أصبحت السويد العضو الـ 32 في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع تسليمها وثائق الانضمام خلال مراسم جرت في واشنطن وانهت قرنين من عدم الانحياز في هذه البلاد. وتمثل هذه الخطوة تحوّلا كبيرا لدولة بقيت حتى العام 2022 حريصة على الحياد وعدم الانحياز العسكري.

ويعني انضمام السويد، بعد انضمام فنلندا العام الماضي، دخول كل الدول الواقعة على بحر البلطيق، باستثناء روسيا، إلى الناتو، فيما وقعت السويد ايضاً اتفاقاً مع واشنطن يسمح للأخيرة باستخدام 17 قاعدة على أراضيها. 

وعلى الرغم من أن السويد وفنلندا عضوان في الاتحاد الأوروبي، فقد فضلتا تاريخياً الابتعاد عن التحالف العسكري الذي تشكل خلال الحرب الباردة، علماً بأن آخر حرب اشتركت فيها السويد كانت مع جارتها النرويج في العام 1814.

اشتراطات تركية

هذا وكانت تركيا قد رفضت انضمام السويد للحلف، لكن حكومة ستوكهولم سارعت لتقديم تنازلات كبيرة لإنقرة لحملها على التراجع عن هذا الرفض. وتمثلت تلك التنازلات في إلغاء حظر تصدير الأسلحة إلى تركيا واتخاذ إجراءات ضد أعضاء في حزب العمال الكردستاني المحظور، وما يسمى بحركة “كولن” الانفصالية التي تتهمها أنقرة بالمسؤولية عن محاولة انقلاب وقعت عام 2016. وعلى خلاف ما هو معروف عنها من “التشدد” في الدفاع عن حقوق الإنسان، شرّعت ستوكهولم قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب، ينّص على أن الانتساب لأي منظمة إرهابية أمر غير مشروع، قائلة إنها بذلك تكون قد أوفت بالجزء الخاص بها في الاتفاق مع تركيا. ومن جانبها، وافقت واشنطن على طلب أنقرة شراء طائرات مقاتلة من طراز إف-16، و79 مجموعة تحديث لطائراتها القديمة بقيمة 20 مليار دولار، وهي الصفقة التي كانت الموافقة عليها مؤجلة أو متلكئة.

مواقف سويدية

وفي داخل البلاد، تباينت المواقف بين مؤيد للخطوة وبين معارض لها، سواء على الصعيد الشعبي أو السياسي. ففي الوقت الذي أيدتها الأحزاب اليمينية الحاكمة وحليفها حزب اليمين المتطرف ذو الجذور النازية، دعم حزبان من أحزاب المعارضة (يسار الوسط والوسط) الانضمام، فيما عارضه حزبا اليسار والبيئة ومنظمات شعبية مناصرة للسلام. 

رئيس الحكومة ورئيس حزب المحافظين (يمين) أولوف كريسترشون وصف الحدث بأنه “نجاح لبلاده وانتصار للحرية” فيما لم يكن وصف زعيمة المعارضة ورئيسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار وسط) ماجدلينا أندرسون، بعيداً عن هذا الوصف حين اعتبرت عضوية الناتو ضماناً لأمن بلادها وحصولها على دفاع أقوى عن حريتها وديمقراطيتها، على حد تعبيرها.

وكما صّوت الحزبان (اليسار والبيئة) في البرلمان ضد الانضمام، فإنهما اعتبرا الحدث يوماً حزينا للبلاد، ورفضا المشاركة في الاحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة. وكان هذا موقف رئيسة شبكة السلام السويدية كيرستين بيرجيو، التي أعلنت بأن ما جرى خلال العام الماضي واختتم بدخول السويد إلى الناتو، كان يهدف إلى إسكات صوت السويد القوي تاريخياً من أجل السلام ونزع السلاح، وإن ما ما قيل لنا خلال هذه العملية من أن السويد داخل حلف شمال الأطلسي ستكون قادرة على العمل من أجل السلام والدبلوماسية ونزع السلاح، ليس سوى هراء، فالحقيقة أن الإستراتيجية السويدية تتمثل في الإستسلام للمطالب غير الديمقراطية.

موقف اليسار

لقد رفضت كل أطياف اليسار في السويد، وفي مقدمتها حزب اليسار السويدي والحزب الشيوعي السويدي هذا الانضمام بقوة. وأعرب هكان سفينلينغ، مسؤول العلاقات الخارجية في حزب اليسار، عن اعتقاده بوجود مخاطر هائلة على البلاد جراء هذا الفعل، الذي يأتي بعد 200 عام من حرية التحالف العسكري، مشيراً إلى أن من بواكير هذه المخاطر، ما أملاه أردوغان وأوربان من شروط ليسمحا للسويد الدخول إلى حلف الناتو. وسخر سفينلينغ من ادعاءات البعض من أن عضوية حلف شمال الأطلسي ستوفر الأمن، لأنها في رأيه ستجلب القلق وعدم اليقين، حيث ستخاطر السويد بالانجرار إلى حروب وصراعات الآخرين، كما أن هذا الحلف سيكون مختلفًا تمامًا خلال عشر سنوات من الآن.

من جهتها طالبت زعيمة حزب اليسار نوشي دادجوستار بإجراء استفتاء حول الانضمام لحلف شمال الأطلسي. ورغم أن الحزب قد أقر بخسارة المعركة لمنع هذا الانضمام إلا أنه دعا لتصعيد الكفاح اليوم لوقف نشر الأسلحة النووية والقواعد الأمريكية في السويد. ونفى المتحدث باسم السياسة الدفاعية لحزب اليسار الشائعات التي تفيد بأن حزب اليسار قد غير رأيه بشأن الناتو، وأعلن عن وعده بالتصويت برفض اتفاقية التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة.

حرب أوكرانيا قلبت الموازين

وفي هذا السياق يشير المراقبون إلى أن تزايد شعبية الانضمام للناتو لدى الرأي العام السويدي، جاء بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ كشفت استطلاعات الرأي، عن ارتفاع نسبة المقتنعين بأن الناتو سيوفر الأمان للبلاد من 29 إلى 64 بالمائة بين خريف 2021 وخريف 2022. ولهذا لا بد أن يواصل اليسار كفاحه لكي لا تنجر الحكومة أكثر في تبعيتها للولايات المتحدة، لاسيما مع تمتع البلاد بخبرة تاريخية في انتهاج سياسة غير منحازة تماماً. فعلى الرغم من حيادها أثناء الحرب الباردة وميلها الشديد للغرب وابتعادها عن الكتلة الاشتراكية، فإنها بقيت معتدلة نسبياً في مواقفها جراء رفض الرأي العام الوطني للإنحياز، وهذا ما يروم حزب اليسار وحلفاؤه الضغط من أجله.

ماذا ستضيف السويد للحلف

من المؤمل أن تضيف السويد للحلف مزايا سياسية مهمة باعتبارها أكبر الدول الإسكندنافية عددا ونفوذاً وعلاقات اقتصادية مع باقي أرجاء العالم. كما أن موقعها الجغرافي الإستراتيجي ودورها الكبير في سوق السلاح، باعتبارها ثالث دولة مصّدرة للأسلحة، سيمنحان انضمامها للحلف أهمية استثنائية، إذ تتجاوز مساحة السويد 450 ألف كيلومتراً مربعاً، ولديها حدود مشتركة مع روسيا (بحرياً) وحدود برية مع النرويج وفنلندا والدنمارك، ويتجاوز طول سواحلها 3200 كم. أما من الناحية العسكرية، فقد عملت السويد خلال العقود الثلاثة الماضية على تكييف جيشها، الذي يعّد سادس أقوى جيش في أوربا، مع أنظمة الناتو”، مما يعني أنها ستكون جاهزة الآن لتعزيز قوة الحلف. ويتجاوز تعداد الجيش السويدي 43 ألف نسمة، بينهم 22 ألف في قوات الاحتياط. كما تضم القوات الجوية السويدية 198 طائرة حربية بينها 72 مقاتلة و74 طائرة هجومية، إضافة إلى طائرات التدريب وطائرات الشحن العسكري، و49 مروحية عسكرية، و120 دبابة إضافة إلى 2470 مدرعة.

ويتكون الأسطول الحربي السويدي من 63 قطعة بحرية بينها 9 كورفيت وتعني (سفينة حربية تمتاز بالسرعة والمناورة وتكون أصغر من الفرقاطة وأكبر حجمًا من الزوارق الحربية) و5 غواصات و14 سفينة حربية و8 كاسحات ألغام عسكرية بحرية، فيما تتجاوز ميزانية الدفاع السويدية 6.2 مليار دولار.

عرض مقالات: