في عدد من البلدان الشقيقة والصديقة. وقد شاركت في الدفاع عن المصالح القومية للأمة العربية ولا سيما لنصرة الشعب الجزائري الذي كان يخوض آنذاك حربه البطولية من أجل استقلاله وحريته، كما ساهمت في النضال لتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوق الشعب العربي في عدن وعمان.
وشاركت النقابات العمالية في النشاطات والمؤتمرات الدولية التي انعقدت لنصرة قضايا الحرية والاستقلال في العالم.
إن النشاط الكبير الذي مارسه العمال في إطار النقابات وخارجها دفاعا عن الثورة ولصد المؤامرات الإمبريالية ضدها أكسب الطبقة العاملة، مكانة جليلة في المجتمع، وكان احتفال الشعب وقواه الوطنية بأول عيد للعمال بعد الثورة (ايار 1959) تعبيرا رائعا عن اعتزاز الشعب بطبقته العاملة.