اخر الاخبار

أصدر البرلمان العراقي قانونا للعطل الرسمية لم يدرج فيه يوم الرابع عشر من تموز معها. وبالتأكيد أن الشعبة (القانونية) للبرلمان حين صاغته أشارت بأن صدوره على وفق مواد الدستور العراقي الذي ينص في مواده الأولى بأن النظام في العراق نظام جمهوري. أو لم يتساءل السادة البرلمانيون كيف تحول العراق من نظام ملكي إلى نظام جمهوري؟؟؟ من حوله؟ أ ليست ثورة 14تموزعام   1958؟ّ! فكيف يلغى الاحتفاء بها بينما نثبت نتائجها كأساس لطبيعة نظام الحكم في العراق؟ فاذا أُبطل السبب ينبغي أن تبطل نتائجه. فهل في نية مؤيدي هذا الإجراء إلغاء النظام الجمهوري أيضا؟ وإلى أين الاتجاه؟ إلى عودة الملكية أم المشيخة؟ أم إمارة؟ أم.. وأم.. أم.. فحتى إيران التي تلتزم بولاية الفقيه الديني أعلنت نفسها جمهورية وتحتفل بيوم الثورة الايرانية التي حولت إيران من نظام شاهنشاهي إلى نظام جمهوري.

ويكفي ثورة تموز هذه النقلة - المعجزة في تاريخ العراق، ليخلٌد يومها ذكرى وطنية عظيمة مع أن انجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لا يحصرها عد ولا يحدها حد. وهي التي بسببها -الانجازات- عد المفكر الفرنسي مكسيم رودنسون ما حصل في العراق في 14 تموز 58 ثورة بينما عد الحركات التي غيرت الأنظمة في بقية البلاد العربية انقلابات عسكرية.

لوعدنا إلى صبيحة ثورة تموز ودققنا في الجماهير التي هبت بعفوية لتأييدها لوجدناها من كل طبقات المجتمع العراقي وفئاته وكياناته السياسية أحزابا ومنظمات وهيئات؛ وحتى كبار أصحاب رؤوس الأموال والاقطاعيين الوطنيين كانوا مؤيدين للثورة ومع الجماهير الهادرة المبتهجة بقيامها؛ ومثالنا على الفئة الأولى الأستاذ محمد حديد ومثالنا على الفئة الثانية الأستاذ هديب الحاج حمود وكلاهما من الساسة البارزين في العمل الوطني ضد الطغمة الحاكمة في العهد الملكي. ولم يواجه الثورة سلبا سوى ثلة من أقطاب النظام المباد وأزلامهم وعملاء الاستعمار.

من الغريب جدا أن تُنسب الثورة إلى فئة محددة أو أن تُصبغ بلون وطني معين. فقد كان بيان الثورة الأول ترجمانا لميثاق جبهة الاتحاد الوطني التي انبثقت عام 1957 بين الاحزاب الوطنية المناهضة للحكم الذي اطاحت به الثورة ومبادئ حركة عدم الانحياز التي صاغتها ما عرفت بدول العالم الثالث في مؤتمر(باندونغ)،

وهذا ما ثبته بيان الثورة الأول بالنص. أما أن الأخطاء قد حصلت في سني الثورة اللاحقة فهذا أمر لا يمكن أن ينكره حصيف ولكن هذا ما يحصل في كل الثورات. الكل أخطأ بهذا القدر أو ذاك والكل نال نصيبه من الأذى وفي مقدمتهم قيادات الثورة. وهذا ما سهل مهمة أعدائها الخارجيين والداخليين في التآمر عليها وضربها والانقضاض عليها وعلى كل قوى الشعب بعد أن أوقد أولئك الاعداء نار الفتنة بينها وأججوا أوار الاحتراب وابتلعوها على مراحل.

هل يفرح أعداء ثورة تموز بإلغاء عيدنا في يوم 14 تموز الخالد؟ إن الحقائق التي تعبر عن إرادة الجماهير والمناسبات الكبيرة الراسخة في أذهانهم وأفئدتهم لا تُمحى بجرة قلم ولا بقوانين فوقية طارئة. كان الدكتاتور صدام يقول مرارا وتكرارا: ما القانون؟ انه بأيدينا، نصنعه بجرة قلم؟ فأين قوانينه التي من هذا الطراز؟ أين القانون الذي جعل بموجبه يوم انقلاب 17 تموز عيدا وطنيا للعراق.

ولنضرب مثلا تاريخيا مفيدا ولليوم نفسه أي 14 تموز ذاته فهو العيد الوطني لفرنسا ففيه قامت ثورتها عام 1789 وفي عام 1804 اعتلى نابليون السلطة في فرنسا وألغى عيد 14 تموز والاحتفال به وثبت يوم ميلاده في 15 آب عيدا وطنيا لفرنسا.. ذهب نابليون.. وذهبت بعده نابليونات.. وألغي مولده من قائمة العطل الرسمية وبقي 14 تموز عيدا لكل الفرنسيين احتفالا باهرا وبهيا بل أسطوريا كما وصفه بعض ممن شهدوه او كما نشاهده عبر الاخبار والتقارير الاخبارية التلفزيونية عند حلوله كل عام. ولِمَ الذهاب بعيدا؟ فالقانون الذي نحن بصدد الكلام عنه ألغى تاريخا أقره البرلمان السابق عيدا وطنيا باقتراح من الحكومة السابقة هو يوم الثالث من تشرين لكنه لم يصمد سنة واحدة.

نقول لدعاة إلغاء ذكرى ثورة 14 تموز: بإلغاء عطلتها لن تفلحوا؛ فلا قدرة لكم ولا للآتين من بعدكم على محوها من ذاكرة العراقيين وقلوبهم لكنكم ستتحملون تاريخيا وزر هذه المحاولة الثقيل، وبما لا شأن لكم في التاريخ كأفراد ولكن الكتل التي تنخرطون فيها والجهات التي تنسبون اليها سيلاحقها هذا الوزر ويظل ذكرها مقرونا بمساوئه.   

عرض مقالات: