اخر الاخبار

استثمر العلماء والمهندسون الأودية والجبال والمناطق المنخفضة والمرتفعة في إنشاء السدود، لغرض تخزين المياه الفائضة عن الحاجة واستخدامها في أوقات الأزمات. وفي عراقنا الحبيب هناك سدود كبيرة، مثل دوكان ودربندخان وحمرين، وأخرى صغيرة إلى جانب نواظم متعددة لتنظيم استخدام المياه بشكل صحيح ومدروس دون هدرها. وفي أغلب محافظات الوطن هناك العديد من هذه السدود والنواظم.

منذ كنّا أطفالاً، كنا نسمع الجميع يقول أن ماء البصرة “مِجّ”، اي انه يحتوي على ملوحة غير مألوفة، لكن أهالي البصرة تعودوا على هذه الملوحة دون غيرهم من ابناء العراق. وفي سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وعند انشاء “سد الطبقة” السوري، بدأت مناسيب  المياه تقل في نهر الفرات، الأمر الذي أثر سلباً على المحافظات العراقية التي ترتوي منه، كالرمادي وجزء من بغداد، فضلا عن الحلة وكربلاء والديوانية والمثنى وذي قار، وأخيرا البصرة باعتبارها مدينة المصب.

في ذلك الحين، بدأ التفكير في إنشاء سدّ على شط العرب، كي لا تدخل إليه المياه المالحة القادمة من شمال الخليج العربي جراء ظاهرة المد والجزر. لذلك سيكون السد حامياً من دخول هذه المياه ومتحكماً بما يفيض منها عن الحاجة. وتقريباً في كل عام تتجدد مشكلة شح الماء وملوحته صيفاً. وفي السنوات الأخيرة تكررت هذه الأزمة، وكانت على أشدها في صيف 2018. فقد تضرر نحو 140 ألف مواطن بسبب ملوحة المياه وتلوثها، منهم من نقل إلى المستشفى وبقي فيها أياما. كما نفقت مواشي كثيرة، وتلفت أراض زراعية وبساتين واسعة على طول المسافة من مصب شط العرب في مدينة الفاو وصولا إلى شمال البصرة.

وفي مجلس محافظة البصرة، كانت هناك نقاشات كثيرة حول الأزمة، وعلى إثرها تم الاتفاق المبدئي على انشاء هويس ملاحي، وهو سد مكوَّن من بوابتين واحدة تفتح لغرض دخول السفن ثم تغلق، والأخرى تفتح لخروجها وتغلق أيضا. وبهذه الطريقة لن تدخل المياه المالحة والملوثة للنهر. لكن، كانت هناك آراء مختلفة حول موقع إنشاء السد، كأن يكون في شمال البصرة قرب منطقة “كرمة علي”، أو جنوب قضاء أبي الخصيب، أو عند المصب في “رأس البيشة” جنوبي الفاو. وللوصول الى حل جذري مستنِد الى دراسة علمية من جهةٍ متخصصة رصينة، تم استقدام شركة استشارية ايطالية، فدرست الأمر من جميع الجوانب وأوصت بإنشاء السد في منطقة “ابو فلوس” جنوبي ابي الخصيب.  وكانت هناك دراسات أخرى من مركز علوم البحار في جامعة البصرة. إذ جدد المركز يوم 21 حزيران الماضي، تشديده على ضرورة تطبيق وتنفيذ دراساته السابقة والحالية حول إقامة هويس ملاحي، لمنع تغلغل المياه المالحة إلى شط العرب والحفاظ على كميات المياه العذبة فيه.

وقال مدير المركز نوري عبد النبي، خلال ورشة نظمت بعنوان “شط العرب والتحديات البيئية”، خصصت لدراسة الترسبات الملحية التي يعانيها النهر، ان “المركز سبق وأن طرح مشروعا لإقامة الهويس من خلال مجموعة من العلماء والباحثين، من العراق ومختلف دول العالم، إلا أن المشروع لم ينفذ”.

وأضاف قائلا، أن “المركز يؤكد مرة ثانية أهمية إقامة هويس ملاحي في شط العرب، ينفذ بواسطة شركات مختصة”.

لكن بسبب عدم وجود إرادة سياسية تخدم البلد بالشكل العلمي، لم يتم الشروع بإنشاء هذا السد.

العراق اليوم يعاني شحا في مياه نهري دجلة والفرات، وربما ستعود أزمة ملوحة شط العرب مجددا، وستعود معها المآسي ذاتها التي عاشها أهالي البصرة وقتها. لذلك، أن الحكومتين المحلية والمركزية مدعوتان لمعالجة هذه المشكلة جذريا، كأن يتم تخصيص جزء من فائض الموازنة لتنفيذ مشروع السد.

عرض مقالات: