اخر الاخبار

لم تزل القوانين العراقية الموزعة في مختلف فروع القانون كقانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية وقانون الإثبات وغيرها من القوانين الأخرى تشرعن للتمييز ضد المرأة، فقد حملت تلك النصوص قواعد قانونية لا تنسجم وأحكام الإعلان العالمي لحقوق الانسان لا بل انها لا تنسجم مع النصوص المنظمة للحقوق والحريات المثبتة في الباب الثاني من الدستور. رغم الجهد اللافت للمنظمات النسوية المدعومة من قبل منظمات المجتمع المدني النازع نحو تعديل او الغاء النصوص المميزة تلك إلا أن ذلك الجهد يواجه بالهيمنة الذكورية الطاغية والسطوة البطريركية النازعة نحو تأصيل التمييز. الفترة الممتدة من 2003 ولغاية يومنا هذا لم تشهد تشريعا ذا بال ينصف المرأة ويعزز موقعها في مواقع صنع القرار او في المجتمع وذلك إذا استثنينا كوتا النساء في النص الدستوري. وبذك تكون السلطة التشريعية مساهما فاعلا في تهميش دور المرأة في المجتمع والذي يصل إلى حد الإقصاء في العديد من المواقع مما يجعل المجتمع يستكين لحالة التخلف المؤسس على إهمال دور المرأة في بناء الوطن والمساهمة في التقدم.

وعلى سبيل المثال نمر سريعاعلى قانونين من تلك القوانين – الأول: قانون العقوبات فالزوجة لا تزال خاضعة للتأديب من قبل الزوج وتعامل نصيا معاملة تأديب الأطفال، اذ اعتبر المشرع التأديب أحد حقوق الزوج على زوجته حتى ولو أفضى ذلك التأديب إلى الضرر بالزوجة لأنه يندرج تحت أحكام الإباحة. وقد رفعت التطبيقات القضائية حق التأديب إلى ضرب الزوجة باعتباره أحد وسائل التأديب وان قالت تلك الاحكام بـ (الضرب غير المبرح). ويتجلى التمييز في قانون العقوبات في أقسى نصوصه في جريمة الزنى اذ أنها تعاقب الزوجة الزانية أينما يقع فعل الزنى في دار الزوجية أو خارجها في حين اقتصرت عقوبة الزنى على الزوج إذا وقعت في دار الزوجية حصرا أي لا عقوبة على الزوج إذا ارتكب الزنى خارج دار الزوجية. ويلاحظ أيضا أن المشرع وضمن الرؤية الذكورية يجسد انحيازه للرجل بشكل مطلق اذ يكافئ الرجل عندما يقوم باغتصاب الأنثى فالنصوص تكافئه على فعلته وتعتبرها ظرفا قانونيا مخففا إذا عقد الجاني على الضحية عقد زواج صحيح، وهنا تكون الضحية واقعة تحت اكراهين الأول فعل الاغتصاب والثاني فرض الزواج عليها من قبل المغتصب وبذلك تساهم النصوص القانون في إهانة المغتصبة وهدر كرامتها وسلب انسانيتها.

اما القانون الثاني فهو الأحوال الشخصية ولو أنه يعد من أفضل قوانين الأحوال الشخصية في محيطنا الإقليمي والعربي باستثناء قانون الأحوال الشخصية في تونس، ولمرور مدة تزيد على الستين عاما على صدوره من دون مراجعة يتطلبها حكم الزمن يلاحظ أن العديد من نصوصه تحمل مضامين التمييز ضد المرأة كتعدد الزوجات الخاضع لرؤى وتفسيرات رجال الدين التي تبتعد كثيرا عن حكم الآية 129 من سورة النساء : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) التي تعدها القراءات الحديثة مقيدة لتعدد الزوجات، إضافة إلى موضوع عدم المساواة في الإرث الموظف فقهيا للتمييز ضد المرأة، كما أن النصوص المتعلقة بالخلع التي تشترط موافقة الزوج على ايقاع الخلع خلافا لمنطوق الآية 229 من سورة البقرة، وأحكام المطاوعة المرسومة فقهيا والمخالفة للنصوص المؤسسة لبناء الأسرة المستندة على المودة والرحمة والسكينة التي تهين المرأة وتحط من كرامتها وتعبث بقدرها، يضاف إلى ما تقدم القراءات الفقهية لأحكام النشوز وشيوع التمييز ضد المرأة قانونا وفقها وتطبيقات قضائية من خلال حصر النشوز بالزوجة دون الزوج المشمول بالنشوز أيضا بحكم النص القرآني الوارد في الآية 128 من سورة النساء التي تنص على : (وان امراة خافت من بعلها نشوزا).

هذان نموذجا قانونين رسما التمييز ضد المرأة وبإرادة المشرع العراقي فضلا عن أن هناك قوانين عديدة أخرى مناظرة لهذين القانونين احتكمت إلى التمييز ضد المرأة وبنصوص متعددة. يلاحظ ان المشرع العراقي لم يبادر إلى تغيير تلك القوانين التمييزية او تعديلها ولم يرف له جفن أمام هذا الاجحاف لا بل أن البعض من النواب بادر إلى طرح مشاريع قوانين للاحوال الشخصية على وفق احكام المذاهب الاسلامية بغية الاجهاز على الحقوق التي تضمنها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وتعديلاته رغم ان المشرع ذاته (ملزم باتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها لتغيير أو ابطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة) (المادة 2/ و) من اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتي اعتبرت نصوص هذه الاتفاقية قانونا عراقيا نافذا وملزما وهو إحدى تشكيلات النسيج التشريعي العراقي لكون الاتفاقية تلك مصادق عليها بالقانون رقم 66 لسنة 1986 المنشورة في الوقائع العراقية العدد 3107 في 21 تموز 1986.

عرض مقالات: