اخر الاخبار

إن الحديث عن مدينة النجف الاشرف، هذه المدينة المعطاء تتوزعه جوانب عديدة، فهي مدينة تتنفس الشعر وفيها المنطق والفقه والعمل والسياسة والتنوير، وحين تذكر النجف يقترن ذكرها بقائمة لها أول وليس لها آخر، إنّها مدينة ولود فبين عالم رباني وفقيه زاهد أديب شاعر أو مجاهد ثائر أضافوا إلى الحياة معاني عديدة، هذه المدينة المقدسة قدِّر لها أن تصبح محطاً لأنظار العالم الاسلامي يهاجر إليها الآلاف من طلاب الفضيلة للتفقه والاشتغال العلمي، سميت هذه المدينة بمدينة الوافدين، اذ انّ الوافد اليها لا يؤثر فيها بقدر ما يتأثر بشمائل أصلها والطابع العام لسكانها، فالعشائرية والنخوة ورعاية الجار والكرم والضيافة سمات بارزة يلمسها كل وافدٍ إليها.. وفي عصرنا الحديث أصبحت النجف في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي مركزاً مزدهراً للحوار الفكري ومحجة لطلاب العلم والمعرفة من أصقاع العالم الإسلامي، وكونها مصدر جذب للعلماء والمفكرين وفيها نبغوا  فإنّ المدينة بمكتباتها ومتاجر الكتب فيها ونقاشاتها وحلقاتها الادبية صارت مع الزمن للعديد من الطلاب والشباب المكان الذي اكتشفوا فيه أفقاً ثقافياً للنهضة العربية الموجودة، ومفكريها من إسلاميين ومجددين -علمانيين ويساريين- يتجسد ذلك في نتاجاتهم الشعرية والأدبية والفكرية، فقد كان الشعر وقراءته سمير جلساتهم، إضافة إلى ادخال المطابع إلى المدينة أدى إلى زيادة النتاج الأدبي فظهرت تبعاً لذلك الصحف والدوريات وأصبحت أداة رئيسة لنشر الفكر والمعرفة، ومن جهة أخرى كان لوصول بعض المجلات والكتب العصرية من لبنان وسورية ومصر مثل مجلة العرفان لأحمد عارف الزين والهلال لجرجي زيدان والعصور الاشتراكية لإسماعيل مظهر، كل ذلك كان له أثر كبير في تأليف المنظومة المعرفية للشباب النجفي المتحضر وكسر أطواق الجمود عنده ، ففي بداية العشرينيات من القرن الماضي بدأت ثورة المعرفة أي بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917، فدخلت الأفكار الاشتراكية إلى الدول العربية ومنها العراق فتناولها العراقيون بشغف وفهموها فهماً صحيحاً، والنجف كانت من ضمن المدن العراقية التي دخلت هذه الافكار فكانت رائدة للتنوير والاصلاح والتجديد والامثلة كثيرة ... إنها مدينة حراك ثقافي في صباحاتها ومساءاتها، ولذلك لم يكن بعيداً على شعرائها وكتابها أن ينشدوا قصائد ويكتبوا مقالات ودراسات عن الأخوة العربية الكردية منذ ذلك الوقت ولحد الآن ... ومن ذلك :

قدّم الشيخ محمد رضا الشبيبي الرجل الذي لا غبار على وطنيته، قدم مذكرة قبيل وفاته بشهر إلى رئيس الوزراء آنذاك عبد الرحمن البزاز أوضح فيها القضايا والمشاكل التي تواجهها البلاد، وطالب الشبيبي في مذكرته بدرس القضية الكردية درساً دقيقاً لصيانة الوحدة الوطنية وحقن الدماء وإعادة السلام والطمأنينة إلى الربوع الشمالية لأن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ... (أعلام الأدب الحديث في العراق) مير بصري ج1/1994/ص108 وأوضح السيد مصطفى جمال الدين – الشاعر الدكتور- في قصيدة له عنوانها (الفكر الخصيب) بمناسبة أربعينية علامة العراق  وشاعره الفذ الشيخ محمد رضا الشبيبي، أوضح فيها أننا سنبقى شركاء في هذا الوطن مهما طال بنا الزمن لأننا لم ينس بعضنا لبعضنا الآخر وما مرَّ العرب مرَّ على الاكراد ايضاً .. مطلع قصيدته:

كذبوا .. لن يموتَ فكرٌ خصيبُ

                             وعلى كل خاطرٍ منه طيبُ

ويقول فيها :                            

يا سنيناً شاب الزمان بها

                       رُوحاً .. وما شاب عزمنا والوثوبُ

ورياحاً مزَّقتنا ولكن

                         ما نسى ضيعة الشمال الجنوبُ

وسياطاً قد آلمتنا جميعاً

                       ما نجى ضاربٌ ولا مضروبُ

وفي قصيدة اخرى للشاعر جمـــال الـــدين عنوانهـا (حلم الأمة) ألقاها في دمشق عام 1994 مطلعها:

بماذا اعزّي والردى أخرس الفَما

                            ونادى بليغَ الدمع أن يتكلما

وفيها ايضاً:

ثلاثين ندعو العُربَ فيها لـ (وَحدةً)

                                            حصيلتها : انَّ العراقَ تشرذما

و (حريّة) ذاق الجنوبُ وبالها

                                  وَعَبَّ الشمال (الغاز) حتى تسمّما

اي أن ما ذاقه الجنوب في هذا البلد ذاق الشمال أمرّ منه فكان ذلك الزمن عادلاً في ظلم الناس جميعاً ..

