العدالة الاجتماعية تعني أن جميع الناس في المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات في الحصول على فرص العمل والرعاية الصحية والتعليم والامتيازات التي تقدمها الدولة كالضمان الاجتماعي أو الإعانات المالية للعاطلين عن العمل ولذوي الاحتياجات الخاصة والمساواة أمام القانون دون أي تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو القومية أو اللون أو الجنس. وقد اعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العدالة الاجتماعية مبدأ أساسيا من مبادئ التعايش السلمي بين الشعوب والأمم وحق من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان. ومن وجهة الأمم المتحدة فإن العدالة الاجتماعية هي المساواة بين البشر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية دون أي تمييز.
وفكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان ونقصد بحقوق الإنسان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أكد عليها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاتفاقات الخاصة بحقوق الطفل والنساء والأقليات.
وتتضح التطبيقات الحقيقية للعدالة الاجتماعية في مؤسسات الدولة فيما إذا كانت تطبق معايير العدالة الاجتماعية ويحصل الناس على حقوقهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أم يتعرضون إلى التمييز وعدم المساواة. فمن الناحية السياسية فإن العدالة الاجتماعية تعني وجود نظام سياسي عادل، وفي الجانب الاقتصادي تعني وجود نظام اقتصادي يقوم على التوزيع العادل للثروات، والتخطيط في إدارة وتوظيف الموارد المالية وإقامة المشاريع الانتاجية وتوفير المستلزمات المعيشية للمجتمع دون تمييز. ومن الناحية القانونية تتجلى العدالة الاجتماعية في وجود قوانين تنظم حقوق وواجبات الأفراد وإدارة المجتمع وضمان تمتع الإنسان بممارسة كافة حقوقه المشروعة دون وجل.
إن العدالة الاجتماعية في أي مجتمع لها طابع طبقي. فالعدالة والمساواة في الفكر الرأسمالي تقوم على نشر الحريات دون ضوابط، مما يؤدي إلى نشوء طبقات سياسية واقتصادية استغلالية وانتشار الاحتكار والجشع. ومشكلة الرأسمالية أنها تفرز طبقة متنفذة تتحكم بمقاليد الاقتصاد والسياسة والإعلام والاجتماع، ويصبح بقية أفراد المجتمع مجرد أدوات وآلات لزيادة رأس المال. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الفكر الرأسمالي على أن الناس متساوون أمام القانون فإنه يقدس الملكية الخاصة لوسائل الانتاج التي هي السبب الرئيسي في الاستغلال وتقسيم المجتمع إلى طبقات ثرية ومتخمة بالثراء وطبقات فقيرة ومعدمة مما يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية..
اما العدالة والمساواة في الفكر الماركسي فتعني تساوي جميع الأفراد في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال قيام الدولة بتأميم كافة مصادر الثروة ووسائل الإنتاج وتتولى إدارة الاقتصاد والسياسة والتخطيط الاستراتيجي، وتصبح كل الثروات ووسائل الانتاج ملكية للشعب وبذلك تزول الطبقات الاستغلالية.
ويكون الدخل الذي يتقاضاه الأفراد على قاعدة كمية ونوعية العمل الذي يبذله الفرد. ويؤكد ماركس في المخطوطات السياسية والاقتصادية في عام 1844. أن الصراع الطبقي هو نتيجة حتمية لانعدام العدالة الاجتماعية ويؤكد أيضًا أن سبب انعدام العدالة يعود إلى تراكم الثروة عند الطبقة الرأسمالية التي أسهمت في تشكيل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسيطرة على مصير الطبقات الاجتماعية. ونستنتج من ذلك أن الطبقات والصراعات الطبقية وعدم المساواة لا تنتهي الا بتحويل الملكية الخاصة لوسائل الانتاج إلى ملكية عامة للدولة وان العدالة والمساواة لا تتحقق بالشكل الأكثر عدالة الا في المرحلة الاشتراكية.
واقع العدالة الاجتماعية في العراق
يجمع المحللون بكافة أصنافهم على انعدام العدالة الاجتماعية في العراق بسبب النظام السياسي القائم على الطائفية والمحاصصة والمحسوبية وانعدام المساواة في تكافؤ الفرص. بالإضافة إلى الفوارق الطبقية الشاسعة وتجذر الفساد المالي والإداري والأخلاقي في وزارات الدولة ومؤسساتها. وقد أدى النشاط الطفيلي والانفتاح المنفلت على الخارج وفايروس الفساد المتعدد الأشكال إلى تكوين طبقات برجوازية طفيلية نهابة منها طبقة عقارية ومالية وبيروقراطية إدارية وكومبرادورية وتجارية، جنت بسرعة فائقة ثروات مالية ضخمة تقدر بمئات المليارات، وبمقابل ذلك تشهد الطبقات الفقيرة تدهورا فظيعًا في الأحوال المعيشية. وحسب صندوق النقد الدولي فإن نسبة الفقر في العراق بلغت 30 بالمائة والبطالة 40 بالمائة، إضافة إلى جيوش المتسولين والمشردين مما يشكل تحديا كبيرا لتحقيق العدالة الاجتماعية.
ووفقاَ لهذا الواقع المرير يطرح التساؤل؟ كيف تتحقق العدالة والمساواة إذا كان المواطن لا يستطيع الحصول على عمل أو وظيفة بسبب انعدام تكافؤ الفرص ولأن الوظائف وفرص العمل غير متاحة إلا لفئات مميزة وكيف تتحقق العدالة الاجتماعية وان المواطن يفقد حياته لأنه لا يستطيع أن يدفع ثمن العلاج. وكيف تتحقق العدالة والإنسان لا يستطيع تأمين غذائه اليومي بسبب معاناته من البطالة ولأنه لا يملك أي مورد مالي يلبي متطلبات معيشته.
إن توجه الدولة العراقية نحو خصخصة مؤسسات القطاع العام وخاصة القطاعات المولدة للدخل إلى مؤسسات ربحية لخدمة الطبقة الطفيلية هو تدمير حقيقي لمبدأ العدالة والمساواة.
وفي مثل هذا الوضع المعقد الذي تحكمه سلطة الطبقات الطفيلية فإن نضال الشيوعيين في هذا الجانب يهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية وهو تضييق الفجوة الواسعة بين الطبقات البرجوازية المتخمة بالثروات وبين الطبقات المتوسطة والفقيرة من جيوش العاطلين والفئات الرثة والمتسولين والمشردين التي تبذل كل ما في وسعها للحصول على قوتها اليومي، وينطلق الشيوعيون في نضالهم من أجل العدالة الاجتماعية من الشعار الذي أقره المؤتمر الحادي عشر للحزب (دولة مدنية عدالة اجتماعية).
معوقات العدالة الاجتماعية
من الأسباب الرئيسية المعوقة لتحقيق العدالة الاجتماعية في العراق هو النظام السياسي القائم على الطائفية والمحاصصة والمحسوبية وانعدام تكافؤ الفرص في الحصول على العمل والدراسة والعلاج والإعانات الاجتماعية واحتكار الوظائف العليا والصغيرة لمنتسبي أحزاب السلطة وأبناء المسؤولين المتنفذين في هذه الأحزاب والدولة. بالإضافة إلى الصراعات المحتدمة بين الأحزاب المتنفذة من أجل السلطة والمال. ويضاف إلى ذلك المافيات المهيمنة على المشاريع والاسواق والميلشيات المسلحة التي تقوم بعمليات التهريب المتنوعة من النفط ومشتقاته إلى العملات الأجنبية والمخدرات والآثار والاستيلاء على الأراضي ومصادرة البيوت إضافة إلى الدور المتنامي للعشائر المتحالفة مع أحزاب السلطة وتأثيرها على الدولة وقراراتها. ويلعب سوء إدارة الدولة وهدر المال العام والفساد المستشري في أجهزة الدولة الدور الأكبر في انعدام العدالة الاجتماعية.
وتشكل الطبيعة الريعية للاقتصاد العراقي تحدياَ كبيراَ للعدالة الاجتماعية فمعظم العائدات المالية التي تحققها الصادرات البترولية تذهب إلى جيوب الفاسدين من خلال المشاريع الوهمية وقسم كبير منها يوزع كرواتب على موظفي أجهزة الدولة المدنية والعسكرية بينما تحرم أكثرية المجتمع من هذه الموارد. إن الدولة مطالبة بالقيام بواجبها في تخصيص قسم من الموارد النفطية الضخمة لتقديم الخدمات الأساسية مجاناَ للمواطنين، غير أن ما نراه في وضع العراق هو كل خدمة تقدمها الدولة مهما كانت بسيطة فإن المواطن ملزم بدفع مبالغ مالية كبيرة. ونستنتج من ذلك أن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق في الدولة ذات الاقتصاد الريعي.
مقومات العدالة الاجتماعية
إن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب توفر جملة من المقومات الأساسية منها:
1--تكافؤ الفرص: وهي عدم التمييز بين المواطنين لأي سبب كان واتاحة نفس الفرص لجميع الأفراد الذين يملكون نفس المؤهلات التي تؤهلهم من تحقيق أهدافهم وحقهم في الانتفاع من الخدمات بنفس المستوى التي توفرها الدولة.
2-القضاء على الاحتكار: إن الاحتكار يؤدي إلى حرمان الناس من حقهم في الحصول على مستلزمات معيشتهم بالأسعار الطبيعية وعلى الدولة محاربة الاحتكار والسيطرة على الأسواق من قبل المحتكرين لرفع أسعار السلع وتحقيق الأرباح الخيالية. ويتحقق ذلك في جعل السلع والخدمات متاحة للجميع.
3- احترام حقوق الإنسان: ويقصد بها الحقوق المعنوية والمادية، فصيانة حقوق الإنسان واحترامها والدفاع عنها، مؤشر على وجود العدالة الاجتماعية، فالفرد الذي يتمتع بكافة حقوقه وينفذ الالتزامات الملقاة على عاتقه يشعر بالعدالة والمساواة.
4- الضمان الاجتماعي: يعد الضمان الاجتماعي أحد الأركان الرئيسية للعدالة الاجتماعية. وتنص المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل فرد الحق في الضمان الاجتماعي في الدولة التي يقيم بها.
ويشمل ذلك رواتب التقاعد والتأمين ضد العجز وإعانات البطالة والتأمينات الصحية والسكن والدعم المالي كتعويضات إصابات العمل.
5- المساواة أمام القانون: إن تطبيق مقولة القانون فوق الجميع كفيل بجعل جميع الناس متساوون أمام القانون بغض النظر عن معتقداتهم الدينية والقومية وتقترن المساواة أمام القانون بتمتع الإنسان بكافة حقوقه دون تمييز.
6- دعم الخدمات العامة، وهو توفير الرعاية الصحية والمعيشية لذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير دخل للفئات الأشد فقراً والعاطلين عن العمل ويعتبر ذلك أحد مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها.
7- إصلاح هيكل الأجور: تشكل سياسات الأجور حجر الزاوية في تطبيق العدالة الاجتماعية. ولهذا تتطلب هذه السياسة وضع حد أعلى وحد أدنى للأجور واعتماد مفهوم الدخل بدلاً من الأجر او الراتب.
8 - إصلاح نظام الضرائب: إن الفلسفة التي يجب ان يقوم عليها النظام الضريبي أن الدخول الأعلى تتحمل أعباء ضريبية أعلى مما يحقق إعادة توزيع الأعباء الضريبية بشكل عادل.
وتؤكد لنا الحياة أن العدالة الاجتماعية والمساواة لن تتحقق بالشكل الأكثر عدلاَ إلا في المجتمع الاشتراكي الذي تنعدم فيه الطبقات الاستغلالية وينتهي الاستغلال كلياَ وتلتزم الدولة وفق القانون والدستور برعاية جميع المواطنين ويصبح العمل حقا وواجبا لكل مواطن، وتوفر الدولة الخدمات الصحية والتعليمية مجانا كما توفر النقل والسكن شبه المجاني لكافة المواطنين. وبالمقابل فإن جميع المواطنين متساوون أمام القانون. وبذلك تتحقق العدالة والمساواة وينعم جميع المواطنين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولهذا فلا نجد في المجتمع الاشتراكي عاطلين عن العمل أو مشردين او متسولين في الشوارع كما في البلدان الرأسمالية.
ونستنتج مما تقدم: أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا في دولة تطبق الدستور والقانون على أساس المواطنة واستحالة تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمع يحكمه نظام ديني طائفي كما في العراق ولبنان. وأن العدالة الاجتماعية لن تتحقق في العراق إلا بتغيير منظومة الفساد وإقامة نظام ديمقراطي علماني.