اخر الاخبار

إنّهُ يوم العراق.. يوم سهوله.. يوم جباله.. يوم نخيله.. يوم دجلة الخير وفرات النعيم.. إنّهُ يوم أيامهِ.. يوم تلاقت الجموع من كلّ طيفٍ ولون.. مِن كلّ ملّةٍ ونحلةٍ على أرض الرافدين.. حشود تشدّ إزر حشود تحتضنهم أرضهم الطيبة المعطاء.. اندفعت الحشود إلى الشوارع والساحات، ملبيةً نداء جيشها، جيش العراق الذي أعلن إشراق اليوم المُنتَظَر.. كلّ القلوب كانت تتلهّف.. تنتظر اليوم الموعود، وإذا بالصوت الهادر ينطلق من إذاعة بغداد في صبيحة يوم ١٤ تموز المبارك معلناً البيان الأول « بعد الاتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات المسلحة الوطنية، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية.. « كانت الثورة تعتمل في النفوس منتظرةً القدحة الأولى التي قدحها جيش العراق الباسل في فجر ١٤ تموز ١٩٥٨، فاندفعت الجماهير من كل حدبٍ وصوب ملتفّة حول الثورة ومؤازرة لها.. إنها ثورتها.. وتتواصل إذاعة البيان الأول « أيها الشعب.. إنّ الجيش هو منكم وإليكم، وقد قام بما تريدون، فما عليكم إلّا أنْ تؤازروه، واعلموا أنّ الظفر لا يتمُّ إلّا بترصينه والمحافظة عليه من مؤامرات الاستعمار وأذنابه».. خطاب الجيش هذا مفعم حسّاً وطنيّاً ، ووعياً عميقا بضرورة الوحدة الوطنية، وأنْ يصبح الجميع عيناً على كل مخرب، ويواصل البيان « وعليه فإننا نوجه اليكم نداءنا للقيام بإخبار السلطات عن كلِّ مفسدٍ ومسيئ و خائن لاستئصاله» خاطب الجيش جماهيره، والتفّت الجماهير حول جيشها بانيةً سدّاً منيعاً أحبط أيّ تحرّك رجعي للانقضاض على الثورة … ويواصل البيان « إننا في الوقت الذي نكبر فيكم الروح الوطنية الوثابة والأعمال المجيدة، ندعوكم إلى الخلود والسكينة والتمسك بالنظام والتعاون على العمل المثمر في سبيل مصلحة الوطن «.

وضع رجال الثورة دماءهم في أكفهم وانطلقوا محققين رغبة شعب العراق في الخلاص من سيطرة الرجعية والإقطاع وحكم الظلم والجور ، ولبناء وطن مزدهر، متقدم وحضاري يعيش فيه الشعب مستظلًّاً  بالاستقلال والحرية والرفاه … و يواصل البيان «أيها الشعب، لقد أقسمنا أنْ نبذل دماءنا و كل عزيز علينا في سبيلكم، فكونوا على ثقة واطمئنان بأننا سنواصل العمل من أجلكم ، وأنّ الحكم يجب أن يعهد إلى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه ، وهذا لا يتم إلّا بقيام جمهورية شعبية تتمسك بالوحدة العراقية الكاملة، وترتبط برباط الأخوّة مع الدول العربية والإسلامية،  وتعمل بمبادئ الأمم المتحدة، وتلتزم بالعهود والمواثيق وفق مصلحة الوطن، وبمقررات مؤتمر باندونغ، وعليه فإن الحكومة الوطنية تسمّى منذ الآن — الجمهورية العراقية — وتلبية لرغبة الشعب فقد عهدنا رئاستها بصورة وقتية إلى مجلس سيادة يتمتع بسلطة رئيس الجمهورية ريثما يتم استفتاء الشعب لانتخاب الرئيس … « وينتهي البيان بتوقيع « الزعيم الركن  عبد الكريم قاسم  القائد العام للقوات المسلحة الوطنية»

انبثقت جمهوريتنا في هذا اليوم المجيد على يد مؤسسها وقائد الثورة الشهيد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، فهو يومنا الوطني.. عيدنا الوطني وليس أي يوم سواه من الأيام المجهولة العديمة الطعم واللون والرائحة، التي لا تشعر الجماهير بطعمها.. هذا هو يومنا.. هو عيد سقوط النظام الملكي الرجعي المستند على الإقطاع وعتاة الرجعيين، والذي كان يسعى بجد وإخلاص لخدمة مصالح الاستعمار البريطاني.. عيد تأسيس الجمهورية العراقية التي غدت منذ لحظاتها الأولى منارا للتحرر ونقطة اجتذاب وتفاعل مع قوى الحرية ودول مؤتمر باندونغ ونالت اعتراف المجتمع الدولي بأسره، حتى غدت قطباً رئيساً من أقطاب دول عدم الانحياز.

لقد صفّقت أكف العراقيين جميعا، عدا الرجعيين وأعداء التقدم، صفقوا ليومهم العظيم الذي هو ثمرة آلامهم وتضحياتهم.. ثمرة وثباتهم وانتفاضاتهم وما عانوه من ويلات، ثمرة وحدة قواهم الوطنية عسكرية ومدنية، هو يومهم الذي وضعوه في السويداء من قلوبهم، فالتفوا حول الثورة وحول أهدافها المعلنة « الإصلاح الزراعي.. قانون العمل والضمان الاجتماعي.. قانون تحرير الثروة النفطية.. قانون الأحوال الشخصية.. حماية الصناعة الوطنية.. حل أزمة السكن بالتوسع في تنفيذ مشاريع السكن في مختلف أرجاء البلاد.. التوسع في بناء المدارس والمستشفيات، تسهيل قبول الطلاب في الدراسة الجامعية بإلغاء تقديم شهادتي حسن السلوك وعدم المحكومية كشرط للقبول في الدراسة الجامعية، إلى غير ذلك مما يصعب حصره في هذا المجال.. «  واتخاذ مسار تحرري في السياسة الخارجية، فأُعلن الانسحاب من حلف بغداد العدواني والابتعاد عن التكتلات العدوانية الساعية إلى زعزعة الأمن الدولي والسلام العالمي والتضامن والتعاون الاقتصادي والسياسي مع المنظومة الاشتراكية ودول عدم الانحياز، غير أنّ الفئات العميلة والرجعية وبقايا النظام الذي تهاوى وكل من لم يرقْ لهم أنْ ينهض العراق ، وهم القوى الداخلية و الخارجية المعادية للشعب ولثورته، اتحدوا وتعاونوا على خلق الظروف المناسبة لإسقاط هذه التجربة الفتية ، وأدركوا أنّ خير السبل الذي يسهّل لهم الوصول إلى  غايتهم القذرة هو العمل على زرع الشقاق والنزاعات داخل المجتمع وتهديم الوحدة الوطنية، وهذا ما حصل، فكان يوم ( ٨ شباط المشؤوم ١٩٦٣ ) الذي أجهز على آمال وأحلام الجماهير، ولم تكتف قوى الشر بتلك المأساة الهائلة بل أنها راحت تبذل المحاولة تلو الأخرى لمحو  يوم ثورة ١٤ تموز من ذاكرة الشعب، لكنها ستبوء بالفشل وتبقى جماهير شعبنا تعتز بيومها .. بيوم ثورتها باعتباره أعظم مأثرة من مآثرها المعاصرة، ومصدر إشعاع بتلك المبادئ النبيلة، مبادئ الوحدة الوطنية، وبناء عراق حر، مزدهر، مرفّه.

عاشت ذكرى ثورة ١٤ تموز العظيمة.

١٤ تموز هو يومنا وعيدنا الوطني.

المجد والخلود لشهداء ثورة ١٤ تموز وقادتها الأماجد.

المجد والخلود لشهداء الوطن.

يا ليلة الاثنين ما من ليلةٍ

جاءت بمثلكِ مِنْ فرادى أو ثُنى

هذا العراق وهذه ضرباتهُ

كانتْ لهُ من قبل ألفٍ ديدنا

اليوم عاد القاهريّ لأهلِهِ

وابنُ الشآم لبيتهِ فتبغدنا

وبذلك فإنّ مَن يعادي هذه الثورة ويحاول محو ذكراها سيجد نفسه مصطفّا مع أعداء الشعب من العملاء والرجعيين وأعداء الحضارة والتقدم.