وفي قصيدة اخرى لشاعرنا السيد مصطفى جمال الدين عنوانها الشاعر وأنا مطلعها:

عِم صباحاً ديوان شعري ذوى ليلُكَ

                            اذا اشرقت عليك العيونُ

وتلقاك فجرها ضاحك الجفــن

                           وحيّاك لمحُها المفتونُ

إلى أن يقول:

وحدة العربِ لم تكن وحدةَ الحكام

                                   يوماً وانما هي دينُ

وَحَّدَتْنا جذورنا وكتاب الله

                                    فينا وارضنا والمعينُ

(بردى) في شفاهنا (دجلةُ الخير)

                                            ومن (بنَجويننا) (قاسَيونُ)

اما الشاعر محمد حسين المحتصر والذي رحل قبل اسبوعين عن عمر ناهز التسعين عاماً يقول في احدى قصائده التي اعطاها عنوان (عطر آذار) مطلعها:

نبأٌ .. لا أقول عنه جليل

                                            اي شيء يقال فيه قليلُ

وفيها ايضاً:

واختلاف الاخوان أمرٌ قبيحٌ

                                            وقبيحٌ ان لا تكون حلولُ

وقبيحٌ ان تستمر الخصومات

                                              فيمتد عمرُها ويطولُ

ويغذي جذورها أجنبيٌّ

                                            مستفيدٌ وحاقدٌ ودخيلُ

إلى أن يقول شاعرنا المحتصر:

نحن شعبٌ عشنا على هذه الارض

                                            زماناً ، شعبٌ وديعٌ أصيلُ

ليس بين السهول والجبل الشامخ

                                            شيء تغاظ منه السهولُ

كلها أرضنا ونحن بنوها

                                            ولنا الماء جارياً والنخيلُ

فلماذا هذا التطاحن والعنفُ

                                            أضاقت بزراعيها الحقولُ؟

الفرات الذي يسيل سيبقى

                                            أبدَ الدهر بالحياة يسيلُ

والتراب الذي ندوس عليه

                                            خيره وافر الجني موصول

ومراد النفوس اصغر من أنْ

                                            نتعادى فقاتلٌ وقتيلُ

اما الجواهري الكبير فله في الأخوة العربية الكردية أكثر من إشارة في قصائده بل في واحدة منها يعنونها (كردستان) أو (موطن الابطال) ألقاها في مؤتمر الطلبة الاكراد في ميونخ بألمانيا تحية لنضال الشعب الكردي: مطلعها:

قلبي لكردستان يُهدى والفَمُ

                    ولقد يجودُ بأصغريه المعدَمُ

ويقول فيها:

سلّم على الجبل الأشمِّ

                          ولأنت تعرفُ من بنيه ومن هُمُُ

وتقصّ كلَّ مدبِّ رجلٍ عنده

                           هو بالرجولة والشهامةِ مُفعمُ

والثم ثرىً بدم الشهيد مخضَّباً

                            عَبِقاً يضوع كما يضوع البرعمُ

إلى ان يقول:

يا ابن الشمالِ ولست وحدَك انّها

                              الستُ الملايينَ التي تتهضَّمُ

يا خير ضلعٍ لست وحدَك انه

                                جسدٌ بكل ضلوعِهِ يتألَّمُ

عانى واياك الشدائد لم تَلِنْ

                                منه قناةٌ كل يومٍ تُعجَمُ

وفي نهايتها يقول الجواهري:

يا أيها الجبلُ الأشمُ تجلةً

                                            ومقالةً هي والتجلَّةُ توأَمُ

شعبٌ دعائمُهُ الجماجمُ والدمُ

                                            تتحطم الدنيا ولا يتحطَّمُ

 

وللأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ قصيدة عنوانها (حلبجة أميرة المدن) يقول فيها:

حبيبتي حلبجة جئتك اليوم حاملاً لك باقة وردٍ وقصيدة شعر

لن ابكيك حبيبتي سامحيني

فأنا لا أحب البكاء

لن ارثيك مليكتي فأنا لا أحسن الرثاء

أدري أنهم زرعوا الويل في ازقتك وبيوتك

مزارعك وباحاتك

أدرى ان خمسة الاف ملاك من سماواتك

اختنقوا بدخان البعث العنصري

رأيت امّاً حلبجاوية تحتضن أطفالها الميتين

امّاً حلبجاوية ماتت بصمت القديسات

إلى ان يقول:

انت تنتظرين زبانية الجحيم الذين اغتالوك معلقين

على أعواد المشانق في باحتك

كما تنتظر النجف والناصرية والبصرة والعمارة

كما تنتظر الموصل والديوانية

الذين اغتالوا فتيان المقابر الجماعية

والفتيات معلقين على جذوع النخل واعمدة الكهرباء

حلبجة انت والنجف توأمان

شهداؤك وشهداؤها

يدبكون الساعة في الفراديس دبكات كوردية

والعذراوات يفرقن على الراقصين خبز العباس

لأنك عزيزة

لأنك طاهرة لأنك عظيمة

لأنك مسالمة

لأنك كبيرة

لأنك كوردية

وكذلك يوجد شعراء من النجف الأشرف مدينة التسامح والاخوة أنشدوا للأخوة العربية الكردية شعراً جسدوا فيه المعاني السامية بين العرب والكورد.

عرض مقالات: