اخر الاخبار

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول المشاركة أو الاشتراك مع القطاع الخاص في المشاريع الاقتصادية العامة التي طالها الفشل أو الخسارة، وقد ذهب البعض إلى أن الدولة متجهة إلى بيع الأصول الاقتصادية أو بعضها لنرى قريبا بيع محطات الكهرباء أو آبار النفط!

ولابد وسط الكلام المذكور من توضيح بعض الأمور المتعلقة بالقطاع العام والقطاع الخاص والمشاركة بينهما. وإذا كانت الشراكة مطلوبة لضخ رأس المال الخاص في المشاريع الاقتصادية ولجمع مزايا القطاعين كما يقال – في اقدام القطاع العام على المشاريع ذات الأهمية في حياة المواطنين لأنه لا يبحث عن الربح في الغالب أنما توفير المواد والخدمات كما ذكرنا، وفي المرونة التي يتصف بها القطاع الخاص في الإدارة بعيدا عن البيروقراطية – فالقطاعان موجودان منذ تأسيس الدولة العراقية.

القطاع العام في بعض الوحدات التي أطلق عليها مسميات عديدة (المصلحة، المنشأة، المؤسسة) فكانت (مصلحة الموانىء، والسكك والكهرباء) ثم ظهرت وحدات اقتصادية صناعية، أطلق عليها المنشآت والمؤسسات، حتى تداخلت المسميات والمفاهيم، وفي العام 1964من القرن الماضي جرى تأميم العديد من الوحدات الاقتصادية التي كانت مملوكة للأفراد لتصبح شركات عامة مملوكة للدولة.

اما المشاركة بين القطاعين فاتخذت شكل الشركة المختلطة حيث يتشارك رأس المال المملوك للدولة مع رأس المال المملوك للأفراد، وكانت الشركات المختلطة تتكون وفق قانون خاص بها يبين حجم رأس المال وكيفية تقسيمه وحصة كل من القطاعين واحتساب الأرباح وتوزيعها والرقابة على الشركات المذكورة فتكونت وفق هذا الإجراء شركة مختلطة للنقل البحري.

وفي ثمانينات القرن الماضي (القرن العشرين) وكأثر لقانون إصلاح النظام القانوني رقم (35) لسنة 1977، صدر العديد من القوانين :(قانون الإثبات لسنة 1979 وقانون النقل لسنة 1983وقانون الشركات لسنة 1983 وقانون التجارة لسنة 1984). وقد نظم قانون الشركات المذكور النشاط الاقتصادي الخاص والمختلط، حيث تنص ((المادة الثالثة)) من القانون على أن:

((يسري هذا القانون على الشركات المختلطة والخاصة)) وبذلك ولأول مرة يكون تنظيم نشاط الشركات المختلطة خاضعا لقانون واحد يسري على جميع الشركات من هذا النوع، بعد أن كان لكل شركة قانونها الخاص بها كما ذكرنا.

إلا أن هذا القانون لم يحقق الغرض من مشاركة القطاعين وهو زج مدخرات الأفراد في النشاط الاقتصادي، لأن القانون لم يترك للقطاع الخاص إلا نسبة ضئيلة في الغالب ، حيث تنص المادة 7/أولا” من القانون على أن ((تتكون الشركة المختلطة باتفاق شخص أو أكثر من القطاع الاشتراكي مع شخص أو أكثر من القطاع الخاص برأس مال مختلط لا تقل نسبة مساهمة القطاع الاشتراكي فيه عن 51%))، وعليه فإن المتروك للقطاع الخاص لا يتجاوز 49% في أحسن الاحوال، في حين كان الواقع العملي يؤشر تجاوز مشاركة القطاع الاشتراكي (ال80%)في بعض الشركات، وهذه ليست الغاية المرجوة من تكوين شركات مختلطة.

وقد عدلت نسبة مشاركة القطاع العام بتعديل لقانون (1983) صدر سنة 1989، وتبنى التغيير بعد ذلك قانون جديد للشركات وهو قانون رقم (21) لسنة 1997 الذي حل محل القانون رقم (36) لسنة 1983 ،وأصبحت مشاركة القطاع العام في الشركة لتكون مختلطة على أن لا تقل عن 25% ،فالمادة (7/اولا”) من القانون وهو النافذ حاليا “ تنص على أن ((تتكون الشركة المختلطة باتفاق بين شخص أو اكثر من القطاع الاشتراكي مع شخص أو أكثر من غير القطاع المذكور، برأس مال مختلط لا تقل نسبة مساهمة القطاع الاشتراكي فيه عن (25%) خمس وعشرين من المئة......).

أذن مشاركة القطاع الاشتراكي انخفضت لتكون 25% فأكثر حتى تصبح الشركة مختلطة، وقد ورد استثناء يجوز فيه مشاركة القطاع العام برأس مال بعض الشركات بأكثر من 25% ومع ذلك لا تتحول الشركة إلى مختلطة وهو استثناء أعطي لبعض الشركات أو الهياكل العامة لأن لديها فائضا نقديا تريد توظيفه في الشركات المساهمة من دون أن تكون لديها نية المشاركة في إدارة الشركة، وهذا الاستثناء اقتصر على شركات التامين أو أعادة التامين الحكومية وعلى دائرة الضمان الاجتماعي للعمال (المادة 8/ثانيا”-2).

ويجوز استثناء جهات أخرى بموافقة مجلس الوزراء كما جاء في ثالثا”, وعلى الرغم مما في نصوص قانون 1997 من خلل يفتح باب الانتقاد وكما بينا حول بعضها، ومن جهة أخرى التدخل المخل للدولة آنذاك لنصوص وضعتها، على سبيل المثال المادة (113) من قانون 1983 الملغي وتقابلها المادة (121) من قانون 1997، حيث تنص المادة المذكورة:

اولا”: يكون لكل شركة مدير مفوض من أعضائها أو من الغير من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال نشاط الشركة يعين وتحدد اختصاصاته وصلاحياته وأجوره ومكافأته من مجلس الادارة في الشركة المساهمة والهيئة العامة في الشركات الاخرى.

ثانيا”: لا يجوز الجمع بين رئاسة أو نيابة رئاسة مجلس ادارة الشركة المساهمة ومنصب المدير المفوض فيها ولا يجوز للشخص ان يكون مديرا” مفوضا” لأكثر من شركة مساهمة واحدة.))

إلا أن ما كان يحصل في الواقع العملي أن يعين المدير المفوض للشركة المساهمة المختلطة بمرسوم جمهوري (يصدر الأمر من ديوان الرئاسة)، ويأتي المدير المفوض وهو يشعر بأنه فوق المالكين والعاملين في الشركة، وامعانا” في الشعور بالفوقانية، يعين هيئة استشارية من رؤساء الأقسام الفاعلة في الشركة، الشؤون الادارية، والانتاج والرقابة.. الخ.

ويحصل كأنما صراع قوى بين قطبين؛ رئيس واعضاء مجلس الادارة وهم المالكون لرأس المال، والمدير المفوض والهيئة الاستشارية من جهة اخرى.

وعلى الرغم من هذه الانتقادات فكان يوجد في ثمانينات القرن الماضي عدد من الشركات المختلطة الناجحة، حيث يوجد حوالي (22) شركة مختلطة. في المحمودية لوحدها توجد شركتان، الأولى شركة القمصان المختلطة وشركة الدراجات المختلطة، وتوجد في بغداد شركة للكارتون، وشركة المعدات الكهربائية، وشركة الخياطة في الوزيرية، اضافة إلى شركات اخرى ناجحة.

في تسعينات القرن الماضي، عندما انهارت العملة أثر ذلك على الوضع الاقتصادي ككل، وما حصل أثناء التغيير في 2003 وما رافق ذلك وتبعه من تخريب وتدمير وبيع لم يعد هناك قطاع مختلط. أما الشركات العامة وهي الأخرى نالها ما نالها من تخريب وبيع وتدمير، فان هذه الشركات مرت في إدارتها وفي هيكيليتها بمراحل، نتناول وضعها الحالي من الناحية القانونية.

فصدر لها قانون أطلق عليه قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997. وقد بين هذا القانون كيفية تأسيس الشركة العامة وملكية رأس مالها والرقابة عليها.

فقد جاء في المادة الاولى من القانون وبمناسبة توضيح بعض المسميات، ((الشركة العامة، الوحدة الاقتصادية الممولة ذاتيا” والمملوكة للدولة بالكامل التي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري وتعمل وفق اسس اقتصادية.))

وليس في القانون ما يسعف تكوين شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. يمكن الافادة من الفصل التاسع الذي جاء تحت عنوان (تحول الشركة العامة) المواد من (35-38) حيث تنص المادة (35) على أنه:

((يجوز تحول الشركة العامة إلى شركة مساهمة بموافقة مجلس الوزراء)). وتنص المادة 38 على أن ((تحدد مساهمة القطاع الاشتراكي في الشركة الجديدة وفق الاحكام القانونية النافذة.)) أما المادتان (36 ،37) فهي إجراءات.

ولتوضيح المادتين (35 ،38) فان النص جاء مطلقا”، يجوز تحول الشركة العامة إلى شركة مساهمة، والمساهمة جاءت مطلقة بلا قيد وعليه قد تكون (مساهمة خاصة) أو مساهمة مختلطة، فاذا كانت مساهمة خاصة، فهذا يعني أنها تتحول إلى القطاع الخاص وبالتالي مملوكه له بالكامل أو أن تظل حصة مملوكة إلى القطاع العام ولكن بنسبة تقل عن 25% من رأس المال الإسمي أو تزيد على هذه النسبة ولكن تستثنى من التحول إلى القطاع المختلط بقرار رئاسة الوزراء الذي ينفذ المادة (35).

وأما أن تكون الشركة مختلطة عندما يسمح بمشاركة القطاع العام وفق النسبة المشروطة لتكون الشركة كذلك. وعليه ليس أمام اشتراك القطاع العام مع القطاع الخاص إلا صيغة الشركة المختلطة التي بينت أحكامها نصوص القانون رقم (21) لسنة 1997، أو تحول الشركة العامة إلى شركة مختلطة بموجب قرار يصدر من مجلس الوزراء استنادا” إلى الرخصة المخولة له بموجب المادتين (36،37) من قانون الشركات العامة.

ولا نرى في اعتماد صيغة الشركات المختلطة ما يعيب أو أن فيه ضررا  للاقتصاد الوطني، إذا أحكمت النصوص التي تعالج الامر وطبقت بدقة وشفافية، وأديرت من قبل اشخاص أكفاء ومخلصين ويتصفون بالنزاهة.

عرض مقالات: