اخر الاخبار

لسنا هنا بصدد فتح معركة تعاريف حول «الاقتصاد الريعي»، بل لا بد من الاشارة الى ان هذه التعاريف تتنوع بحسب الخلفية الفكرية لأصحابها ولكن يمكن القول ان الاقتصاد الريعي هو ذلك الاقتصاد الذي تمثل مساهمة القطاعات غير المنتجة فيه نسبة تتجاوز النصف، مقابل القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الزراعة والصناعة التحويلية.

أما في حالة بلغت مساهمة القطاعات غير الإنتاجية (الريعية) أقل من 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي اعتبر الاقتصاد معتمداً اعتماد أساسيا على الاقتصاد الريعي.

يعني اقتصاد الريع اعتماد الدولة على مصدر مما تنتجه الأرض من ثروات كالنفط مثلا؛ ولهذا فإن اقتصاد تلك الدولة يكون عادة رخواً ويعتمد على المبادلات وينتج مجتمعا استهلاكيا يسيطر فيه قطاع الاستيراد ولا يهتم بالصناعات التحويلية. وتتمتع فيه الدولة بعائدات كبيرة سواء من البيع أو من الجباية، وبذلك يبقى النمو الاقتصادي مرهونا بتطور الريع لا بديناميكية الاقتصاد داخليا وخارجيا من خلال تشجيع القطاعات الإنتاجية. (1)

إن الاقتصاد الريعي هو ذلك الاقتصاد المدعوم جوهرياً بالأنفاق من دولة ريعية، إذ تصبح الدولة في هذه الحالة، وسيطاً بين القطاع الذي يولد الريع وبين القطاعات الاقتصادية الأخرى، فهي – أي الدولة - تتسلم العائدات الريعية من جهة ومن ثم تقوم بتخصيصها إلى فروع النشاط الاقتصادي الأخرى من خلال برامج الأنفاق العام من جهة اخرى.

يلتقي الاقتصاد الريعي مع الدولة الريعية في النسبة العالية للمداخيل الريعية الخارجية في الناتج المحلي الإجمالي ويفترقان في نسبة مشاركة المواطنين في توليد الريع وعائديته. في دول الريع النفطي يعمل في توليد الريع النفطي الخارجي عدد محدود من العاملين ويؤول الريع بأكمله إلى عدد قليل من النخبة الحاكمة، في حين يتولد الريع الخارجي في بعض المناطق السياحية (كما في سنغافورة مثلا) من أغلبية السكان وعند ذلك نكون بصدد اقتصاد ريعي وليس دولة ريعية أي أن الاقتصاد الريعي ليس بالضرورة أن يولد دولة ريعية ولكن الدولة الريعية تولد اقتصادياً ريعياً من خلال تدوير العائدات الخارجية في النشاطات الاقتصادية المختلفة. وبهذا المعنى يمكن أن تكون الدولة ريعية من دون أن يكون اقتصادها ريعياً في حين أن هناك دولاً اقتصادها ريعي ولم تحسب ضمن الدول الريعية.

تحدد بعض الدراسات الأبعاد الاجتماعية للاقتصاد الريعي استناداً إلى مؤشر الحامل الاجتماعي لهذا النوع من الاقتصاد تحديداً، أي « القوى الاجتماعية المعبرة في رؤيتها وأيديولوجيتها ومصلحتها عن الاقتصاد الريعي «. وبيّن هؤلاء أن الاقتصاد الريعي الذي يستولد ثقافة خاصة به يستولد قبل ذلك قوى وشرائح اجتماعية تحتضنه وترعاه وتحميه، وتلك القوى الاجتماعية تعد أبعد ما تكون عن ذهنية العمل والإنتاج والإبداع وأقرب ما تكون، في المقابل، إلى ذهنية السوق الحرة المتجاوزة لكل ضبط وتنظيم حكوميين. وهذه القوى تشكل قاعدة اجتماعية لما يعرف بـ «الحركية الاجتماعية» السريعة والخطيرة في انعكاساتها وآثارها ودلالاتها، وهي قوى مناهضة للمنتجين الفعليين للثروة.

وبينت التجربة التاريخية ان تنامي الاقتصاد الريعي يؤدي إلى تراجع تدريجي للاقتصاد الإنتاجي في الزراعة والصناعة، ومن ثم إلى تراجع أهمية العمال الزراعيين والصناعيين، ما يفضي موضوعياً إلى تراجع القوى الاجتماعية المساندة والداعمة لاستراتيجية التنمية والتقدم الاجتماعي. وهنا تكمن خطورة الاقتصاد الريعي ولماذا نحن ضده من الناحية السياسية والفكرية.

 يمكن التعرف على ملامح الاقتصاد الريعي عبر عدة مؤشرات من بينها:

- تحليل تركيب الناتج المحلي الإجمالي؛

- أو عبر تحليل واقع بعض الأنشطة الاقتصادية الريعية؛

- أو عبر معدلات النمو القطاعي.

 وكما جرت الاشارة قبل قليل فان تجاوز مساهمة القطاعات غير الإنتاجية لنسبة النصف من الناتج المحلي الإجمالي تعني أن الاقتصاد ريعي، أما إذا لم تتجاوز هذه المساهمة النصف فيعد الاقتصاد معتمداً بشكل أساسي على الريع.

ومن جانبه يرى الباحث الايراني حسين مهداوي (Hossein Mahdavy) ان إطلاق صفة الدولة الريعية ليس بالضرورة أن تكون ملازمة للدولة في كل الفترات وإنما في ضوء مقدار ما تسهم به العائدات الريعية الخارجية من الناتج المحلي الإجمالي (2). هذا ومن المفيد التذكير بأن الريع يعد ظاهرة عامة تعرفها مختلف الاقتصادات المتقدمة والنامية، غير ان الخلاف بينها ينحصر في مدى الاهمية النسبية التي يمثلها الريع بالمقارنة مع بقية مصادر الدخل الاخرى. ففي البلدان المتقدمة لا يشكل الريع سوى نسبة ضئيلة من الناتج القومي الإجمالي (3) على عكس البلدان النامية وخصوصا النفطية منها حيث هذه النسبة تكون مرتفعة عادة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1)  قارن: جورج قرم، « إخراج الدول العربية من الاقتصاد الريعي «، «القبس»، العدد 04، السنة الرابعة، ص49. بتاريخ أفريل 2010 متوفر على الرابط التالي: www.georgescorm.com/personal/download.php?file=al_kabass.pdf

(2)  لمزيد من التفاصيل قارن: H.Mahdavy, ‘’ The Patterns and Problems of Economic Development in Rentier States: The Case of Iran “, in:M.A.Cook, ed., Studies in Economic History of the Middle East: From the Rise of Islam to the Present Day (London: Oxford University Press, 1970).                                                                                       (3) لمزيد من التفاصيل قارن: فاروق القاسم، النموذج النرويجي – ادارة المصادر البترولية، عالم المعرفة (373) – سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون ( الكويت: مارس 2010).

عرض مقالات: