اخر الاخبار

بعد اعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤخرا عن استحداث قسم للدراسات العليا في 13 جامعة وكلية أهلية، طُرحت الكثير التساؤلات حول جدوى هذه الخطوة أو ملاءمتها للواقع الراهن الذي يعيشه هذا القطاع، وتوسعته الكبيرة على حساب التعليم الحكومي.

فيما ينتقد مختصون السياسات التعليمية «العشوائية» التي رافقت أداء الحكومات المتعاقبة والتي وضعت العراق في مواقع وتصنيفات لا يحسد عليها. كما يشيرون إلى أهمية مراجعة هذا النهج بشكل كامل ومعرفة الجدوى الحقيقية للقرارات قبل اتخاذها بهذه الطريقة.

أسباب المخاوف

وأكدت وزارة التعليم العالي، أن خطوة استحداث الدراسات العليا في الجامعات الأهلية جاءت وفقا لقانون التعليم الأهلي رقم 25 لسنة 2019 المادة التاسعة منه، والتي أعطت الصلاحية للوزارة باستحداث برامج الدراسات العليا الخاصة بذلك.

وبيّنت الوزارة أن الحصول على الشهادة العليا سيقتصر على الماجستير أو الدبلوم العالي، وذلك بعد تدقيق دائرة البحث والتطوير للطلبات التي قدمتها جامعات وكليات أهلية ترغب بذلك.

وبحسب الجداول التي نشرتها الوزارة، فإن 13 جامعة أهلية ستستقبل طلبة الدراسات العليا لتخصصات طبية وهندسية ومالية وحسابية ومصرفية، فضلا عن ادارة الاعمال وعلوم القرآن والعلوم الاسلامية. علما أن الجامعات هي «آشور، الاسراء، الامام جعفر الصادق، العميد، العين، الفراهيدي، الكتاب، الكفيل، المستقبل، المعقل، أهل البيت، أوروك وجامعة وارث الأنبياء» والتي ترى أنها قادرة على استحداث الدراسات العليا وتنفيذ برامجها الاكاديمية بالشكل المطلوب.

وخلال الأيام الأولى التي رافقت اعلان الوزارة عن نيتها استحداث الدراسات العليا في الجامعات الأهلية، قوبلت الخطوة برفض نيابي كبير، حيث وقّع 103 نواب، عريضة قدمها رئيس لجنة التعليم العالي النيابية، طالبت بـ»حذف الفقرة من الموازنة لأنها ليست من اختصاص قانون الموازنة العامة».

وبعد الاعلان عن الشروع بهذه الخطوة، لم يخف اساتذة واكاديميون تساؤلاتهم وقلقهم حول الجدوى والنتائج المرتقبة، حيث تُقدم الكثير من الملاحظات بشأن رصانة مخرجات بعض الدراسات الأولية الأهلية، وما يقال في هذا المجال أيضا عن التهاون الاكاديمي والحضور اليومي وامور أخرى جدلية.

يقول الأكاديمي باسم فليح الموسوي، أن الملاحظات لا تهدف إلى رفض الفكرة برمتها، لكن التعليم العالي يواجه أزمات متراكمة نتيجة سوء الادارة والتخبط في ايجاد نظام تعليمي رصين ذي أهداف واضحة المعالم، واصفا استحداث هذه الدراسات بـ»الخطوة المتسرعة في الوقت الحالي».

ويوضح الموسوي لـ»طريق الشعب»، أن هذه الملاحظات «تثير الكثير من الاسئلة حول جدوى الدراسات العليا في الجامعات الأهلية، وهل ستكون بمستوى المناهج الحكومية أم لا، حيث أن الاساتذة الجامعيين وبحكم التجربة يعون قضية الفوارق بين التعليم الاهلي والعام في مختلف المؤسسات التعليمية والتربوية، مع الاخذ بنظر الاعتبار بعض التجارب الناجحة هنا وهناك»، لافتا الى وجود «حالة آخرى تثير المخاوف وهي أن عدد من الجامعات الأهلية مملوكة لسياسيين او أشخاص متنفذين، ولطالما واجهت اتهامات بأنها أبواب للاستثمار لا تأبه بأهمية المخرجات الاكاديمية والبحث العلمي الرصين بقدر المال، في ظل بلد يعيش حالة من الفوضى وسعي متواصل الى خصخصة وتذويب القطاعات العامة الحكومية، فكيف سيكون حال الدراسات العليا مع القرار الجديد وما هي معايير القبول؟».

ويكشف المتحدث عن سياسات يراها خاطئة رافقت التعليم مثل «اعطاء الدور الثالث للطلبة الراسبين في الدراسات الأولية والعليا، ومحاولات ارجاع هذا النظام حاليا، وما هي النتائج التي ستظهر اذا شمل هذا الأمر الدراسات العليا المستحدثة في الجامعات الأهلية، في وقت يتطلب ايجاد سلوك اكاديمي مثمر وحقيقي، ومراجعة شاملة لهذا الميدان وحل مشاكل المناهج وتذويب الفجوات بين القطاعين الأهلي والحكومي».

فرصة اكبر للباحثين عن الدراسة

أما الاستاذ الجامعي فؤاد الربيعي، فيرى أن استحداث الدراسات العليا في الجامعات والكليات الاهلية خطوة مقبولة لو احسن صاحب القرار تدبيرها، وهي فرصة توفر مساحة اكبر للباحثين الذين ينوون الدراسة في الخارج.

ويوضح الربيعي خلال حديثه مع «طريق الشعب»، أن «قبول الطلبة في الجامعات العراقية الأهلية يضمن مردودا ايجابيا يفوق ما ينتج عن الدراسة العليا في الخارج، وبالطبع نستثني من ذلك الجامعات العالمية. فمن غير المعقول أن يترك العراق اعداد هائلة من الباحثين ينفقون أموالهم خارج البلاد، ويقضون أشهر طويلة لمحاولة الحصول على شهادات من جامعات عليها مؤشرات خلل كبيرة وتفتقد الرصانة وفيها من التساهل ما لا يمكن تصوره، بينما يمكن أن يكون الوضع افضل بكثير داخل العراق، فضلا عن وجود عدد كاف من التدريسيين العراقيين يمكن الاستفادة من خبراتهم العلمية».

ودعا الربيعي إلى «تسهيل الاجراءات ومغادرة التعقيد والروتين الذي يدفع بالطلبة للذهاب الى الخارج والدراسة هناك»، لكنه يرى أن «الاصرار على عدم توسعة المقاعد في الجامعات الحكومية وفتحها في الأهلية أمر يثير القلق أيضا، إلا أنه لا يمنع من البدء بالخطوة ومحاولة تطويرها بصدق والارتقاء بمستوى الجامعات الأهلية».

تحديات عديدة

ويواجه النظام التعليمي جملة من التحديات، أبرزها نظام المحاصصة الذي جعل وزارة التعليم والجامعات طوال سنوات فريسة للاحزاب والقوى المتنفذة. كما أن عدم الاستقرار السياسي والتخلف في الاقتصاد والبنى التحتية جعل من التعليم حلقة هشة تعاني باستمرار وتفتقد النهج الاستراتيجي والرؤية بعيدة المدى.

وارتباطا بذلك، تعتقد الدكتورة حنان خليل (استاذة جامعية) أن ظاهرة التعليم الأهلي تزايدت بشكل هائل وفقا لحاجة القوى المتنفذة الى ترسيخ وجودها في الميادين الهامة ومنها الدراسية، وهي ميادين تدر عليها أموالا طائلة.

وتقول خليل لـ»طريق الشعب» أن عدد الجامعات الأهلية أصبح حوالي ضعف الجامعات الحكومية حيث «توجد حوالي 65 جامعة أهلية معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي، بينما توجد 35 جامعة حكومية فقط وغالبيتها قديمة، أي أن الدولة لم تفتتح جامعات بالقدر الذي نراه في التعليم الأهلي وهذا الأمر يجيب على الكثير من الاسئلة المطروحة حاليا».

وتلفت خليل إلى أن هذا السلوك «يتعارض مع الدستور الذي يؤكد على حق التعليم المجاني»، مبينة أن «طلبة كثيرون اصبحت معدلاتهم المنخفضة لا تؤهلهم للدراسة في التعليم الحكومي، لكنها تخولهم للقبول في تخصصات عالية في الجامعات والكليات الأهلية وهذه مفارقة غير منطقية». وتلفت الاستاذة إلى أن «هذا النهج امتد ليصل الى الدراسات العليا وهذا ينذر بمخاطر حقيقية ليست على التعليم وحده، بل على مستقبل المسار الأكاديمي وامكانيات تطوير الثروات البشرية».

وتؤكد خليل وجود مشكلة كبيرة تتمثل بـ»تقليص عدد مقاعد الدراسات العليا في الجامعات الحكومية واطلاق مقاعد جديدة في الجامعات الأهلية، ويتم ذلك تحت شعار عدم قدرة القطاع الحكومي على استيعاب اي توسعة بهذا المستوى، بينما هي ممكنة لو توفرت الارادة».

عرض مقالات: